اكتشافات الغاز الجديدة في الأردن.. لماذا لا تنعكس على فواتير المواطنين؟

"يستورد الأردن أكثر من 93 بالمئة من إجمالي مخصصات الطاقة"
ما تزال فاتورة الطاقة مرتفعة على خزينة الأردن الذي يستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجته من الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء في وقت يعول فيه الأردنيون على الطاقة الشمسية لخفض الفواتير.
ومع وجود مساحات كبيرة غير مستكشفة في الأردن من الثروات البترولية، تتجه المملكة إلى مزيد من الاكتشافات من أجل تقليل النفقات على الطاقة من الميزانية العامة.

اكتشافات جديدة
وجديد ذلك، إعلان الأردن وجود مؤشرات إيجابية لاكتشاف الغاز في المملكة بما يكفي لإنتاج الكهرباء لعشرات السنين وفق ما قال وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة في 26 يونيو/حزيران 2024.
وأضاف الخرابشة خلال مؤتمر صحفي عقده بالشراكة مع المتحدث باسم الحكومة الاردنية مهند المبيضين أنه "خلال عام 2024 سيتم حفر 10 آبار جديدة للغاز".
وقال إنه تُجرى حاليا دراسات نهائية لتأكيد كميات احتياطي الغاز الموجودة في هذه الاكتشافات.
وكان الخرابشة قد أكد في وقت سابق أهمية العمل على زيادة إنتاج الغاز من حقل الريشة، وأن الأردن لا يدخر جهدا في هذا الملف.
وأردف: "تُقدّر كميات الغاز الطبيعي المتوافرة والمتاحة حاليا في حقل الريشة الغازي بـ31 مليون قدم مكعب يوميا".
ويقع الحقل على الحدود الشرقية للبلاد مع العراق، وعلى بعد 370 كم من العاصمة عمّان، وجرى اكتشافه عام 1985.
وينتج حقل الريشة نحو 5 بالمئة من استهلاك المملكة من الغاز الطبيعي البالغ نحو 350 مليون قدم مكعب يوميا لتوليد الكهرباء. وقد أنتج خلال عام 2023 نحو 40 مليون قدم مكعب يوميا.
وغاز هذا الحقل يستغل فقط بمحطة الريشة لتوليد الطاقة الكهربائية، غير أن هناك 3 شركات مهتمة باستغلاله لتحويله من الغاز بدرجات الحرارة والضغط العادي إلى الغاز المضغوط الذي يتم نقله واستخدامه في الصناعة.
وأكبر منتج للغاز الطبيعي في الأردن هي شركة البترول الوطنية بإنتاج يزيد بنسبة 10 بالمئة عن عام 2022.
والأردن هو المنتج السادس والأربعون الأكبر للغاز الطبيعي في العالم، وزاد إنتاج البلاد بنسبة 10 بالمئة في عام 2023، مقارنة بعام 2022. وتمثل البلاد صفرا بالمئة من الإنتاج العالمي.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية حتى عام 2023، ارتفع الإنتاج من الأردن بمعدل نمو سنوي مركب قدره 15 بالمئة.
ومن المتوقع أن ينخفض بمعدل نمو سنوي مركب قدره 9 بالمئة بين عامي 2024 و2028.
يستورد الأردن أكثر من 93 بالمئة من إجمالي مخصصات الطاقة، وينفق 3.5 مليارات دولار سنويا على الطاقة، بما في ذلك ما يقرب من 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مما يضغط على اقتصاده.
ويلعب الغاز الطبيعي دورا محوريا في التحول العالمي في مجال الطاقة، حيث يعمل كوقود انتقالي نحو إزالة الكربون.
ومع انتقال البلدان من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، يوفر الغاز الطبيعي بديلا منخفض الكربون، مما يساعد في تقليل الانبعاثات وتوفير طاقة موثوقة نظرا لتقلب توفر طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

خطة إستراتيجية
بحسب مدير عام شركة البترول الوطنية محمد الخصاونة فإن "الشركة تخطط لحفر 8 آبار جديدة في حقل الريشة الغازي خلال عام 2024، و10 آبار عام 2024 ضمن خططها لتطوير الحقل.
وتعتزم الحكومة الأردنية حفر 18 بئرا على مدار العامين 2024 – 2025 لزيادة إنتاج الحقل، منها 10 آبار بواسطة الشركة الكويتية للحفر، و8 بواسطة شركة البترول الوطنية.
والخطة الإستراتيجية لشركة البترول الوطنية تهدف -بحلول نهاية عام 2024- لرفع كمية إنتاج الغاز إلى 50 مليون قدم مكعب يوميا بصفتها مرحلة أولى.
ومن المقرر -وفق الخطة- الوصول إلى 200 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز في نهاية عام 2030.
وتهدف الخطة إلى زيادة نسبة إسهام المنتج المحلي، وتحقيق أمن التزوّد بالطاقة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وفقا لما تضمنته الخطة الإستراتيجية لقطاع الطاقة في الأردن.
وتترقب الأوساط الشعبية إعلان تفاصيل اكتشافات الغاز في الأردن التي أشار إليها وزير الطاقة صالح الخرابشة وانعكاس ذلك على حياتها اليومية.
كما ستسهم هذه الاكتشافات الجديدة للغاز، في تقليل الاعتماد على واردات النفط لتغذية قطاع الكهرباء والصناعات في الأردن.
ويستحوذ الغاز الطبيعي على النصيب الأكبر من حصة توليد الكهرباء في الأردن، إذ بلغت مساهمته خلال 2022 نحو 68 بالمئة، متراجعا من 73 بالمئة خلال عام 2021.
وبلغت كميات الغاز المبيعة من حقل الريشة الغازي لتوليد الكهرباء خلال عام 2022 نحو 5 مليارات و382 مليون قدم مكعب، بمعدل 14.7 مليون قدم مكعب يوميا، حيث أسهمت بنسبة 1.8 بالمئة من توليد الكهرباء في الأردن.
ويعد "حمزة النفطي" و"الريشة الغازي" الحقلين الوحيدين المنتجين في الأردن، وقد شهد إنتاجهما تراجعا خلال العامين الأخيرين، ما دفع الحكومة إلى وضع خطة لتطويرهما، وكذلك التوسع في عمليات الاستكشاف.
وكانت الحكومة قد أطلقت -ضمن مساعيها لزيادة أعمال التنقيب عن النفط والغاز في الأردن، خلال سبتمبر/أيلول 2022- خريطة تفاعلية لتسويق قطاعي الثروات المعدنية والنفط والغاز، وعرضت التوزيع الجغرافي والمعلومات الفنية للفرص الاستثمارية المتاحة في القطاعين.
وتشمل المناطق الـ12 للتنقيب عن النفط والغاز في الأردن المصادر التقليدية وغير التقليدية.
بالمقابل، فإنه لحماية الاحتياجات الوطنية في الأردن من المشتقات النفطية حال وجود خلل في السوق أو لظروف طارئة، يجرى العمل وفق وزارة الطاقة والثروة المعدنية على تعزيز المخزون الإستراتيجي من المشتقات.
إذ لدى الأردن مخزون في منطقة الماضونة بالعاصمة عمان بسعة تخزينية تبلغ 300 ألف طن مشتقات نفطية و8 آلاف طن غاز بترولي مسال.
وفي العقبة سعة تخزينية تبلغ 100 ألف طن مشتقات و6 آلاف طن من الغاز، إضافة لخزانات القطاع الخاص. وبالمجمل يصل المخزون لبعض أنواع المشتقات لمدة 100 يوم وأقلها 75 يوما.
وضمن هذا السياق، قال الخبير الأردني في مجال الطاقة عامر الشوبكي خلال تصريح تلفزيوني في 30 يونيو 2024: لا توجد دراسة حقيقية تعطي أرقام الاحتياطي الحقيقي من الغاز كي نتحدث أنه يكفي لعشر سنوات قادمة.
وأضاف الشوبكي: "الإنتاج الحقيقي للغاز الآن أقل من 15 مليون متر مكعب وهي لا تكفي سوى ثلاثة بالمئة من حاجة الأردن للغاز الطبيعي".
وأردف قائلا: "كثيرا ما تحدثت الحكومة الأردنية عن وجود كميات من النفط بالبلاد، لكن لم نر ذلك على أرض الواقع وبالتالي هذه التصريحات تأتي بين البشرى والتضليل إذ ما نزال نستورد كل حاجتنا من النفط ومشتقاته".
ورأى أن "المواطن الأردني يجب أن يرى أثر تلك الأرقام على حياته اليومية، فمثلا الطاقة المتجددة وصلت إلى 27 بالمئة من خليط الطاقة الكهربائية في الأردن، لكن هل انعكست على سعر الكهرباء على المواطن؟ الملاحظ أن هناك ارتفاعا في أسعارها".
ونوه الشوبكي إلى أن "الأردني ما يزال يستخدم الكهرباء من ضمن أعلى ثلاثة أسعار في الوطن العربي وكذلك المشتقات النفطية بذات الترتيب".
ويرى وجود "عقبات كثيرة تقف أمام ارتفاع أسعار الطاقة في الأردن منها هروب الاستثمار المحلي وارتفاع نسبة البطالة".

خفض فواتير
وما يزال مجمل الإنتاج من الغاز الطبيعي في الأردن قليلا إذ إن الحاجة اليومية من الغاز في هذا البلد 330 مليون قدم مكعب من الغاز، بينما يستورد 95 بالمئة من حاجته من الغاز حيث يدفع 2.7 مليار دولار لشراء الطاقة.
وقد اعتمد الأردن على الغاز الإسرائيلي عمليا لجميع احتياجاته منذ عام 2020، كما أن لديه طاقة كهربائية متولدة من الطاقة المتجددة بنسبة 35 بالمئة، فضلا عن مشروع العطارات الذي يولد نحو 15 بالمئة من حاجة الأردن الكهربائية عبر توليدها من الصخر الزيتي.
وهذا المشروع المستقل الذي ينتج الطاقة من الصخر الزيتي وقعته الحكومة الأردنية مع ائتلاف شركات، من الصين (تملك الحكومة الصينية 45 بالمئة من أسهمها) وماليزيا وإستونيا، عام 2010، وتعمل على إنتاج الطاقة الكهربائية من الصخر الزيتي في جنوب الأردن وبيعها لشركة الكهرباء الوطنية.
وأنتجت إسرائيل قرابة 22 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عام 2022، أي حوالي 1 بالمئة من الإجمالي العالمي، وصدرت 9 مليارات متر مكعب مجتمعة إلى مصر والأردن.
ويأتي معظم إنتاج الغاز الإسرائيلي من الحقول البحرية في البحر الأبيض المتوسط.
وسبق أن قال رئيس الوزراء بشر الخصاونة، إن الأردن يعمل على إيجاد بدائل في حال انقطع الغاز الطبيعي المتدفق من إسرائيل باتجاه المملكة، مشيرا إلى تواصله مع دولتين عربيتين في هذا الصدد.
وقال الخصاونة في مقابلة مع برنامج صوت المملكة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إن اتفاقية الغاز مع إسرائيل "ليست على طاولة الإلغاء"، مشيرا إلى أن الأردن يحترم التزاماته التعاقدية.
وقد ذكرت تقارير صحفية، أن الأردن يفاوض قطر والإمارات وأيضا الجزائر، للحصول على الغاز منها بأسعار تفضيلية أو قريبة من الأسعار التي تقدمها إسرائيل.
وبحسب موقع هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، يوجد ثماني شركات مرخصة لتوليد الطاقة الكهربائية من المصادر التقليدية (غاز، بخار، ديزل، صخر زيتي).

إذ وصلت الاستطاعة الكلية للنظام الكهربائي في المملكة نهاية عام 2022 إلى حوالي 4429 ميغاواط مقارنة مع 3950 ميغاواط عام 2021 بزيادة بنسبة 12.1 بالمئة.
وبحسب أحدث إحصاءات لوزارة الطاقة والثروة المعدنية، يعد القطاع السكني ثاني أكبر مستهلك للطاقة، إذ يمثل ما يقرب من 1520 ألف طن متري من مكافئ النفط، أو 25 بالمئة من الإجمالي عام 2021.
وضمن هذا الإطار، يرى الخبير في قطاع الطاقة المتجددة حنا زغلول، أن الإقبال على مصادر الطاقة المتجددة سواء كانت الحرارية مثل السخانات الشمسية، أو الكهربائية مثل الألواح الكهروضوئية، كبير خاصة بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء أو الوقود الأحفوري.
وقال زغلول لوكالة رويترز البريطانية في أبريل/نيسان 2024 إن إقبال الأردنيين شجع الدعم الحكومي المتمثل ببرامج صندوق الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة.
وهذا البرنامج يمثل نافذة لأصحاب المنازل الراغبين في استخدام هذه المصادر لتخفيض التكلفة سواء بالدعم المباشر للمشروع أو تخفيض تكلفة الفوائد البنكية.
ويرى أن الحلول المرجوة في قطاع الطاقة المتجددة هي زيادة الدعم وتخفيف الأعباء المادية عن المنازل التي تستخدم هذا النوع من الطاقة لأنها بالنهاية تقلل استخدام الوقود الأحفوري الذي تشتريه الدولة بالعملة الصعبة.
المصادر
- الأردن يعلن وجود مؤشرات إيجابية لاكتشاف الغاز في المملكة بما يكفي لإنتاج الكهرباء لعشرات السنين
- وزير الطاقة والثروة المعدنية يؤكد في حوار مع الرأي : مراجعة استراتيجية الطاقة بما فيها "النووي"
- اكتشاف بئر غاز جديدة في الأردن يحيي الآمال بمصدر محلي للطاقة
- الأردنيون يعولون على الطاقة الشمسية لخفض فواتير الكهرباء رغم تحديات البيروقراطية