رغبة روسية إماراتية.. لماذا لم ينخرط الأسد في دعم المقاومة وطوفان الأقصى؟

حسن عبود | منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

على مدار عام كامل، غاب النظام السوري برئاسة بشار الأسد عن المشهد تماما، سياسيا وعسكريا وحتى خطابيا، في وقت تعرض فيه هو وحلفاؤه لضربات غير مسبوقة.

وشارك محور المقاومة الذي تقوده إيران في عملية طوفان الأقصى، من لبنان إلى اليمن وحتى العراق، وسط غياب نظام الأسد الذي نالته ضربات إسرائيل خلال هذا العام.

خارج المحور

فقد أرسلت جماعة الحوثيين في اليمن عشرات الطائرات المسيرة قطعت مسافة تتجاوز ألفي كيلو متر لتصل إلى الحدود الفلسطينية المحتلة وأوقعت خسائر بشرية ومادية في بعض الأحيان.

وهذا فضلا عن إغلاق الجماعة البحرين الأحمر والعربي أمام السفن التابعة لإسرائيل أو المتجهة إليها، واستهدفت العشرات منها، في عملية ضغط لوقف العدوان على غزة.

وإضافة إلى ذلك، تنظم الجماعة وقفات ومسيرات أسبوعية ضخمة كل يوم جمعة منذ عام كامل.

وبدورها، نجحت الفصائل العراقية مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2024، بقتل اثنين من جنود لواء جولاني الإسرائيلي، بعد هجوم بطائرة مسيرة انطلقت من العراق.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الجنديين الإسرائيليين قتلا في قاعدة عسكرية شمال الجولان نتيجة انفجار طائرة بدون طيار انطلقت من العراق. وأضاف أن الضربة بالطائرة العراقية تسببت أيضا بإصابة 23 جنديا آخر.

وجاء هذا الإنجاز بعد محاولات عديدة أطلقت فيها تلك الفصائل طائرات مسيرة لكن جرى اعتراضها. وتشكل فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بينها كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء وحركة النجباء، ما يعرف بـ "المقاومة الإسلامية في العراق".

أما النظام السوري، فقد كان موقفه مريبا منذ انطلاق طوفان الأقصى، وأقرب إلى مواقف محور التطبيع العربي، التي تفضل الصمت وإصدار بيانات إدانة بروتوكولية، ولم تكن هناك حتى أي احتجاجات رمزية في سوريا.

ومنذ البداية، كان يبدو أن بشار الأسد يريد معاقبة حركة المقاومة الإسلامية حماس بسبب اصطفافها إلى جانب الثورة السورية، ولذلك لم يتخذ موقفا قويا لمساندة عمليتها في عمق المستوطنات الإسرائيلية.

لكن موقفه الضعيف لم يتغير حتى بعد دخول حزب الله، حليفه الذي ساهم بإنقاذ نظامه في سوريا، بمعركة طوفان الأقصى بكل قوته.

حتى إن الأسد انتظر يوما كاملا قبل أن يصدر بيان تعزية بمقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 28 سبتمبر/أيلول 2024.

ومن المثير للاهتمام أنه بعد مقتل نصر الله، حافظ التلفزيون السوري الرسمي على تغطية منخفضة للغاية لما يجرى في لبنان.

وأكثر من ذلك، أجبرت قوات نظام الأسد، أصحاب السيارات على نزع صور نصر الله، أبرز حلفائه الرئيسين، من على زجاج سياراتهم بحسب ما نقل موقع "فرانس بالعربي". 

وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى، اكتفى النظام في 7 أكتوبر بنشر صورة عبر صفحة "رئاسة الجمهورية السورية" على "فيسبوك"، وعليها خارطة فلسطين ومن خلفها المسجد الأقصى، وهو ما عدته أوساط مقربة منه تأييدا ضمنيا على ما حصل في غلاف غزة.

بعد ذلك نشرت وزارة خارجية النظام بيانا جاء فيه أن "فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة سجلت سطرا جديدا على طريق إنجاز الحقوق الفلسطينية الثابتة وغير القابلة للتصرف".

لكن كان ينتظر أكثر من ذلك، من دولة تحتل إسرائيل هضبة الجولان التابعة لها منذ عام 1967، ثم ضمت المنطقة لها في خطوة لم تعترف بها الأمم المتحدة.

وخاصة أن إسرائيل شنت وما تزال منذ أكثر من عقد على الثورة في سوريا مئات الغارات الجوية على أراضيها، مستهدفة بشكل أساسي القوات المدعومة من إيران ومقاتلي "حزب الله"، بالإضافة إلى مواقع لقوات الأسد.

غياب الرد

وبعيدا عن عدم مشاركته في المعارك التي يخوضها المحور دعما للمقاومة الفلسطينية وللضغط باتجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، غاب الأسد أيضا عن صد الهجمات التي تتعرض لها سوريا فضلا عن الرد عليها.

فقد كان النظام السوري يتلقى الضربات الإسرائيلية دون أي رد، وهو أمر أصبح معهودا منذ أكثر من 13 سنة، عندما اندلعت الثورة السورية وتمددت إيران في تلك الدولة.

ونادرا ما شهد الجولان أحداثا أمنية كبيرة من قبل النظام السوري، على مدى العقود الماضية، حتى إنه بات "جبهة هادئة" على نحو أكبر من باقي الجبهات المحيطة بإسرائيل.

وتقول منظمة مراقبة الحرب السورية، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، ولا يُعرف مصدر تمويلها، إنه منذ بداية حرب غزة، لم تستهدف سوى 26 هجمة صاروخية من سوريا مرتفعات الجولان (حتى نهاية أبريل/نيسان 2024).

وقد سقط معظمها في مناطق مفتوحة، وهو ما يُقرأ على أن بشار الأسد يريد البقاء بعيداً عن الصراع في غزة.

ويأتي ذلك في وقت تعرضت سوريا لعدة هجمات إسرائيلية خلال طوفان الأقصى، كان أبرزها استهداف مركز البحوث العلمية في مصياف بريف محافظة حماة السورية في 9 سبتمبر.

وأصبح استهداف هذا المركز أمرا معتادا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن سلسلة الغارات التي نفذتها مقاتلة إسرائيلية عليه أخيرا، كانت الأعنف من حيث الحجم والتأثير، إذ نفذت قرابة 15 غارة، مما أدى إلى مقتل 18 شخصا وإصابة نحو 40.

وعقب الهجوم، أكّدت هيئة الإذاعة الإسرائيلية الرسمية أن الجيش الإسرائيلي استهدف منشأة لتطوير أسلحة الدمار الشامل، ينشط ضمنها خبراء عسكريون إيرانيون مختصون بإنتاج الأسلحة، حسب وصفها.

وتصاعدت الهجمات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية بشكل ملحوظ منذ اندلاع طوفان الأقصى، ويمكن القول إنها وصلت إلى أعلى مستوياتها بهجوم مصياف الأخير.

وكان من بينها أيضا استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع أبريل/نيسان 2024، مما أدى إلى مقتل 16 شخصا، ثمانية إيرانيين وخمسة سوريين ولبناني واحد ينتمي إلى حزب الله كلهم مقاتلون، بالإضافة إلى مدنيَين اثنين.

وتزامنا مع بدء محاولات توغلها البري في جنوب لبنان منذ مطلع أكتوبر 2024، شرعت إسرائيل في تضييق الخناق على طرق إمداد “حزب الله” اللبناني بالسلاح عبر الحدود مع سوريا.

فركزت إسرائيل ضرباتها الجوية على طرفي الحدود اللبنانية السورية، والتي نالت كذلك حتى المعابر الرسمية.

وفي ضربة عنيفة، قُتل خمسة عناصر من قوات النظام السوري بعد استهداف موقع عسكري قرب منطقة “كفير يابوس” بريف دمشق قرب الحدود السورية اللبنانية في 27 سبتمبر 2024.

واستهدفت طائرات إسرائيلية في 4 أكتوبر ما قال جيش الاحتلال إنه "نفق تحت الأرض يمتد من الحدود اللبنانية إلى داخل سوريا على مسافة 3,5 كيلومترات ويسمح بنقل كميات كبيرة من الأسلحة وتخزينها تحت الأرض".

كما أدت غارة إسرائيلية استهدفت فجر يوم 4 أكتوبر منطقة المصنع شرق لبنان، الحدودية مع سوريا، إلى قطع الطريق الدولية بين البلدين.

ويعتقد أن حزب الله حصل على معظم أسلحته من إيران عبر سوريا، بشكل مكثف منذ أن تدخل عسكريا إلى جانب قوات الأسد عام 2012 بأمر المرشد الإيراني علي خامنئي لقمع الثورة السورية.

ما الأسباب؟

يمكن تتبع أسباب عدم انخراط الأسد في المعركة من خلال العودة إلى المكالمة السريعة التي أجراها رئيس الإمارات محمد بن زايد مع الأسد بعد يوم واحد من تنفيذ عملية طوفان الأقصى.

وقتها، قالت وكالة "سانا" الرسمية إنهما "بحثا التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة والأوضاع في المنطقة". ولكن في اليوم التالي، نشر موقع "أكسيوس" الأميركي تقريرا أشار فيه إلى أن "الإمارات حذّرت الأسد من التورط في حرب حماس وإسرائيل".

وذكر أن العديد من الدول بما في ذلك الولايات المتحدة، تشعر بقلق بالغ من أن الحرب قد تمتد إلى لبنان أو سوريا، وتتصاعد إلى "صراع إقليمي".

وأوضح أن الإماراتيين، الذين أعادوا عام 2022 علاقتهم مع دمشق ودعوا الأسد لزيارة أبوظبي، يتمتعون بنفوذ على الحكومة السورية أكبر من معظم الدول العربية في المنطقة.

وتتمتع الإمارات أيضا، بحسب الموقع، بعلاقة وثيقة مع إسرائيل بعد أن وقعت الدولتان معاهدة سلام عام 2020 كجزء من اتفاقيات أبراهام، التي توسط فيها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.

وأضاف "أكسيوس" أن المسؤولين الإماراتيين وجهوا رسائلهم إلى مسؤولين سوريين رفيعي المستوى وأطلعوا إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، على اتصالاتهم مع السوريين، بحسب المصدرين.

وقال دبلوماسي غربي طلب عدم ذكر اسمه لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل": "حذر الإسرائيليون الأسد بوضوح من أنه إذا تم استخدام سوريا ضدهم فإنهم سيدمرون نظامه".

وفي 29 أبريل 2024، نقلت الصحيفة كذلك عن أندرو تابلر من معهد واشنطن أن "روسيا والإمارات العربية المتحدة حثتا الأسد على الابتعاد عن الصراع".

وتحقيقا لهذه الغاية، قالت وزارة الدفاع الروسية في نفس الشهر إنها أنشأت موقعا إضافيا في الجزء السوري من الجولان، "لمراقبة وقف إطلاق النار وتعزيز التهدئة".

وبعد عام من صمته، تساءل موقع ميدل إيست مونيتور البريطاني: مع الوضع الحالي المتقلب في الشرق الأوسط، لماذا كان بشار الأسد، أحد أكثر اللاعبين أهمية في المنطقة خلال العقد ونصف العقد الماضيين، صامتا إلى هذا الحد؟

وأردف في 7 أكتوبر 2024: "لقد تحدث الأسد لفترة طويلة عن نفسه بصفته جزءا من محور المقاومة واستخدم هذه الحجة لسنوات أثناء الانتفاضة السورية عندما واجه الاحتجاجات التي زعم أنها ممولة من الغرب". 

كانت هذه الادعاءات دائما مثيرة للسخرية نظرا لحقيقة أن نظام الأسد لم يفعل شيئا لدعم الشعب الفلسطيني على مدى نصف القرن الماضي، بل إنه ذبح اللاجئين الفلسطينيين في سوريا في السنوات الأخيرة، بحسب وصف الموقع.

ولم تكن إسرائيل حليفة رسمية للأسد في يوم من الأيام، لكنها كانت دائما تؤيد بقاءه رئيسا لسوريا بدلا من زعيم منتخب ديمقراطيا من المرجح أن يكون لديه ما يقوله عن انتهاكات دولة الاحتلال المتكررة للقانون الدولي. 

ويرى الموقع أن تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأخيرة تستحق النظر أيضا في هذا الإطار، فهو يسعى إلى خفض التصعيد مع إسرائيل وإزالة العقوبات الأميركية على بلاده. 

وكان الأسد أكثر برودة بشكل ملحوظ تجاه إيران على مدار العام 2023، حيث سعى إلى التطبيع مع الدول العربية، خاصة في الخليج. 

وعن أسباب صمته، يوضح الموقع أن التصعيد بين الإيرانيين والإسرائيليين من شأنه أن يجعل موقف الأسد أكثر صعوبة.

وبينما يحترق الشرق الأوسط، اختار الأسد التحدث إلى حكومته حول الشؤون الداخلية العادية وتعديل الحكومة، بدلا من التصعيد.

فهناك مشاكل مستمرة للحكومة في درعا والسويداء بالجنوب، ولا يزال شمال غرب سوريا تحت سيطرة قوات المعارضة، والشمال الشرقي تحت سيطرة الأكراد. 

ويرى ميدل إيست مونيتور أن هناك القليل من الدلائل على تحسن الوضع الاقتصادي في سوريا، كما أن الداعم الآخر للأسد، روسيا، مشتت في أوكرانيا. 

ويعتقد أن الشعاع الوحيد من الضوء الذي يمكن للأسد أن يراه هو فكرة التطبيع مع تركيا، حيث يواصل الرئيس رجب طيب أردوغان، تحت ضغط محلي، الدفع لإعادة اللاجئين السوريين والعمل مع رئيس النظام السوري في محاربة الأكراد.

كما تسعى حكومة الأسد إلى إيجاد توازن دقيق بين روسيا وإيران، اللتين دعمتاها خلال 13 عامًا من الحرب ضد الثورة وساعدتاها على استعادة الأراضي المفقودة، حيث تريد موسكو الحفاظ على حكم بشار ومواصلة الاستفادة من وجوده بالسلطة في تثبيت دعائمها بالمنطقة.