استئناف إبادة غزة بموافقة أميركية.. هل أولويات ترامب ونتنياهو متعارضة؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

كعادته الدائمة في نقض العهود، خرق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 18 مارس/ آذار  2025، اتفاق وقف إطلاق النار بشكل مفاجئ عبر شن غارات واسعة عنيفة نالت معظم مناطق قطاع غزة، أسفرت عن ارتقاء عشرات الشهداء ومئات الجرحى والمفقودين.

ورغم تأكيد واشنطن علمها المسبق باستئناف إبادة غزة، ادعى موقع "ذا ميديا لاين" الأميركي أن "الرئيس دونالد ترامب لا يسعى فقط لوقف مؤقت للقتال، بل يطمح لاتفاق تاريخي يحقق السلام في الشرق الأوسط".

لكن الموقع شدد على أن التطورات في غزة "قد تحمل تداعيات عالمية واسعة”.

ضرر ودمار

وطوال مسار المفاوضات، أصرت حماس على شرط أساسي يتمثل في إنهاء العدوان الإسرائيلي بشكل دائم وانسحاب قوات الاحتلال بالكامل من غزة، وهو شرط تعارض باستمرار مع مواقف المفاوضين الإسرائيليين، الذين سعوا إلى تمديد الهدنة وفقا لشروطهم، دون إنهاء العدوان.

يُذكر أن الاتفاق الذي وقعته إسرائيل وحماس في يناير/كانون الثاني 2025، تضمن مرحلة ثانية من المفاوضات تهدف إلى إنهاء العدوان بشكل دائم.

ومع ذلك، بدا أن الحكومة الإسرائيلية تتباطأ في هذه المفاوضات، حيث لجأت بدلا من ذلك إلى ممارسة ضغوط على “حماس” للقبول بشروطها من خلال قطع الكهرباء والغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية الأخرى عن غزة، مما يلحق أضرارا بقرابة مليوني شخص.

وقال الموقع الأميركي: “في المقابل، ظل ترامب يراقب المفاوضات عن كثب، من أجل تحقيق هدف يتجاوز مجرد إنهاء العدوان، وهو التوصل إلى اتفاق أوسع يمهد الطريق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية”.

وأفاد بأن "ترامب تعهد بإنهاء الحرب في غزة وضمان الإفراج عن جميع الرهائن الإسرائيليين، كما قدم خطة لإعادة توطين سكان غزة بشكل دائم، مع وضع القطاع تحت سيطرة أميركية بهدف إعادة إعماره".

ووفقا للأمم المتحدة، فإن ما يقرب من 70 بالمئة من البنية التحتية في غزة تعرضت للدمار أو الضرر، في حين أصبحت 80 بالمئة من الطرق غير صالحة للاستخدام.

لكن اقتراح ترامب، الذي طرحه في فبراير/شباط 2025، قوبل بإدانة واسعة من الفلسطينيين والعالم العربي.

بعدها، أعلن وزراء الخارجية العرب استمرار مشاوراتهم مع المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف بشأن إعادة إعمار غزة، بعد أن رفض ترامب مقترحهم الذي يقضي ببقاء سكان غزة في أراضيهم.

غير أن ترامب بدا وكأنه يتراجع عن خطته لإعادة التوطين، حيث قال ردا على سؤال أحد الصحفيين: "لا أحد يطرد الفلسطينيين".

عقب ذلك، كشف إعلام أميركي عن أن مبعوث ترامب لشؤون الأسرى، آدم بوهلر، أجرى محادثات مباشرة مع حماس، في خطوة شكلت خروجا واضحا عن السياسة الأميركية المعتادة.

وعلق الموقع قائلا: “طموحات ترامب تتجاوز مسألة الأسرى، فهو يسعى إلى تحقيق إنجاز تاريخي في الشرق الأوسط قد يضعه على طريق الفوز بجائزة نوبل للسلام”.

حسابات سياسية

لكن إصرار نتنياهو على استمرار العدوان على غزة مرتبط أيضا بالسياسة الداخلية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفق الموقع الأميركي.

وأوضح أن "شعبيته تراجعت في بداية الحرب، إذ حمّله كثير من الإسرائيليين مسؤولية تمكين حماس على مدى العقدين الماضيين منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2006".

واستطرد: “كما يواجه نتنياهو ضغوطا داخلية أخرى، لا سيما مع استمرار محاكمته بتهم الفساد، مما يدفع منتقديه للتشكيك في دوافعه، واتهامه بالسعي إلى إطالة أمد الحرب للبقاء في السلطة”.

وقال الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي، تشاك فرايليك: “نتنياهو يتعرض لضغوط من بعض شركائه في الائتلاف للتحرك بسرعة”، وهو ما قام به باستئناف الإبادة على غزة.

وأضاف أن "المصلحة الأميركية تكمن في إنهاء الحرب، ولتحقيق ذلك يجب إنهاء أزمة الرهائن، وبمجرد تحقيق هذا الهدف، يصبح الهدف الإستراتيجي هو الاتفاق الأوسع، أي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو ما يتطلب موافقة إسرائيلية على إحراز تقدم في الملف الفلسطيني".

وقال فرايليك: "ترامب يريد بالفعل صفقة كبرى، وكل شيء يجب أن يكون على مراحل".

وأضاف “هنا قد تصبح الأمور معقدة بالنسبة لنتنياهو، إذ يرفض كبار أعضاء ائتلافه الحاكم إقامة دولة فلسطينية، بينما يُعتقد أن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة هو الشرط الأساسي لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية”.

ورأى فريليك أن "هناك مساحة واسعة للخلاف بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب، وضرورة تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية". 

وأردف: "نتنياهو يريد التطبيع، لكنه لا يريد دفع الثمن المطلوب لتحقيقه".

وأوضح فريليك أن "الخطة الكبرى لسياسة ترامب الخارجية تمتد إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط، إذ تُعد إسرائيل مكونا أساسيا في مجموعة (آي 2 يو 2)، وهو تحالف أسسته الولايات المتحدة ويضم الإمارات والهند".

ويهدف هذا التحالف إلى تعزيز التعاون في مجالات المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي بين الدول الأربع.

وبحسب موقع "ذا ميديا لاين"، قد تلعب السعودية دورا محوريا في هذه الشراكة الناشئة، التي تهدف أيضا إلى "ترسيخ مسارات تجارية جديدة في ظل سعي الولايات المتحدة لمواجهة الجهود الصينية للهيمنة على التجارة العالمية".

وقالت الخبيرة في السياسة العامة والأمن القومي شارونا شير زابلودوفسكي: "في النهاية، القوة الأميركية واسعة النطاق، سواء من حيث القوة العسكرية أو النفوذ المالي، فالحرب العالمية الحقيقية هي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وجميع القضايا الأخرى هي مجرد انعكاسات لهذا الصراع".

وختمت قائلة: "في الوقت الحالي، يصب هذا في مصلحة إسرائيل، إذ ستفعل الولايات المتحدة كل ما يلزم لضمان إطلاق سراح الرهائن".