ما حقيقة "البن المصري" الذي يروج نظام السيسي لظهوره قريبا بالأسواق؟

داود علي | منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

عام 1985 أنتجت السينما المصرية أحد روائعها الخالدة بعرض فيلم "الكيف" بطولة محمود عبد العزيز ويحيى الفخراني، ومن تأليف وسيناريو وحوار الكاتب محمود أبو زيد. 

وخلال الأحداث دار حوار بين يحيى الفخراني وجميل راتب الذي قام بدور الرجل الشرير "البهظ بيه"، ومما قاله: "كنا بنغش الشاي بنشارة خشب، فكسبنا ملايين، ولما النجارين طمعوا، وعملنا شاي حقيقي مش مغشوش، فلسنا علشان الناس كان عجبها المغشوش.. مش بقولك مغفلين". 

ليرد الفخراني قائلا: "هما اللي مغفلين ولا أنت والغشاشين اللي زيك اللي فسدتوا ذوقهم.. عودتوهم على الوحش لحد ما نسيوا طعم الحلو!".

والشعب المصري دائما ما يعرف نفسه بجملة دارجة "صاحب مزاج" إذ يحرص مثل غيره من الشعوب على تناول الشاي والقهوة وكل ما ينتمي إلى الكافيين. 

لكن الأزمة الاقتصادية المستمرة التي ضربته خلال السنوات الأخيرة، تسببت في التأثير على نمط حياته بشكل عام، وعكرت مزاجه بشكل خاص، فصعدت إلى السطح أزمات تتعلق بالشاي والسكر. 

لكن أكبر الأزمات المنغصة في هذا المجال تلك المتعلقة بـ"فنجان القهوة" الذي أصبح الحصول عليه صعبا ومكلفا، بعد ارتفاع تكاليف استيراده، وكذلك عدم استقرار أسعار الدولار، الأمر الذي ترك أثرا سلبيا على سوق القهوة والبن.

ويصل معدل استهلاك المصريين السنوي من البن إلى 70 ألف طن. وتستهلك مصر ما يقرب من 100 بالمئة من احتياجاتها، لأنه لا يُنتج محليا.

“البن المصري”

وبسبب أزمة البن المستمرة في مصر، ووجود سخط شعبي على ندرته وارتفاع سعره، بدأت تظهر شائعات أن مصر نجحت في زراعة البن، وأنه قريبا سيظهر فنجان "قهوة مصري" على غرار "القهوة البرازيلي والكولومبي واليمني". 

وفي 23 أبريل/ نيسان 2024، ذكرت صحيفة "اليوم السابع" المحلية التابعة للنظام، أنه بعد تجارب على مدار 40 عاما لزراعة البن في مصر، وبعد دخول أشجار البن كهدية من دولة اليمن الشقيقة.

نجح مركز بحوث البساتين بمدينة القناطر الخيرية، التابع لوزارة الزراعة، في زراعة شجرة البن لأول مرة في مصر، وبدأت الحصاد الفعلي لمحاولات طويلة.

وفي اليوم التالي 24 أبريل، أعلن الدكتور عادل عبدالعظيم رئيس مركز البحوث الزراعية، أن وزير الزراعة منصور القصير، اجتمع مع الفريق البحثي لتجربة زراعة البن ووجه بإجراء المزيد من التجارب التطبيقية في ضوء التغيرات المناخية الجديدة.

لكن الأمر لم يتوقف على الصحف ووسائل الإعلام، حيث أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية عبر "فيسبوك" يوم 23 أبريل، تحت عنوان "البن هيبقى مصري".  أنه "لأول مرة في تاريخها الزراعي... مصر تحصد إنتاجها من البن بالقناطر الخيرية".

وقالت الهيئة إنه بعد عدة تجارب لمدة 40 عاما، نجح معهد البحوث الزراعية في زراعة وحصاد البن بعدد من المحافظات منها القليوبية والبحيرة والإسماعيلية وأسيوط والمنيا بطاقة تصل إلى 600 طن على أن يتم تعميم التجربة بشكل أوسع الفترة المقبلة".

كذبة كبرى 

وتعليقا على هذه الإعلانات، قال أستاذ الهندسة الزراعية الدكتور أسامة علم الدين، إن الحديث عن نجاح زراعة البن في مصر، وأننا بصدد فنجان قهوة مصري، هو ترويج إعلامي مبالغ وكذبة كبرى.

وأوضح علم الدين في حديث لـ"الاستقلال" أن "أي طالب مستجد في كليات ومعاهد الزراعة المنتشرة في ربوع مصر، يعلم باستحالة نجاح زراعة شجرة البن في مصر، وأن يخرج منها فنجان قهوة حقيقي". 

وأضاف: "هناك شروط علمية يجب أن تتوفر في البيئة والتربة المناسبتين لزراعة البن، منها أن تكون تربة غير مالحة وجيدة الصرف بحيث لا تتحول إلى بركة طينية، مثل المتوفرة في اليمن وإثيوبيا على سبيل المثال". 

وأكمل: "هناك عامل آخر لابد أن يتوافر لزراعة البن، وهو التظليل على البن بالأشجار المرتفعة وكثيفة الأوراق مثل المانجو وأشجار الموالح وأشجار الزينة، وجميعها يتوفر في المناخ الاستوائي، مثل البرازيل وكولومبيا، بحيث يجب ألا ترى أشجار البن الشمس مباشرة ويجب أن تعيش تحت الظلال". 

الباحث المصري استدرك قائلا: "هذا لا يمنع من وجود تجارب وأبحاث على البن والمحاصيل والفواكه الاستوائية الأخرى، لكن لا يتم الخلط بين تطورات التجارب وبين فكرة النجاح المطلق للمحاولات، فهذا نوع من التدليس غير المقبول". 

وشدد علم الدين على أن "ما يروج له البعض وللأسف منهم مراكز بحثية مثل البساتين والبحوث الزراعية، عن أن ارتفاع درجات الحرارة يعني الوصول إلى درجات حرارة خط الاستواء، وبالتالي فإنتاج البن ممكن، هو مفهوم خاطئ علميا، لأن هناك عوامل تتعلق بالمناخ، مثل هطول الأمطار والرطوبة وغيرها". 

وعن سؤال كيف سيكون طبيعة فنجان القهوة المصري إذا خرج في ظل وضع التربة بمصر، فأجاب الدكتور أسامة علم الدين: "سيكون فنجان بلا طعم ولا رائحة، سيكون لون فقط، وليس له من معالم القهوة شيء، فهذه طبيعة خلقها الله وميز بها البلاد والعباد، فلن نستطيع أن نأكل المانجا من أوروبا وكندا، ولا يمكن زراعة قصب السكر في بريطانيا، وهكذا". 

بـ900 جنيه 

حديث زراعة أشجار البن في مصر، يأتي وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، مع تزايد شكاوى المستهلكين فيما يتعلق بجودة القهوة، ووصل سعر كيلو البن إلى 900 جنيه بحسب بيان شعبة البن المصرية الصادر في 20 فبراير/ شباط 2024. 

وذكرت أن سعر فنجان القهوة "الشعبي" في المقاهي يتراوح سعره ما بين 15 و20 و25 جنيها في بعض المناطق.

أما سعر فنجان القهوة في المطاعم والأماكن السياحية وصل سعره إلى 100 جنيه، وفي مطار القاهرة الدولي تم تسعير فنجان القهوة الصغير بـ 250 جنيها. 

وعن هذا الوضع يقول المواطن المصري مصطفى سيد، إنه يشرب القهوة خارج المنزل، بمعدل من 5 فناجين كطقس يومي، لكن مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار، قل معدل استهلاكه إلى 3 فناجين كحد أقصى". 

ويضيف لـ"الاستقلال": "بحكم عمله في منطقة وسط البلد، فهو زبون عند أحد أفضل صناع البن في القاهرة، وسعر فنجان القهوة عنده وصل إلى 21 جنيها وكيلو البن التركي واليمني وصل إلى 950 جنيها".

ويتابع: "ليست هذه المشكلة الوحيدة بالنسبة لي، لكن الأزمة الحقيقية في جودة البن التي تضاءلت بشكل ملحوظ، والأسوأ أن بعض المتاجر تقوم بغشها أو استبدالها بأنواع مصنوعة من نوى البلح وغيرها".

قهوة مغشوشة 

ولا يتعلق الأمر في مصر على ارتفاع أسعار القهوة، لكن أخيرا انتشرت ظاهرة انخفاض جودة القهوة وانتشار بدائل محلية منزوعة الكافيين غير مصنوعة من حبوب البن.

كما يتم التحذيرات من غش التجار، حيث نشرت وسائل إعلام محلية، تقارير تتحدث عن خلط حبوب البن مع الفول السوداني أو الصويا أو بذور التمور.

حتى إنه في 2 أبريل 2024، نشرت الدكتورة شيرين زكي رئيسة لجنة سلامة الغذاء بالبرلمان المصري، عن غش البن وخلطه بالبسلة المحمصة.

وقالت في تصريحات إعلامية: "هل تعلم أن كل عشرة كيلو بسلة مجففة محمصة بيتم خلطها بربع كيلو حبوب بن ومكسبات طعم صناعية". 

ثم عقبت النائبة المصرية: "أن كوب القهوة في مصر أصبح بمعدل وجبة غداء، علشان كده (لأجل ذلك) مش بتعدل دماغك".

كما كشفت أسرارا عن غش البن في أحد المصانع الكبرى من خلال خلطه بالعيش الجاف والفول الصويا ضمن ما عدته ملف غش القهوة في مصر.

وتحدث عن نفس الموضوع عشرات الناشطين وصناع المحتوى مسجلين فيديوهات لتجاربهم مع القهوة المغشوشة.

وفي 27 مارس/ آذار 2024، أوردت صحيفة "المصري اليوم" المحلية، أن غش فنجان القهوة تجاوز مجرد خلطه بخضراوات ومواد طبيعية، إلى استخدام مواد كيميائية مثل بيكربونات الصوديوم، وكذلك بودرة السيراميك.

وذكرت أنه في الآونة الأخيرة تمكنت السلطات الرقابية من ضبط كميات متداولة من البن المغشوش تباع في الأسواق مما يعرض صحة المواطنين للخطر والإصابة بأمراض عديدة.

وقالت: "يؤدي الغش في البن إلى انخفاض جودة القهوة، حيث تكون القهوة المغشوشة أقل نكهة وأقل تركيزا في الكافيين".

وحذرت أن البن المغشوش يحتوي على مواد ضارة، مثل البكتيريا أو الفطريات أو السموم.

وقد ينتج عن ذلك إصابة بعض الأشخاص بأعراض حساسية تجاه مكونات القهوة غير الأصلية، مثل الجلسيرين أو السكر.

وأن المواطن الذي يتناول قهوة مغشوشة بهذه المواد يصاب بمشكلات في الجهاز الهضمي، مثل الإسهال أو الإمساك وأحيانا التسمم.