إغلاق فنادق وتسريح عاملين.. كيف أثرت حرب غزة على السياحة بالأردن؟
موقع البتراء الأثري في الأردن شهد انخفاضا بنسبة 80 بالمئة في عدد الزوار
حتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت السلطات الأردنية تواجه ضغوطا اقتصادية كبيرة وتسير بالفعل على حبل مشدود، ليأتي العدوان على غزة ويلقي بثقله على كاهل المملكة.
وكانت السياحة من ضمن أبرز القطاعات التي شهدت تراجعا في الأردن الذي يمتلك أطول حدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة ويقف على صفيح ساخن بفعل جواره المتوتر.
تراجع السياحة
وتراجعت السياحة الوافدة إلى الأردن بنسبة 47.5 بالمئة خلال الربع الأخير من 2023 على أساس سنوي، لكنّ تراجعا آخر طرأ خلال العام 2024.
إذ أشارت البيانات الأولية الصادرة عن البنك المركزي الأردني إلى أنه في النصف الأول من عام 2024، شهد الدخل السياحي انخفاضًا بنسبة 4.9 بالمئة مقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2023.
وبحسب بيان مقتضب نشره البنك في 19 يوليو/تموز 2024، سجلت السياحة ما قيمته 2.3 مليار دينار (3.3 مليار دولار)، ويعود ذلك إلى تراجع أعداد السياح بنسبة 7.9 بالمئة.
أما في النصف الأول من العام 2023، فقد نمت السياحة بنسبة 59.4 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام 2022، حيث بلغت عائداتها في ذلك الوقت نحو 2.450 مليار دينار (3.456 مليار دولار).
وكانت توقعات القطاع السياحي في المملكة، تؤشر إلى نمو عدد السياح والإيرادات السياحية 6 بالمئة على الأقل خلال النصف الأول من 2024.
وأرجع خبراء محللون اقتصاديون هذا الانخفاض إلى العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 وما يرتبط به من تصعيد في عموم المنطقة.
وقالت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية في 21 يوليو إن "الأحداث الجيوسياسية التي تمر على المنطقة، وعلى رأسها العدوان الاسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة، أثرت بصورة مباشرة وألحقت أضرارا في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية، ولا سيما السياحة والتجارة والاستثمار والنقل".
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كشف وزير السياحة مكرم القيسي عن تراجع حجوزات الفنادق في الأردن بنسبة 50 بالمئة منذ بدء الحرب على غزة.
وقال القيسي إن الطلب على المواقع السياحية تراجع 40 بالمئة منذ بدء الحرب، مشيرا إلى تراجع حجوزات المطاعم السياحية 60-70 بالمئة.
فيما قال البنك الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2023 إن السياحة في الأردن تضررت من الحرب في غزة بشكل كبير، إذ تراجعت نسب الإشغال وحجوزات الفنادق بـ 50 إلى 75 بالمئة خلال الشهرين التاليين لاندلاع الأزمة.
وتحدث القيسي في التصريحات المشار إليها عن إلغاء العديد من رحلات الطيران والبواخر إلى منطقة العقبة منذ بدء الحرب.
وبين أن هذه الإلغاءات تلحق خسائر بالمنشآت الفندقية إضافة لحجوزات المجموعات السياحية التي تشمل برامج سياحة المؤتمرات والحفلات وحجوزات المطاعم والمرافق ذات الاستخدام اليومي.
ومن المتوقع أن يتكبد الأردن خسارة شهرية تتراوح بين 250 و281 مليون دولار في قطاع السياحة مع إلغاء حجوزات بنحو 60 بالمئة بسبب الحرب في غزة، حسبما قال القيسي في تصريحات لاحقة.
وأضاف خلال مؤتمر صحفي في 26 ديسمبر: “بلغت نسبة إلغاء الحجوزات اليوم حوالي 60 بالمئة وإذا ما أردنا أن نعكس هذا الرقم بما يتعلق بعدد الزوار نحن نتكلم عن حوالي 200 إلى 250 ألف زائر”.
وأردف: "إذا أردنا أن نعكس هذا الرقم على الدخل السياحي فنحن نتحدث تقريبا عن 180 إلى 200 مليون دينار (253 إلى 28 مليون دولار)"، في ما قال إنه يمثل خسارة للاقتصاد الكلي". وبين أن أبرز إلغاءات الحجوزات جاءت من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأوروبا.
وفي مايو/ أيار 2024، قالت بعثة لصندوق النقد الدولي إلى الأردن، إن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة مع استمرار الحرب في غزة والتوترات الإقليمية.
وبينت أن استمرار الحرب وإعاقة طرق التجارة في البحر الأحمر قد يؤثران في الاقتصاد الأردني، ولا سيما في المعنويات والتجارة والسياحة.
وعلى سبيل المثال، أفادت وسائل إعلام محلية أن موقع البتراء الأثري في الأردن شهد انخفاضا بنسبة 80 بالمئة في عدد الزوار منذ بداية الصراع.
صفيح ساخن
ويحافظ الأردن عادة على الاستقرار الاقتصادي على الرغم من الصدمات الخارجية، بما في ذلك خلال الثورة السورية وأزمات العراق المتلاحقة، فإن توابع العدوان الإسرائيلي على غزة أدى إلى تراكم كبير للديون الحكومية، وفقا لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني.
وتؤثر التوترات الجيوسياسية في المنطقة سلباً على معنويات الأردن الاقتصادية وقد تؤدي إلى اضطرابات في التدفقات التجارية والنشاط السياحي، وفقاً لتقرير صدر عن البنك الدولي في ديسمبر.
ووجد الأردن نفسه في قلب الأزمة، كونه يمتلك أطول حدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولديه روابط تاريخية عميقة مع فلسطين.
وكذلك بالنظر إلى أن ما يقرب من 50 إلى 60 في المئة من سكان المملكة - بما في ذلك الملكة رانيا زوجة العاهل الأردني عبدالله الثاني- هم من أصل فلسطيني.
ولذلك خرج الأردنيون والفلسطينيون مبكرا في احتجاجات قرب السفارة الإسرائيلية في عمان للمطالبة بقطع العلاقات بشكل كامل مع تل أبيب ووقف العدوان على غزة.
وتطورت الهتافات إلى تأييد عملية طوفان الأقصى ودعم حركة المقاومة الإسلامية حماس التي اتهمتها السلطات الأردنية لاحقا بتأجيج التوتر عبر المناداة بتوسيع التظاهرات ضد الاحتلال.
ولم تكن السلطات الأردنية سعيدة بالاحتجاجات المتصاعدة، وشنت حملة اعتقالات كبيرة بحق الناشطين الذين طالبوا بقطع جميع العلاقات مع إسرائيل وإلغاء معاهدة السلام لعام 1994.
وزاد عدم اليقين بشأن استقرار الوضع الأمني وتأثيره على السياحة بعد أن أقحم الأردن نفسه في قلب معركة لا ناقة له فيها ولا جمل.
وذلك بعد أن تدخلت عمان إلى جانب تل أبيب في صد الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل في أبريل/نيسان 2024، لتجد نفسها محط انتقاد عربي كبير على منصات التواصل الاجتماعي.
ومساء 13 أبريل 2024، أطلقت إيران نحو 350 صاروخا وطائرة مسيّرة تجاه إسرائيل، وزعمت تل أبيب أنها اعترضت 99 بالمئة منها، فيما قالت طهران إن نصف الصواريخ أصابت أهدافا إسرائيلية بـ"نجاح".
وذكرت عمان، في اليوم التالي أنها اعترضت "أجساما طائرة" خرقت أجواءها، متعهّدة بالتصدي لأي تهديد "من أي جهة كانت".
كما قال الأردن إنه أغلق مجاله الجوي بدءا من مساء يوم الهجوم أمام جميع الطائرات القادمة والمغادرة والعابرة.
والأردن مجاور لسوريا والعراق، وكلاهما تنشط فيه جماعات مسلحة متحالفة مع إيران، كما يقع بجوار إسرائيل والضفة الغربية المحتلة.
ودائما ما تؤكد المملكة أنها تتابع بقلق متزايد “الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة” بهدف القضاء على حركة حماس، التي تتلقى دعما من إيران، خشية أن تجد نفسها في مرمى النيران المتبادلة.
وأواخر العام 2023، طلب الأردن من الولايات المتحدة نشر منظومة الدفاع الجوي "باتريوت" لديه لتعزيز دفاعاته الحدودية، وسط أحاديث عن محاولات إيران لتوسيع أنشطتها العسكرية نحو المملكة.
ويقول مسؤولون إن وزارة الدفاع الأميركية زادت منذ ذلك الحين مساعداتها العسكرية للمملكة، وهي حليف إقليمي رئيس لواشنطن، ويتمركز فيها مئات من الجنود الأميركيين ويجرون تدريبات مكثفة مع الجيش الأردني على مدار العام، وفق وكالة “رويترز” البريطانية.
وقُتل ثلاثة عسكريين أميركيين وأصيب العشرات في هجوم بطائرة مسيرة شنه مسلحون متحالفون مع إيران في يناير/كانون الثاني 2024 على القوات الأميركية في شمال شرق الأردن قرب الحدود السورية.
ويعلق المجلس الأطلنطي وهو مؤسسة بحثية أميركية بأن “التوازن الدقيق الذي قام به الأردن رداً على حرب غزة ينبع من حاجته إلى الحفاظ على علاقات ودية مع الولايات المتحدة”.
وتابع خلال تقرير نشره في 3 أبريل: “بينما تقدم أميركا للأردن الذي يعاني من ضائقة مالية حوالي 1.5 مليار دولار كمساعدة سنوية، تظل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أكبر مانح للمملكة الهاشمية”.
وأردف: “إذا ألغى الملك عبد الله اتفاق السلام مع إسرائيل كما يطالب بعض المتظاهرين، فمن المرجح أن يواجه تهديدات في الكونغرس بخفض حزمة المساعدات السنوية الضخمة للمملكة”.
تنويع السياحة
في الأثناء، تتخذ وزارة السياحة الأردنية إجراءات، بما في ذلك نشر رسائل مطمئنة لوسائل الإعلام العالمية والمكاتب السياحية حول سلامة الأردن كوجهة سياحية.
وكثفت الوزارة جهودها التسويقية في الدول العربية لتعزيز السياحة الداخلية، وفق بيان أصدرته نهاية عام 2023.
كما ناقشت إستراتيجيات تسويق البتراء كمنطقة سياحية خضراء مستدامة باستخدام السيارات الكهربائية لنقل السياح وتقنين الاستخدام التجاري للمناطق الأثرية.
وللتخفيف من الأضرار، قال عبد الرزاق عربيات رئيس هيئة تنشيط السياحة، المؤسسة الحكومية المسؤولة عن الترويج للمملكة سياحياً: "نخطط العام الحالي لتنويع الأسواق المستهدفة لاستقطاب السياح وخاصة في قطاعات السياحة الطبية والعلاجية من السوق العربي وفتح أسواق جديدة".
وأضاف لوكالة رويترز البريطانية في نهاية مارس/آذار 2024: "تشمل الخطة ما يمكن أن نسميه، تنويع المحفظة الاستثمارية السياحية هذا العام وخاصة خلال النصف الثاني".
وأشار إلى أن هيئة تنشيط السياحة تحاول التوسع في أسواق أخرى في إفريقيا مثل إثيوبيا ورواندا وكينيا، متوقعاً إقبالاً مرتفعاً جداً من هذه الأسواق مع التخطيط للتعاون مع الطيران الإثيوبي لتسيير برامج سياحية للأردن.
وقال عربيات: "نخطط للتوسع في أسواق أخرى مثل الصين وماليزيا وإندونيسيا وباكستان، بالإضافة لكوريا الجنوبية... وأخيراً كان فريق من الهيئة موجوداً في روسيا وسنرى قريباً طائرات الملكية الأردنية تعود للطيران إلى موسكو".
وأوضح أنه سيكون هناك برنامج وحوافز لاستقطاب سياحة المؤتمرات في الأردن، مشيرا إلى أن برلين وقعت نحو ست اتفاقيات لطيران عارض مع عدة دول أوروبية للقدوم إلى العقبة وعمان منذ مايو/أيار وحتى نهاية العام.
وعلق صاحب شركة سياحة أردنية بالقول: “شهدنا هذا الموسم ضربة كبيرة بسبب حرب غزة والتصعيد بشكل عام في محيط الأردن، مما أثر على عملنا بشكل غير مسبوق”.
وأوضح صاحب الشركة الذي رفض الكشف عن اسمه، في حديث لـ"الاستقلال" أنهم لم يتلقوا المساندة المطلوبة من الجهات الرسمية الأردنية، مبينا أن الحديث عن البدائل لم يتخط التصريحات الإعلامية حتى الآن.
وقال في هذا الصدد: “من الصعب أن تقنع سياحا جددا فجأة بالقدوم إلى الأردن دون تقديم محفزات مثل الطيران المباشر والتسويق المستمر للمناطق السياحية الشهيرة مثل البترا والعقبة ووادي رم والبحر الميت وغيرها”.
ويزداد الأمر صعوبة مع معرفة مواطني البلدان المستهدفة الجدد بوجود توتر في الشرق الأوسط وفي محيط الدولة التي تود استجلابهم لها، وفق قول صاحب الشركة.
وجاء إغلاق الفنادق وتسريح العمال منها أخيرا، ليكشف عن فشل الإستراتيجية البديلة التي تحاول السلطات تطبيقها لإنقاذ الموسم المتدهور.
إذ أعلن رئيس جمعية فنادق البترا، عبدالله الحسنات، إغلاق 28 منشأة فندقية وتسريح 350 موظفا نتيجة أزمة التشغيل وتراجع الزوار.
وقال الحسنات في تصريحات لقناة "رؤيا"، المحلية في 21 يوليو، إن ارتفاع الكلف التشغيلية أسهم في إغلاق المنشآت الفندقية لعدم قدرة أصحابها على دفع التزاماتها.
وتابع: “بلغ حجم القروض البنكية مليوني دينار كقروض تشغيلية لاستدامة ودفع كلفة التشغيل للفنادق منذ بدء الأزمة”.
واقترح تأجيل أقساط البنوك ووقف احتساب الفوائد، ودعم الطيران منخفض التكاليف لجلب سياحة خارجية للأردن بأسعار تفضيلية، فضلًا عن إعفاء رسوم الترخيص لعام 2024.
فيما كشف نائب رئيس جمعية الفنادق الأردنية حسين هلالات، في مايو، عن اضطرار القطاع لإنهاء خدمات 1915 موظفا في مختلف فنادق الأردن منذ بدء العدوان على قطاع غزة. وشكل الأردنيون حوالي 95 بالمئة من الموظفين المسرحين.
ويبلغ عدد المنشآت الفندقية في الأردن 630 يعمل فيها أكثر من 21 ألف عامل حوالي 18 ألفا منهم من الأردنيين.