بإيعاز إماراتي.. كيف تخلى السيسي عن دعم البرهان في مواجهة حميدتي؟

داود علي | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في 6 يوليو/ تموز 2024، استضاف فندق الماسة التابع للقوات المسلحة المصرية أحد أروقة صناعة القرار في البلاد بالعاصمة الإدارية بالقاهرة، اجتماعا لممثلي القوى السياسية السودانية.

كان الاجتماع تحت عنوان "البحث عن مسار لإنهاء الحرب الأهلية"، المشتعلة بين الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع المتمردة بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). 

بعدها بيوم في 7 يوليو كان اليوم الختامي للمؤتمر بحضور رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، الذي كان يأمل أن يتوصل إلى اتفاق تكون حكومته طرفا فاعلا وضامنا قويا فيه. 

البيان الختامي

غير أن ممثلي الكتلة الديمقراطية التي تضم أحزابا وحركات مسلحة تتحالف مع الجيش السوداني امتنعت عن التوقيع على البيان الختامي للاجتماع، وذلك في ظل حالة من الاستقطاب السياسي بدت مسيطرة على الأطراف المشاركة.

وبانتهاء المؤتمر الذي فشل في تحقيق أهدافه، فتح باب للتساؤل بشأن مستقبل الحرب في السودان، ودور مصر في دعم مسار سياسي تفاوضي بين الأطراف كافة، خاصة أنها تحت ضغط الهجرة المستمرة، والجغرافيا الصعبة التي تجعل المعركة غير بعيدة عن الأراضي المصرية.

ويبقى السؤال الأكثر أهمية والذي طرحه سياسيون سودانيون، هل تخلى النظام المصري بقيادة السيسي عن دعم البرهان ولو جزئيا؟

وكانت الملاحظة الأولى تكمن في زيف بيان وزارة الخارجية المصرية، بشأن ختام القمة السودانية في القاهرة، والذي لم يكن معبرا عن الواقع.

فالبيان الذي نشر في 7 يوليو، أكد توافق المجتمعين عليه، لكن الحقيقة أن مجموعة من المشاركين نشروا بيانا مشتركا أكدوا فيه أن التوصيات الختامية لم تستوعب ملاحظاتهم.

كذلك اعترضوا على الجلوس المباشر في هذه المرحلة مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، لتحالفهم مع حميدتي. 

ثانيا أعلنت الكتلة الديمقراطية المشاركة في الاجتماع، أن النقاشات فشلت في الوصول إلى صيغة توافقية.

وأرجعت ذلك إلى عدم إدانة الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها قوات الدعم السريع ضد المدنيين.

وذكرت أن المنتمين إلى "تقدم" تحديدا، رفضوا إدانتها وتوجيه اتهامات إليها رغم ما أحدثته من دمار وقتل وترويع في مختلف الولايات التي سيطرت عليها من الجزيرة إلى دارفور. 

موقف متغير 

لكن الملاحظة الثالثة والأكثر أهمية في معرض الاجتماع، ما ذكره عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير “المعز حضرة”، والذي كان حاضرا وفاعلا في قمة القاهرة. 

وقال حضرة في تصريحات خاصة لموقع "المنصة" المحلي، إن الاجتماع كان إشارة قوية إلى حدوث تغير في الموقف المصري من أطراف الصراع.

وبين أن مصر كانت في بداية الحرب تتخذ موقفا متحيزا للجيش السوداني، “لكن لقاء عبدالفتاح السيسي بحمدوك يؤكد أن القاهرة اقتربت كثيرا من القوى السياسية (الأخرى) بعد فترة من الضبابية”.

تلك الرؤية أشار إليها أيضا عمرو الشوبكي مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية (حكومي).

ويرى الشوبكي أن النظام في مصر أدرك أن الحل في السودان يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا فقط. 

وأوضح أن الأزمة السودانية بدأت نتيجة التعقيدات السياسية، والتناحر بين القوى المدنية، إلى جانب الخلاف الآخر داخل المكون العسكري الذي كان يمثله الجيش وقوات الدعم السريع.

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الكلمة الافتتاحية لوزير الخارجية المصري (الجديد) بدر عبدالعاطي، خلال المؤتمر أكدت أن القاهرة تدعم الحفاظ على مؤسسات الدولة وتماسك الجيش السوداني.

غير أن وجود القوى السياسية السودانية من الاتجاهات كافة، يؤكد أن مرحلة القطبين الثنائيين انتهت، وأن الرهانات باتت أكبر بوجود معظم أطراف العملية السياسية في الجار الجنوبي لمصر. 

السيسي والبرهان

وتحدثت صحيفة “الاستقلال” في مارس/ آذار 2024، عن وجود خلافات عميقة بين السيسي والبرهان، وعن دور الإمارات في إذكائها.

وذكر التقرير وقتها أن البرهان، زار ليبيا في 26 فبراير/شباط 2024 للقاء رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتبعه "حميدتي" في 29 من نفس الشهر، وسط أنباء عن وساطة ليبية.

المصادر السودانية رأت أن زيارة البرهان هدفها طلب دعم ليبيا في لجم تشاد عن فتح حدودها مع السودان لتوريد الأسلحة الإماراتية لقوات حميدتي، بحكم تلاقي حدود الدول الثلاث، وتضرر ليبيا أيضا من ذلك.

وألمحت تلك المصادر إلى احتمالات أن تكون الزيارة أيضا لها علاقة بطلب الدعم العسكري من ليبيا بعد تقاعس النظام المصري برئاسة السيسي عن دعم البرهان في الآونة الأخيرة.

وعزت أسباب ذلك بأنها تتعلق بمصالحه مع الإمارات، والتي توجتها صفقة "رأس الحكمة"، وقد تكون هي ثمن تخليه عن السودان.

كما أشارت المصادر إلى أن مسارعة حميدتي لزيارة ليبيا، عقب نفس الخطوة التي اتخذها البرهان، لها علاقة بهذا الملف.

ولكن من زاوية معادلة الضغوط السودانية على تشاد لغلق حدودها، والتوقف عن دعم حميدتي.

وكانت المصادر السودانية تتحدث عن غضب الجيش السوداني من تخلي السيسي عنه، كعادته في كثير من القضايا العربية.

وأشارت إلى أن الزيارة هذه المرة جاءت في ظل التحرر السوداني النسبي من قيود السيسي بشأن تسليح الجيش.

وكانت أنباء ترددت عن أن السيسي، نصح البرهان خلال لقاء سابق في أغسطس/آب 2023، بالتخلي عن فكرة الاستعانة بالإسلاميين من أجل التصدي لتمرد حميدتي.

وأن السيسي يتعمد عدم دعم البرهان بالشكل الكافي، خشية انتصاره ومعه الإسلاميون وعودة نفوذهم.

إرادة إماراتية 

أشار لهذا موقع "راديو دبنقا" السوداني المحلي، في 29 فبراير 2024، عندما أكد أن "القيادة المصرية تنظر بعدم رضا لتراجع قيادة الجيش عما تم الاتفاق عليه في مباحثات المنامة بين الفريقين شمس الدين كباشي وعبد الرحيم دقلو".

وكان للسيسي ملاحظات على التحالف ما بين قيادة الجيش والحركة الإسلامية وسبق أن نبه البرهان أكثر من مرة إلى خطورة ذلك.

وأوضح الموقع السوداني أن التقارب المصري الإماراتي في الآونة الأخيرة رغم أنه يتم على أسس اقتصادية، إلا أنه يثير الكثير من المخاوف لدى الجيش السوداني من أن يؤثر على الموقف المصري الداعم للجيش. 

كما أن القاهرة تنظر أيضا بريبة إلى زيارة البرهان إلى طرابلس وحصرها على حكومة الوحدة الوطنية وعدم الأخذ في الحسبان حكومة بنغازي المدعومة من مصر والإمارات ويسيطر عليها الانقلابي خليفة حفتر.

وكان الدبلوماسي السوداني عادل حسين شرفي قال لراديو "دبنقا" إن زيارة البرهان للقاهرة (نهاية فبراير 2024) أشبه باستدعاء من قبل الولايات المتحدة والسعودية ودول أخرى طلبت من مصر الضغط عليه لوقف الحرب دون تحديد بدائل.

كما قال إن "واشنطن طلبت أو كلفت القاهرة بالاتصال بالبرهان والضغط عليه لإيقاف هذه الحرب بعد الكوارث التي حدثت في السودان في ظل إصرار الجيش على المضي قدما في الخيار العسكري".

وأكد "شرفي" أن "الإمارات لها ضلع في هذا التحرك المصري خصوصا بعد الصفقة الاستثمارية الضخمة بين البلدين".

هذا الغضب السوداني من موقف السيسي ربما انعكس على سعي الجيش السوداني أولا للحصول على طائرات تركية من نوع "بيرقدار" عقب زيارة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لتركيا سبتمبر/أيلول 2023.

وثانيا، باللجوء لإيران للتحرر من قيود نظام السيسي على جيش الخرطوم، بما يوفر للقوات المسلحة مصدرا ثانيا للتسليح ويحررها من قبضة الصناعات العسكرية المصرية ويتيح للبرهان هامش مناورة أكبر في تعامله مع القاهرة. 

خذله مرتين 

ويرى الباحث السوداني صلاح الخليل أن السيسي "خذل البرهان وقيادات الجيش في السودان مرتين، الأولى عندما تركهم يواجهون تمرد الدعم السريع ومحاولة تدمير المؤسسة العسكرية، وانقسام السودان دون مساعدة تذكر أو تكون فارقة في مسار المعركة". 

 “الأمر الثاني حاليا عندما يلعب السيسي على رهانات أخرى مع الجيش كـ (تقدم) أو القوى السياسية الأخرى”.

وذلك على أمل أن يكونوا بديلا يرضي الإمارات، التي عزمت على حل الجيش والأجهزة الأمنية على رأسها المخابرات السودانية. 

وذكر الباحث السوداني أنه "بالعودة إلى ما قبل اندلاع شرارة الحرب عام 2023، استبعد السيسي من الاتفاق الإطاري بسبب دعم القاهرة قرارات البرهان (التي اعتبرت انقلابا عسكريا)". 

ووقّع الاتفاق الإطاري كل من المكون العسكري في السودان، مع قوى مدنية بارزة في مقدمتها إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا)، لحل الأزمة السياسية في البلاد.

وهدف الاتفاق بين السودانيين وقتها إلى حل أزمة ممتدة منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين فرض البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.

وعقب الباحث: "ورغم أن البرهان أصدر قرارات فض الشراكة، بالتحالف مع نائبه السابق وغريمه الحالي حميدتي، وحاول الهيمنة على الساحة السياسية بالقوة وإقصاء التيارات الأخرى بما فيهم الإسلاميين، لكن السيسي انحاز له ولم يستقبل تلك القوى التي استقبلها الآن خاصة حمدوك". 

وعلل صالح الخليل موقف السيسي الأخير بالضغوطات الإماراتية، وشدد أنه لا يستطيع مخالفة قرار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد الداعم الأول لمليشيا الدعم السريع وزعيمهم حميدتي.

وبالتالي لا يمكن للسيسي أن يراهن على الجيش منفردا، وبدلا من ذلك يضع في جعبته أسهما أخرى منها تقدم والحركات المسلحة.

وللمفارقة جميعهم على علاقة بشكل أو بآخر بالإمارات، خاصة حمدوك الذي يقيم تقريبا في أبوظبي، وفق الباحث السوداني.