حنين إلى الناصرية والهيمنة الأمنية.. ماذا وراء مبادرة "جيل جديد" في مصر؟

داود علي | 24 days ago

12

طباعة

مشاركة

لطالما حاول رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، استنساخ تجارب بعينها من الحقبة الناصرية، تحديدا تجربة تأسيس "التنظيم الطليعي". 

والتنظيم الطليعي هو تنظيم سياسي قوامه الشباب وطلاب الجامعات، كان تابعا للاتحاد الاشتراكي العربي بمصر (أشبه بالحزب الحاكم). 

تم تأسيسه عام 1963 وأشرف علي بناء التنظيم عدد من السياسيين والمفكرين أمثال محمد حسنين هيكل (صحفي)، وعلي صبري (رئيس المخابرات، نائب عبد الناصر)، وسامي شرف (سكرتير عبد الناصر)، ووصل عدد أعضائه إلى 30 ألف عضو.

وتمركزت مهمة التنظيم حول كتابة التقارير الأمنية، وجمع المعلومات عن أي مصري داخل البلاد وخارجها. وكانت التقارير ترفع إلى أمين التنظيم الطليعي آنذاك شعراوي جمعة، وزير الداخلية.

انتهى التنظيم الطليعي عمليا بنكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، وفعليا عام 1971، عندما قضى السادات على مراكز القوى، فيما عرف بثورة التصحيح.

لكن يبدو أن الحنين إلى الناصرية بمفهومها الأمني والسياسي، بقي حالة متجذرة في عقلية السيسي منذ سنوات حكمه الأولى وما تلاها.

وظهر هذا بوضوح في الآونة الأخيرة عندما قامت جهات أمنية على رأسها وزارة الداخلية بإطلاق مبادرات لإعداد جيل على شاكلة "التنظيم الطليعي".

ويعد حفل مبادرة "جيل جديد" الذي أقيم يوم 26 سبتمبر/ أيلول 2024، خطوة في طريق النظام لتكوين جيل مدعوم بعقيدة أمنية محددة مسبقا، يكون الولاء الأول له للسلطة والرئيس، تماما كما فعل عبد الناصر من قبل.   

كيف يتم إعداد شباب المبادرة؟

مبادرة طلائع "جيل جديد أطلقتها وزارة الداخلية عام 2022، برعاية وزير الداخلية محمود توفيق.

وبدأت بنحو 50 طالبا من فتيان وشباب المناطق الحضرية الجديدة، مثل الأسمرات، بشائر الخير، أهالينا.

وتمثل شعارها في “إنفاذ رؤية السيسي في الجمهورية الجديدة، وبناء مفاهيم صحيحة للجيل الجديد عن الدولة، وتنمية وعيهم وتغيير شخصياتهم، وتعليمهم قيم الولاء والانتماء للنظام”. 

وبعد 3 سنوات من إطلاق المبادرة أصبحت تضم حاليا 300 طالب من مختلف أنحاء الجمهورية. 

 وبحسب صحيفة "روز اليوسف" الحكومية المصرية، تكمن آلية عمل المبادرة في “إعداد برامج خاصة لتأهيل الشباب فكريا، وتعريفهم بأهم إنجازات السيسي”.

فضلا عن “زرع حب السيسي ومؤسسات الدولة في نفوسهم من خلال عمل كثير من الزيارات والجولات الميدانية لهم”.

منها زيارة أكاديمية الشرطة، وزيارة متحف الشرطة في الإسماعيلية، وزيارة موانئ بورسعيد، وموانئ منطقة دبي. 

بالإضافة إلى زيارة قناة السويس الجديدة، ومديرية أمن السويس، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وأخيرا حصلوا على جولة شاملة داخل العاصمة الإدارية الجديدة.

تنظيم الأطفال

لم تكن هذه الحالة الأولى لسعي السيسي إلى تكوين نواة جيل أمني مصنوع على عين النظام، ففي 8 فبراير/ شباط 2020، كتب حليفه الإعلامي ياسر رزق المتوفى في 26 يناير/ كانون الثاني 2022، مقالة تحت عنوان "حركة 3 يوليو"، فند فيها رؤيته لمستقبل حكم السيسي.

ووضع أجندة منهجية، كقالب أيدولوجي للأجيال القادمة، وهو ما عبر عنه في مطلع المقالة قائلا: "الآن يساورني قلق جديد لا أستطيع أن أخفيه إزاء جيل 2030". 

وذكر أن الطفل الذي شهد ثورة 25 يناير 2011، وعيه قد "تشكل وتقولب في خضم تقلبات الأحداث وتجاذبات الأفكار وتناقضات المواقف، بين ثورة 25 يناير ومآلها، وحكم الإخوان ومآله، وثورة 30 يونيو وتوابعها، وعهد البطل الشعبي (السيسي) ومعاركه على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني". 

أما ما يؤرق رزق ذلك النشء الصغير، الذي سيشكل الحياة السياسية مستقبلا، قائلا: "الطفل الذي يدخل هذه السنة عامه الثامن، سيصبح في الثامنة عشرة من عمره عام 2030، أي سيكون من حقه اختيار رئيس الجمهورية الجديد، بعد انتهاء ولاية السيسي".

واقترح رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، إنشاء ما أطلق عليه "منظومة كاملة"، تستوعب الجيل القادم، وقاعدة المنظومة. 

ووضع لها مسمى "طلائع 3 يوليو"، أما المكونات فتبدأ من أطفال المدارس، وحتى طبقات العمال والفلاحين مستقبلا.

وتغافل رزق، الذي يضع إستراتيجية الاختيار السياسي، للأجيال القادمة في انتخابات 2030، ما تمر به الأجيال الحالية، التي تحرم من حق العمل السياسي، واختيار الرئيس، أو حتى نواب البرلمان.

في ظل سياسة تجفيف منابع العمل السياسي مع نظام يكره السياسة والتنظيم، والأحزاب، وحرية الرأي والتعبير، ولا يؤمن إلا بوجود رأي واحد فقط.

وهذا ما ظهر في الاستحقاقات المتعاقبة بدءا من انتخابات مجلس النواب والانتخابات الرئاسية الأولى والثانية.

عسكرة المدارس

عندما أطلق ياسر رزق العنان لأفكاره، لإصلاح الأحزاب، وتكوين أجيال شابة، تدين بالولاء للمنظومة الحاكمة، أو السيسي شخصيا، لم يذكر أن الجيش أصبح اللاعب الرئيس في الحياة السياسية المصرية، بعد 3 يوليو/ تموز 2013.

كما تناسى رزق توغل الجيش في جميع مناحي الحياة، وسعيه إلى تحول المجتمع برمته نحو عقلية عسكرية، بدأت من طلاب المدارس، مرورا بالموظفين والإعلاميين الذين وجهوا خطابهم نحو زيادة الحس العسكري، حتى أصبح موازيا للشعور الوطني.

وعند حديث رزق، عن النشء الصغير، وتنظيم 3 يوليو، يجب العودة إلى ما حدث في 22 سبتمبر/ أيلول 2013، بعد أسابيع من الانقلاب.

عندما ألقى العميد في الجيش مصطفى حسان، خطبة لطالبات مدرسة "عبد العزيز جاويش" للتعليم الأساسي (ابتدائي)، عن بطولات الجيش واستقرار الأوضاع في البلاد، ثم سلم حديثه لأحد ضباط الجيش من القوات الخاصة، الذي استكمل الحديث مستلهما دور قائده.

وبالمناسبة هو ما يتجدد حاليا مرة أخرى بنفس القوة، ففي مطلع العام الدراسي الحالي وتحديدا يوم 25 سبتمبر 2024، تجول محافظ الدقهلية اللواء طارق مرزوق في إحدى المدارس وكأنه في ثكنة عسكرية.

ووجه إهانات للطلاب وصّفهم في طابور عقابي وطالب بخصم درجات من أعمال السنة، خلال جولة زعم فيها الاطمئنان على سير العملية التعليمية. 

كذلك قام رائد من سلاح الصاعقة بإلقاء كلمة في طابور مدرسة أخرى، على نسق الكلمات الموجهة للجنود والعسكريين، في حالة لم تكن معهودة قبل استيلاء عبدالفتاح السيسي على الحكم، 

بيت العنكبوت 

هذه المبادرة أثارت تساؤلات من قبيل لماذا من يشرف عليها وزارة الداخلية؟ وأين وزارة التربية والتعليم أو الثقافة؟ أو الأزهر الشريف؟ 

وردا على ذلك، يقول الباحث المصري أحمد راغب، إن هذا فرز طبيعي للدولة العسكرية والأمنية، التي تأسست على انقلاب عسكري دموي دمر أسس الديمقراطية وحق الشعب في الاختيار والحكم، مع تقزيم كل مؤسسات الحياة المدنية، فلا ثقافة ولا دين يحددان المواطن النموذجي للدولة القائمة". 

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "حالة التجذر العسكري والأمني والظلم الواقع بحق المجتمع، جعل من إمكانية تفجر ثورة عارمة، فكرة حاضرة دائما ويخشاها السيسي وعبر عنها أكثر من مرة، وبالتالي فإنه يسعى إلى خلق سردية جديدة عبر جيل جديد يكون أكثر طواعية له وولاء لنظامه". 

واستدرك راغب بالقول: "لكنه لن يقدر، فالتنظيم الطليعي خلال عهد عبد الناصر كان أقوى وأشرس وأكثر ولاء وانتماء وعددا، حيث كانت الناصرية عقيدة في حد ذاتها، وكان مفهوم الثورة والقومية مشتعلا في النفوس، وكان عبد الناصر زعيما حقيقيا وإن اختلفنا معه".

فـ"السيسي يفتقد كل ذلك، فهو يقيم بناء أشبه ببيت العنكبوت، كما أن حالة الغضب العامة مع التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي وسيولة المعلومات، تبتلع أي محاولة لصناعة جيل بالنمط الأمني أو الأمنجي المطلوب"، يختم الباحث الأمني.