"التوجه شرقا".. لماذا تسعى إيران لتعزيز التعاون مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

ما تزال إيران طامحة لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي والذي يسهم في نهاية المطاف في تقوية النفوذ السياسي لطهران في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.

ورأت تصريحات إيرانية رسمية أن التعاون مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، “يشكل أولوية” بالنسبة لطهران.

هذه التصريحات جاءت على لسان سفير إيران لدى موسكو، كاظم جلالي، خلال لقاء عقد في مبنى السفارة، مع وزير التجارة بالاتحاد الاقتصادي الأوراسي، أندري اسلبنف، وفقا لوكالة "إرنا" الرسمية الإيرانية في 28 أغسطس/آب 2024.

الاقتصادي الأوراسي

ووجه اسلبنف دعوة رسمية لإيران للمشاركة كضيف شرف في اجتماع الاتحاد المقرر عقده يومي 30 سبتمبر/ أيلول والأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024 في العاصمة الأرمينية يريفان بوصفها الرئيس الدوري للاتحاد.

واستعرض جلالي مع اسلبنف الأبعاد المختلفة للتعاون بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، حيث شدد الطرفان على أهمية هذا التعاون.

ويضم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي دول (روسيا وأرمينيا  وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان) وأبرمت هذه الدول معاهدته في 29 مايو/أيار 2014، ودخلت حيز التنفيذ في 1 يناير/ كانون الثاني 2015.

ويمتلك الاتحاد الأوراسي سوقا موحدة متكاملة تضم 190 مليون شخص ويزيد ناتجها المحلي الإجمالي عن 2.5 تريليون دولار.

وتضمن اتفاقيات الاتحاد لجميع أعضائه حرية تنقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال واليد العاملة، وانتهاج سياسة متفق عليها في قطاعات التجارة والطاقة والصناعة والزراعة والنقل.

وبدأت إيران تتقرب من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بحكم علاقتها الوثيقة مع روسيا، حتى جرى في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023 في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين دول الاتحاد من جهة، وإيران من جهة أخرى.

وقال حينها نائب رئيس حكومة الاتحاد الروسي؛ ميخائيل مياسنيكوفيتش، رئيس مجلس إدارة اللجنة الاقتصادية الأوراسية إن "اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران، التي تم توقيعها، سترفع التجارة بين بلدينا إلى مستوى جديد تماما".

وأضاف أن "الاتفاقية طموحة - سيتم إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات على ما يقرب من 90 بالمئة من مجموعة المنتجات، والتي تمثل أكثر من 95 بالمئة من تجارتنا المتبادلة".

وجاءت هذه الخطوة بناء على إيجابية مضاعفة حجم التجارة المتبادلة بين الاتحاد وإيران من 2.4 مليار دولار في عام 2019 إلى 6.2 مليارات دولار في 2022، وآنذاك كان نطاق السلع للاتفاقية يقتصر على مجموعة دنيا من المنتجات الزراعية والصناعية.

واتفق الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران منذ عام 2019 على أن نظام التجارة التفضيلية، سيكون المرحلة الأولى للانتقال إلى نظام التجارة الحرة الكامل بما يعني ضمان التجارة المعفاة من الرسوم الجمركية بين البلدان في أوسع نطاق ممكن من السلع.

ولهذا فإنه بموجب اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين الاتحاد الأوراسي وإيران عام 2023سيتمتع المزارعون في بلدان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بشروط حصرية لتوريد السلع الأساسية مثل الحبوب والذرة والزيوت النباتية ولحوم الأبقار والضأن ومنتجات اللحوم والدواجن والأغذية المعلبة والحلويات ومجموعة واسعة من المنتجات الزراعية الأخرى إلى السوق الإيرانية. 

أما بالنسبة للسلع الصناعية، فتم إنشاء نظام التجارة الحرة لمجموعة واسعة من منتجات صناعة المعادن والصناعة الكيميائية وصناعة النجارة والطائرات وبناء السفن والهندسة الميكانيكية وآلات ومعدات السكك الحديدية وغيرها من منتجات القطاع الصناعي. 

كما جرى التوصل إلى ترتيبات إضافية في الجزء غير الجمركي في مجالات التنظيم الفني، والتدابير الصحية والبيطرية والصحة النباتية، وإدارة الجمارك، والنظام الإلكتروني للتحقق من منشأ السلع، وتدابير حماية التجارة، وضمان المستوى اللازم من الشفافية في المشتريات العامة.

وعلاوة على ذلك، عمل الطرفان على تطوير التعاون في مجموعة واسعة من القطاعات في إطار الاتفاقية، وتشمل هذه القطاعات التعدين وكفاءة الطاقة والنمو الأخضر والبحث والابتكار والتعليم والطب والاتصالات.

ونظرا للأهمية التي توليها حكومات بلدان الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران لتطوير الحزام الاقتصادي بين الشمال والجنوب، فقد تم إيلاء اهتمام خاص لحلول النقل والخدمات اللوجستية فضلا عن قضايا النقل العابر.

"التوجه شرقا"

الملاحظ أن طهران لم تكتف بذلك في تمتين علاقاتها بالاتحاد الأوراسي، فقد أبدت اهتمامها في مايو 2024 بالحصول على صفة دولة مراقب في الاتحاد المذكور، لتنضم إلى كل من أوزبكستان وكوبا ومولدوفا الذين يتمتعون كذلك بتلك الصفة.

وتطمح دول رابطة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي إلى تعزيز التعاون وبلوغ مستوى تكاملي بحلول سنة 2045، يسمح بامتلاك القيادة الاقتصادية والتكنولوجية بالعالم.

ووفقا للتقديرات فقد ارتفع إجمالي الناتج المحلي لدول الاتحاد الأوراسي على مدى السنوات العشر الماضية من 1.6 تريليون دولار إلى 2.5 تريليون دولار، وارتفع حجم تجارة الاتحاد الأوراسي مع دول العالم بنسبة 60 بالمئة من 579 مليار دولار إلى 923 مليار دولار.

كذلك تضاعف حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء في الاتحاد من 45 مليار دولار إلى 89 مليار دولار، مع تنفيذ أكثر من 90 بالمئة من المدفوعات بعملات وطنية بعيدا عن الدولار، حسب تقرير لوكالة نوفوستي نشر نهاية مايو 2024.

وأشارت التقديرات إلى أن محفظة الاستثمارات المباشرة المتبادلة المتراكمة وصلت إلى 17.7 مليار دولار.

بالمقابل، تتوسع دائرة شركاء الاتحاد التجاريين التي تقوم على أساس التجارة بشروط تفضيلية، ويجري تنفيذ اتفاقية تجارية مع الصين، كما توجد اتفاقيات للتجارة الحرة مع فيتنام (2016)، وسنغافورة (2019)، وصربيا (2019)، وإيران (2023).

وفي مرحلة الإعداد هناك اتفاقيات مع دول ذات إمكانات اقتصادية كبيرة مثل مصر وإندونيسيا والإمارات والهند.

وأمام هذه النظر الدقيقة لحجم اقتصاد دول الاتحاد الأوراسي، فإن إيران خلال السنوات الماضية وضمن إطار سياسة "التوجه شرقا" عازمة على تطوير العلاقات مع جيرانها الآسيويين وجعلها أولوية في سياستها الخارجية.

ويؤكد المراقبون أن ما يغري إيران هو اهتمام الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بمجالات مثل توسيع استخدام العملة الوطنية في تسوية الحسابات المتبادلة، والتخلص من الاعتماد على الدولار الأميركي، وإزالة العقبات في السوق المحلية الأوراسية.

فضلا عن سعي الاتحاد لتشكيل ممرات نقل جديدة وحديثة وقنوات للتصدير والاستيراد جديدة، وهذا يصب أيضا في مصلحة طهران الذي مايزال اقتصادها مثقل بأعباء العقوبات الدولية المستمرة، والتي أدت إلى تقييد التجارة الخارجية وبيع النفط علاوة على تدهور قيمة العملة المحلية.

وبحسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، في يونيو/حزيران 2024، فإن حوالي 90 بالمئة من التجارة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي جرى بالعملة الروسية.

ويحتل الاتحاد الأوراسي الاقتصادي المرتبة الأولى في استخراج النفط بنسبة 14.5 بالمئة عالميا، والمركز الأول أيضا في إنتاج غاز العالم بنسبة 20.2 بالمئة والمركز الرابع في إنتاج الحديد بـ4.7 بالمئة والمركز الخامس في إنتاج الفولاذ في العالم بنسبة 5 بالمئة.

ويبلغ حجم المبادلات التجارية الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد 750 مليار دولار، وبإمكانها تغطية 65 بالمئة من حاجاتها الاقتصادية من خلال المبادلات البينية عبر هذا الاتحاد.

وضمن هذا السياق، يرى الخبير في العلاقات الدولية، فرزاد رمضاني بونش، أنه "من وجهة نظر طهران، فإن مناهج الاتحاد الاقتصادي الأوراسي مثل تعميق التكامل الإقليمي، وإنشاء بنية جديدة للعلاقات الاقتصادية الدولية، وربط الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون ورابطة دول جنوب شرق آسيا والبريكس، واتفاقيات الاتحاد الاقتصادي الأوراسي المستقبلية لإنشاء أسواق مشتركة لموارد الطاقة، وتشكيل سوق طاقة أوراسية مشتركة، يمكن أن تكون مفيدة لمصالح إيران". 

وأضاف في مقال له نشر في أغسطس 2023 أنه "من هذا المنظور، من المهم دراسة قضايا مهمة مثل إزالة الدولرة وإزالة العقوبات، وتحييد العقوبات الغربية، ونمو التبادلات الثنائية بين الدول الأعضاء بالعملات الوطنية".

ولفت بونش، إلى أنه "مع وجود بنك التنمية الأوراسي، فإن طهران تعد تشكيل نظام دفع أوراسي بدلا من نظام سويفت (للتراسل المالي العالمي) من مصلحتها كذلك".

فعلى سبيل المثال، وجدت طهران وموسكو في ربط الأنظمة المصرفية سبيلا فاعلا لتسهيل المبادلات المالية بعيدا عن نظام "سويفت" (SWIFT) المالي العالمي.

وفي عام 2018 قطعت خدمة سويفت للتراسل المالي التي مقرها بلجيكا الوصول عن البنوك الإيرانية، وهو الأمر الذي تعرضت له روسيا بعد غزوها لجارتها أوكرانيا عام 2022.

شريك جديد

وبما أن هذا الاتحاد هو منظمة ناشئة بين المنظمات الإقليمية، فإن إيران تحاول فرض نفسها كشريك جيد للدول الأعضاء وكواحدة من الدول المهمة في منطقة غرب آسيا التي تتمتع بإمكانية الوصول على نطاق واسع إلى المياه الحرة والمحيطية.

وبلغت قيمت التجارة الخارجية بين إيران والاتحاد الأوراسي حتى عام 2020 ما قيمته 2 مليار و417 مليون دولار، وفق سفير طهران لدى موسكو، كاظم جلالي.

وأمام ذلك، تحاول إيران استثمار موقعها الإستراتيجي في العلاقة مع الاتحاد الأوراسي، كون هذا البلد حلقة الوصل الرئيسة في ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، حيث تطمح طهران لتعزيز موقف "الترانزيت". 

وترى إيران أن توفير الترانزيت والوصول من الدول الأوراسية إلى الدول الأخرى، والتعاون في مجال التصدير وتبادل النفط والغاز والكهرباء والمعادن والمنتجات الزراعية، يصب في اتجاه نمو وتطور دبلوماسيتها الاقتصادية.

لهذا فإن إيران بصفتها البوابة الغربية وممرا لترانزيت السلع بين دول منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، تستفيد في الوقت الراهن من التبادل التجاري القائم في إطار هذه المنظمة خاصة بين تبادل السلع بين روسيا والصين باستخدام العملة الوطنية لهاتين الدولتين.

فضلا عن أن إيران تروج لوجود فرصة أمام الهند والصين بصفتهما من أكثر الدول استهلاكا للطاقة بين أعضاء منظمة شنغهاي، لمد أنابيب إلى الأراضي الإيرانية والروسية بهدف الحصول السهل على الطاقة من كلا البلدين.

وانضمت إيران رسميا إلى منظمة شنغهاي للتعاون في يوليو/ تموز 2023، لتصبح العضو الدائم التاسع في المجموعة.

واهتمام إيران بالاتحاد الأوراسي له ارتباط كبير بتجاوز العقوبات الأميركية بالذات وجعل تأثيره ليس بالكبير على طهران.

وهذا ما ادعاه رئيس البرلمان الإيراني السابق، محمد باقر قاليباف، بقوله في أبريل/ نيسان 2021 إن "جدار العقوبات الذي أقامته الولايات المتحدة ضدنا سيواجه اهتزازا كبيرا، ويمكن أن ينهار هذا الجدار تماما إذا انضمت طهران إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي كعضو دائم".

وسيصل عدد سكان الدول الأعضاء في اتحاد أوراسيا إلى 270 مليون نسمة بعد أن تنضم إيران إليه، فيما كان العدد سابقا 190 مليونا.

 لكن بالمقابل، كثيرا ما دعا الاتحاد الأوراسي إيران إلى تسهيل القوانين في داخلها ومنها منح المشترين الإيرانيين إمكانية الوصول إلى العملات المحلية لتسهيل التجارة.

ولهذا هناك كثير من التسهيلات التي على إيران حلها وتحسينها على صعيد التجارة الداخلية لمستثمريها قبل قبولها كعضو في الاتحاد الأوراسي، خاصة أن كل دولة في الاتحاد تقوم بإعداد قائمة سلبية تتضمن السلع التي تعد سلعا حساسة بالنسبة لأحد الطرفين ولا يمكن رفع التعرفة عنها.