اليهود الأميركيون في زمن الحرب.. ورقة رابحة أم معضلة لإسرائيل؟
وصف 89 بالمئة من اليهود دوافع إسرائيل لمحاربة حماس بأنها "صحيحة"
تتفاقم التباينات بين الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو واليهود الأميركيين على الرغم من تأييد أغلبيتهم للحرب ضد حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وعرض تقرير مطول لمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بيانات تظهر أنه "بالرغم من وجود دعم قوي قدمه اليهود الأميركيون لإسرائيل طوال الحرب، إلا أنهم قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وجهوا الكثير من الانتقادات اللاذعة لحكومة (اليمين الكامل)".
في ضوء ذلك، دعا المعهد نتنياهو إلى التركيز على القضايا المشتركة مع الجالية اليهودية الأميركية، وتجنب التطرق إلى النقاط الخلافية، مقدما توصيات للحفاظ على الدعم اليهودي الأميركي لإسرائيل.
ويتناول رأي اليهود الأميركيين في عدة ملفات؛ مثل الحرب على غزة، والانتخابات الرئاسية الأميركية، والدعم لتل أبيب.
وقد أورد المعهد إحصاءات ناتجة عن استطلاعات رأي، فيما يتعلق بنسبة دعم اليهود الأميركيين لإسرائيل، ومدى التعاطف الموجود لديهم مع الفلسطينيين، ووجهات نظرهم حول العلاقات الإسرائيلية الأميركية.
دعم وتأييد
ويؤكد على أهمية خطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي في 24 يوليو، إذ إنه وجه حديثه إلى أكثر من 7 ملايين عضو من الجالية اليهودية في الولايات المتحدة.
وأفاد بأن "اليهود الأميركيين أعربوا في استطلاعات الرأي العام، عن دعمهم القوي لإسرائيل طوال الحرب".
وأشار إلى استطلاع أجرته اللجنة اليهودية الأميركية في مايو/ أيار 2024، حيث "وصف 85 بالمئة من اليهود المشاركين في الاستطلاع، دعم الولايات المتحدة لإسرائيل بأنه مهم".
وتابع: "وفي استطلاع للرأي أجرته الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، أعربت أغلبية كبيرة عن دعمها لأهداف الحرب الإسرائيلية، بما في ذلك شرط وقف إطلاق النار لإطلاق سراح الرهائن (80 بالمئة)، وإزاحة حماس عن السلطة (73 بالمئة)، وإنهاء الحرب ونزع سلاح الحركة (67 بالمئة)".
ويعرض التقرير دراسة استقصائية متعمقة أجراها معهد بيو للأبحاث في فبراير/ شباط 2024، شملت عينة كبيرة بشكل خاص من المشاركين اليهود الأميركيين.
ووفقا للاستطلاع، وصف 89 بالمئة من اليهود دوافع إسرائيل لمحاربة حماس بأنها "صحيحة"، مقارنة بـ 74 بالمئة من الإنجيليين البيض، الذين كانوا ثاني أكبر مجموعة من حيث نسب الدعم.
بينما وبحسب الأرقام، تنخفض تلك النسبة لتقارب النصف بين عموم الأميركيين. إذ أفاد المقال أن 58 بالمئة فحسب، يتفهمون دوافع إسرائيل لمحاربة حماس.
وبخصوص المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل، أوضح المعهد أن 74 بالمئة من اليهود المشاركين في الاستطلاع أعلنوا عن دعمهم لها، مقارنة بـ 51 بالمئة من الإنجيليين، بينما انخفضت النسبة بشكل واضح بين جميع الأميركيين لتسجل 36 بالمئة فقط.
وأردف التقرير: "كان المشاركون اليهود أيضا هم المجموعة الأكثر احتمالية للتعبير عن مشاعر قوية تجاه الحرب، فقال 94 بالمئة إن الحرب جعلتهم يشعرون بالحزن، وذكر 88 بالمئة أنها جعلتهم يشعرون بالغضب".
وأشار إلى مظاهرات بعض اليهود الأميركيين المتضامنين مع إسرائيل، خاصة مسيرة نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 والتي اجتذبت، وفق المعهد العبري، ما يقرب من 300 ألف مشارك من أصل سبعة ملايين ونصف يهودي أميركي.
كما ادعى أن "اليهود الأميركيين تبرعوا، بما يقرب من مليار دولار، من خلال حركة الاتحاد اليهودي، ومئات الملايين الأخرى من خلال قنوات أخرى، حيث ذلك مدى الدعم اليهودي الأميركي".
انقسام يهودي
لكن في الوقت ذاته، ينبه المعهد إلى "خطورة عد هذا الدعم أمرا مفروغا منه".
وأوضح أن "اليهود الأميركيين يعرّفون أنفسهم، بشكل أساسي، على أنهم ليبراليون، ويصوتون في الغالب لصالح الحزب الديمقراطي".
وتكمن المشكلة، وفق المعهد، في زيادة التعاطف -في صفوف الناخبين الديمقراطيين- مع الفلسطينيين في السنوات الأخيرة على حساب التعاطف مع إسرائيل، وفق قوله.
ووصل الأمر إلى حد أن "دعم اليهود الأميركيين لإسرائيل، أصبح أمرا غير معتاد وغير شائع على نحو متزايد، في دوائر يسار الوسط على الخريطة السياسية".
ويقر المعهد بوجود انقسام يهودي في الولايات المتحدة حول الموقف من حرب إسرائيل على غزة.
وقال: "يجب أن نتذكر أيضا أن اليهود الأميركيين ليسوا هيئة موحدة، ويمكن رؤية الوجود الواضح للناشطين اليهود في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، في المدن الكبرى وفي الحرم الجامعي".
ومع ذلك، قلل من أهمية تلك التحركات، ويرى أن "الدعم اليهودي الأميركي لإسرائيل مستمر، على الرغم من تصاعد معاداة السامية".
وفي هذا السياق، زعم -من خلال عرضه استطلاعا أجرته مؤسسة غالوب أخيرا- تعرّض أكثر من ثلث المشاركين اليهود لحوادث معاملة مسيئة أو مضايقات، بسبب دينهم خلال عام 2023، مقارنة بـ 10 بالمئة، من جميع المشاركين الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع.
وأكمل: "في نفس الاستطلاع، ذكر 60 بالمئة من اليهود الأميركيين، أنهم تجنبوا الكشف عن انتمائهم الديني خوفا من المضايقات (أي أكثر من ضعف المعدل بين جميع المواطنين الأميركيين)".
وأضاف المعهد: “كما تظهر دراسة أجراها مركز كوهين لدراسة اليهودية الحديثة، أن طلاب الجامعات اليهودية يربطون ارتفاع معاداة السامية بالحرب بين إسرائيل وحماس أكثر من العوامل الأخرى”.
ومهما كان الأمر، فإن المشاركين في الاستطلاع أعربوا بشكل عام عن شعور قوي بالارتباط بإسرائيل، وفق قوله.
فيما برر غياب "تصور اليهود الأميركيين، حول الانتقادات الموجهة إلى سلوك إسرائيل خلال الحرب، إلى توافر القليل من المعلومات لديهم".
ولفت إلى أن الاستطلاعات تجنبت سؤال اليهود الأميركيين حول عدد من القضايا.
ويقول: "ليس لدينا بيانات استطلاعية تكشف رأي اليهود الأميركيين، في الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل بتهمة تجويع سكان غزة، أو ارتكاب جرائم حرب، أو التورط في الإبادة الجماعية، حيث لم يطرح أي استطلاع أسئلة حول هذه الادعاءات".
مع ذلك يشير المعهد إلى أن "المشاركين اليهود في استطلاع معهد بيو كانوا أكثر ميلا من جميع الأميركيين لوصف الطريقة التي قاتلت بها إسرائيل في ذلك الوقت بأنها "مقبولة" (62 بالمئة مقابل 38 بالمئة)".
وأضاف: "كما أنهم كانوا أكثر ميلا من كل الأميركيين، لدعم المساعدات الإنسانية لمواطني غزة (61 بالمئة مقابل 50 بالمئة)".
خطر متنام
وفيما يتعلق بالموقف من الحكومة الإسرائيلية، يقر المعهد بأن "المستوى العالي من التضامن في زمن الحرب، يخفي الشقوق الموجودة تحت السطح".
وأردف: "وفي السنوات التي سبقت الحرب، أعرب اليهود الأميركيون عن إحباطهم المتزايد إزاء سلسلة من القرارات السياسية الإسرائيلية، ولم تتزايد الانتقادات إلا بعد تشكيل حكومة اليمين المتطرف، ومن المرجح أن تعود إلى الظهور مرة أخرى مع نهاية الحرب".
وكشف أنه "طوال عام 2023، دعمت غالبية اليهود الأميركيين حركة الاحتجاج في إسرائيل، والموقف القائل بأن الثورة القانونية التي يقودها عضوا الكنيست، ياريف ليفين وسيمحا روثمان، تهدد الديمقراطية الإسرائيلية".
بل وبحسب المعهد، أصدرت المنظمات اليهودية الرئيسة، والتي عادة ما تكون مترددة في التدخل في السياسة الإسرائيلية، بيانات تعارض خطة نتنياهو القضائية.
وامتدت الانتقادات لتطال السياسة الإسرائيلية ضد العرب والمسلمين، إذ ينقل التقرير عن "عدد من المنظمات اليهودية الكبيرة والمؤثرة، نشرها بيانات ضد ضم الحكومة لعناصر تدافع عن التفوق اليهودي، وضد العنف الشديد الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية".
وهو ما عده المعهد دلالة على "استياء العديد من اليهود الأميركيين، من فشل إسرائيل في صياغة بديل دبلوماسي لاستمرار سيطرتها على ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية".
ويرجع ذلك إلى أن "الأغلبية تؤيد المفاوضات لتحقيق حل الدولتين، مع وجود أقلية تؤيد المشروع الاستيطاني".
ففي استطلاع معهد بيو، أعرب 46 بالمئة عن تأييدهم لحل الدولتين، مقابل 22 بالمئة أيدوا دولة واحدة تحت الحكم الإسرائيلي، و13 بالمئة أيدوا دولة واحدة ذات حكم مشترك.
ورصد التقرير سيطرة مشاعر الانتقاد من سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، في جيل الشباب بشكل رئيس.
وحذر من أن هذا هو الجيل الذي سينمو منه في المستقبل جزء كبير من قادة المجتمع، من حاخامات وطلاب ومعلمين وفنانين وشخصيات ثقافية.
وهو ما جعل المعهد يخشى من تنامي الأصوات اليهودية المعارضة للمشروع الإسرائيلي، معتبرا أن ذلك مكمن الخطر.
ويرى أنه "في أوساط أقلية صغيرة، تحول النقد إلى معاداة للسامية، ومحاولة لإحياء رؤية لا يتم في إطارها بناء يهودية الشتات حول إسرائيل".
أما من جهة زعماء التيارات الدينية الرئيسة لليهود الأميركيين، من الإصلاحيين والمحافظين، فيلفت إلى أنهم كانوا على خط الانتقاد كذلك.
وخاصة فيما يخص تعصب الحكومة تجاه التعددية الدينية، مثل الجهود المبذولة لفرض معايير أرثوذكسية على المتحولين إلى اليهودية، وتقليص نطاق قانون العودة الذي يمنح اليهود ما يسمى حق العودة إلى إسرائيل.
وأردف: "بالنسبة لليهود الأميركيين، الذين تضم أسرهم في كثير من الأحيان يهودا باختيارهم أو غير يهود، فإن مثل هذه الإجراءات تهدد الانتماء إلى اليهودية والارتباط بإسرائيل".
داعمون للديمقراطيين
وينتقل المعهد للحديث عن تفضيلات اليهود الأميركيين في الانتخابات الرئاسية، حيث يطغى التفضيل الحزبي القوي بشكل خاص على معيار اختيار المرشح.
يميل اليهود الأميركيين عادة وبشكل كبير إلى الحزب الديمقراطي، فقد كان آخر رئيس جمهوري يفوز بحصة كبيرة من أصوات اليهود هو رونالد ريجان في عام 1980.
ومنذ ذلك الحين، أصبح من النادر أن يفوز المرشحون الجمهوريون بأكثر من ربع أصوات اليهود، حسب المعهد.
ويثبت تلك الفرضية ما حدث في الانتخابات الأخيرة عام 2020، حين حصل دونالد ترامب على 22 بالمئة من أصوات اليهود، مقابل 77 بالمئة لجو بايدن.
وبلغ التأييد اليهودي للحزب الديمقراطي "تأكيد استطلاعات الرأي الأخيرة، أن الناخبين اليهود كانوا يميلون نحو انتخاب بايدن -قبل انسحابه- بغض النظر عن كفاءته المتصورة".
ويعود السبب في ذلك إلى "تقدير اليهود الأميركيين لدعم بايدن لإسرائيل وإدانته القاطعة لأي مظهر من مظاهر معاداة السامية".
من جهة ترامب، فإن المعهد يشير إلى أنه يُنظر إليه بشكل عام على أنه "شخصية غير مستقرة وسلطوية، مما يشكل تهديدا حقيقيا للديمقراطية الأميركية".
وتابع: "ومن المتوقع أن تصوت أقلية فقط، تتألف بشكل رئيس من اليهود المتشددين، لصالح ترامب، بسبب تصورهم له على أنه مؤيد لإسرائيل، أكثر أو أقرب إلى قيمهم المحافظة".
وعن محاولة اغتيال ترامب أخيرا، أوضح المعهد أن قطاعا واسعا من زعماء اليهود الأميركيين، أدانوا هذا الحادث.
ويجزم بأن هذا الحادث "لن يكون له أي تأثير على التفضيلات السياسية لمعظم اليهود، الذين من المرجح أن يصوتوا للمرشح الديمقراطي على أي حال".
توصيات وتوجيهات
وفي معرض الحديث عن توصيات المعهد للحكومة الإسرائيلية بشأن التعامل مع اليهود الأميركيين، يشدد على أهميتهم الكبرى في خدمة مصالح إسرائيل، وبشكل خاص على أهمية اليهود المؤيدين للحزب الديمقراطي.
وأردف أن "قوة وحيوية اليهود الأميركيين، هي مصلحة أخلاقية إسرائيلية وضرورة إستراتيجية، فهم الشريحة الأكثر موثوقية المؤيدة لإسرائيل في الجمهور الأميركي".
وأكمل: “وحقيقة أن الأغلبية تصوت باستمرار لصالح الحزب الديمقراطي، إنما تعزز أهميتها الإستراتيجية، حيث يتعمق الخلاف بين الديمقراطيين حول مسألة دعم إسرائيل".
ولو لم يكن اليهود الأميركيون حاضرين، لكان من المرجح أن يكون الحزب الديمقراطي أكثر ميلا نحو المواقف المناهضة لإسرائيل، وفق قوله.
وعرض المعهد عدة توصيات لتشجيع وتعميق الدعم اليهودي الأميركي لإسرائيل، حيث “يجب على نتنياهو تجنب انتقاد بايدن والديمقراطيين، خصوصا في ظل هشاشة الحزب مع اقتراب الانتخابات المقبلة”.
كما يجب أن يسعى للاستمرار في دعم التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، من خلال الحزبين.
ورأى المعهد أن الحزب الديمقراطي بمثابة كنز إستراتيجي لإسرائيل على المدى البعيد.
وأردف: "حتى إذا خسر الديمقراطيون البيت الأبيض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فإنهم سيظلون على بعد ولاية واحدة فقط من فرصة العودة إلى السلطة، ودعمهم ضروري لأمن إسرائيل على المدى الطويل".
واستحضر خطاب نتنياهو أمام الكونغرس عام 2015، وما قاله من حديث ضد سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما النووية الإيرانية، وهو الأمر الذي عُد بمثابة تدخل سياسي يهدف إلى تشجيع المعارضة الجمهورية.
وتابع: "تعرضت شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي بين اليهود الأميركيين لضربة قوية، ولم يتعاف منها منذ ذلك الحين، لذلك من الأفضل له تجنب نفس الخطأ".
وجاءت التوصية الثانية تحت بند “إظهار الالتزام الإسرائيلي المستمر بأولويات الحرب بالنسبة لإدارة بايدن، والتي وافقت عليها غالبية اليهود الأميركيين”.
وهذا يعني اتخاذ خطوات واضحة تهدف إلى تعظيم تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، والانتقال في أسرع وقت ممكن إلى الحكم المدني هناك، وفق تقديره.
وأكمل: "وهذا يعني أيضا استمرار الجهود المبذولة لتحقيق التطبيع مع المملكة العربية السعودية، وفتح أفق سياسي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
أما النقطة الثالثة، فتتعلق “بطمأنة اليهود الأميركيين، بأن إسرائيل لا تزال ملتزمة بشكل كامل بالقيم الديمقراطية المشتركة، بما في ذلك المحاكم المستقلة القوية والمساواة المدنية والتعددية الدينية وسيادة القانون".
كما يجب إدانة أي عمل متطرف يشير إلى وجود فجوة في القيم بين إسرائيل واليهود الأميركيين، يقول المعهد.
وشدد في البند الرابع على إظهار وحدة المصير المشترك مع إسرائيل.
إذ دعا إلى "التركيز على التضامن مع يهود الولايات المتحدة، الذين يواجهون أسوأ انتشار لمعاداة السامية في نصف القرن الماضي، ويتأثرون بتصرفات الحكومات الإسرائيلية ويتقاسمون المصير المشترك مع الشعب الإسرائيلي".