أنيس الراوي.. عالم كيمياء عراقي سخر حياته للدعوة والإعجاز العلمي بالقرآن

يوسف العلي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم تخصصه في علم الكيمياء الذري، لكن ذلك لم يمنع العالم العراقي أنيس الراوي من العمل في ميدان الدعوة الإسلامية. 

فكان أحد فرسان الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وأسلم على يديه العديد من الأوروبيين أثناء مدة  إقامته بالقارة العجوز خلال مراحل متعددة من حياته.

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، نعت العديد من الشخصيات والمؤسسات الدينية وفاة الداعية العراقي، أنيس الراوي، في العاصمة السويدية ستوكهولم حيث كان يقيم، والتي كان يتولى فيها حتى آخر أيام حياته، الخطابة في مسجد المدينة ذاتها.

ونعى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القره داغي، الراوي عبر حسابه عبر منصة "إكس" في 25 أكتوبر، وأكد أن رحيله جاء بعد رحلة صبر ومثابرة مع المرض. كما نعاه المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية دينية للسنة بالعراق).

"عمامته بصدره"

في نعيها للراوي، قالت حركة العدل والإحسان العراقية، إن "الفقيد كان يصدع بأمر الله في المنتديات والملتقيات والمحاضرات والمصنفات، منافحا عن دين الله، ساعيا في قضاء حوائج خلق الله بلا كلل ولا ملل، حتى ترجل عن ميدانه المحبب في ديار الغربة".

وأضافت الحركة خلال بيانها في 25 أكتوبر، أن "الجسد هو ما رحل ولكن بقي بيننا بفكره وأدبه وإبداعه وعلمه وصولاته في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وبقيت بيننا سيرته الطبية العطرة تتذاكرها الأجيال وتتذكر منافحته عن دينه ووطنه وأهله في شتى المناسبات".

من جهته، قال الأكاديمي العراقي، ورئيس مركز البصيرة للدراسات، طه الزيدي، خلال مقال كتبه عن الفقيد بعنوان: "أنيس الراوي داعية عمامته في صدره"، تحدث فيه عن محطات ومواقف عاصرها مع الراحل خلال وجوده في العراق، ومحاضراته التي كان ينظمها في الإعجاز العلمي.

وقال الزيدي خلال مقاله الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إنه "في منتصف تسعينيات القرن الماضي وما تلاها برزت مسألة الإعجاز العلمي، وحمل لواءها في العراق نخبة من العلماء في العلوم التطبيقية، منهم الدكتور أنيس الراوي، والأستاذ رعد الخزرجي، والدكتور خالد العبيدي، والدكتور محمد جميل الحبال". 

وأضاف أن "الداعية الراوي تميز بالجانب التربوي والعاطفي في محاضراته عن الإعجاز العلمي التي كان يطوف بها في مساجد بغداد والمحافظات الأخرى، فكان يبكي ويُبكي الحاضرين في محراب جلال الله تعالى، وكانت لنا معه محطات ومحطات ولقاءات وحوارات". 

وأكد الزيدي أن "الراوي استطاع مع بقية زملائه، استقطاب كثير من شباب الجامعات في التخصصات العلمية لإتقانهم مهارة تجديد الخطاب الإسلامي وتكامله مع الحقائق العلمية".

وأردف: "فترسخت الصحوة الإسلامية ومظاهر التدين والالتزام بالزي الشرعي للرجال والنساء على السواء وبناء المساجد في هذه الجامعات... رحم الله الأستاذ أنيس الذي ترك بصمة راسخة في جيل الصحوة الإسلامية".

عالم وداعية

يُعرف أنيس الراوي بأنه أحد الدعاة الذين لا يشق لهم غبار في ميدان الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، والتي استثمر فيها علمه في تخصص الكيمياء والذرة، وبادر إلى الدعوة إلى الإسلام في بريطانيا وأستراليا والسويد.

وخلال مقابلة تلفزيونية في أغسطس/ آب 2016، قال الراوي إنه رأى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في المنام لأكثر من مرة، ومنها عندما كنت في بريطانيا وفي السويد وفي أستراليا.

وأضاف الراوي، قائلا: "حينها كنا ندعو الناس هناك إلى الإسلام فكنت مع حماسة الشباب التي أدعوهم بها، أرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في المنام وكأنه يحيط بي من كل مكان".

كما تحدث الراوي عن كيف أسلمت إحدى الراهبات على يديه في بريطانيا، بقوله: إن "راهبة جاءت إلى منزلي في بريطانيا، ضمن حملة تبشير لتهدينا كتابا عن المسيح، فطلبنا أنا وزوجتي أن تدخل المنزل، ودعوناها إلى الإسلام فأسلمت، ثم زوجناها من أحد الطلبة المسلمين في الجامعة".

وبخصوص خروجه من العراق، قال الراوي خلال مقابلة تلفزيونية في 30 يوليو 2016، إن "تهديدات وصلتني عندما كنت عميدا لكلية العلوم للبنات في جامعة بغداد، ولا أعرف من أي جهة صدرت، وغادرت إلى الأردن عام 2006".

وأضاف الراوي أن "مغادرتي للعراق عام 2006، كانت بعدما جرى اغتيال الدكتور عصام الراوي (رئيس رابطة التدريسيين العراقيين)، وكان اسمي ثانيا في قائمة الاغتيالات التي لا نعرف من يقف وراءها".

وتابع: "عندما كنت في الأردن اتصل بي أحد مسؤولي وزارة التعليم العالي في العراق، وعرض علي منصب مستشار ثقافي في سفارة العراق بالسويد، شرط أن أطلب إعفاء من منصب عميد كلية التربية للبنات، فوافقت وأصبحت مستشارا".

وأردف: "بقيت في منصب المستشار لأكثر من أربع سنوات، ثم جاءنا سفير جديد واتهمني بالطائفية- وهذا غير صحيح- وكتب إلى وزير التعليم العالي علي الأديب، فطلب مني الأخير العودة إلى البلد، لكني لم أوافق وطلبت منه إحالتي إلى التقاعد. وبقيت في السويد".

وبخصوص عمله في السويد، قال الراوي صحيح أحلت إلى التقاعد لكنني أعمل محاضرا في كل الدول الإسكندنافية، وألتقي مع الناس في مخيماتهم خاصة مع دعوة المسلمين الجدد وأشرح لهم الإسلام والروحانيات".

ورأى الراوي أن "اقتصار العلم اليوم في العلم الشرعي فقط هو قمة التخلف، وإنما يجب أن تأتي بكل العلوم، لأن الإسلام شمولي، الكل فيه يمثل الجزء والجزء يمثل الكل".

مسيرة كبيرة

ولد أنيس مالك علاوي الراوي في الأول من يوليو/تموز 1945 بمدينة الفلوجة في محافظة الأنبار (غرب العراق) وأكمل فيها المرحلة الابتدائية والثانوية، ثم انتقل إلى العاصمة بغداد في المرحلة الجامعية.

بدأ الراوي مسيرته الأكاديمية في جامعة بغداد بحصوله على درجة بكالوريوس العلوم عام 1967. بعد ذلك سافر إلى بريطانيا لإكمال دراسته فالتحق بجامعة سالفورد ونال بكالوريوس شرف في الكيمياء الذرية عام 1972.

استمر في الجامعة ذاتها ليحصل على درجة الماجستير في الكيمياء الإشعاعية عام 1973، ثم أكمل دراسته ليحصل على درجة الدكتوراه في التخصص نفسه من الجامعة نفسها عام 1976.

وصل الراوي إلى مرتبة الأستاذية (بروفيسور) ويعد أحد علماء الكيمياء البارزين في العراق، ونشر عددا من الأبحاث العلمية والكتب كما أشرف على كثير من رسائل الماجستير والدكتوراه.

إلى جانب التدريس الجامعي، ونشر البحوث وتأليف الكتب، أسهم الراوي في تقديم العديد من البرامج التلفزيونية عن الإعجاز العلمي في القرآن، وأخذت مساحة واسعة من الشهرة، منها برنامج "فقه وقلب".

نشر الراوي 45 بحثا أغلبها عالمي في الفترة بين عامي 1976إلى 2006، وأشرف على 28 رسالة ماجستير و21 رسالة دكتوراه، وألف 18 كتابا علميا في موضوع الاختصاص.

ونفّذ 11 مشروعا دوائيا بالتعاون مع وزارة الصناعة العراقية في الفترة 1998-2000، وأشرف على التعاون العلمي مع معهد الدراسات العليا شمال شرق ويلز في الفترة 1986-2000.

وشغل الراوي خلال مسيرته الأكاديمية العديد من المناصب منها: عميد كلية العلوم للبنات 2003 – 2006، مستشار ثقافي في السويد 2007 – 2012، رئيس قسم الكيمياء / التربية للبنات 1984 – 1996، رئيس تحرير مجلة أم سلمة – كلية العلوم للبنات".

ترأس الراحل جمعية الشبان المسلمين (التابعة للإخوان المسلمين في العراق) من عام 1997 – 2007، وفي الوقت نفسه كان رئيسا للجنة العلمية في جمعية ذاتها من عام 1997 – 2005.

وبقي الراحل يدعو إلى الإسلام حتى أيامه الأخيرة، فقد تول الخطابة في مسجد ستوكهولم في السويد رغم مرضه وتقدمه في السن، وأن العديد من خطبه كانت تنشر على حسابه في "فيسبوك" وآخرها نشرت بتاريخ 26 يوليو/ تموز 2024.