بعد "هجوم زولينغن".. هل تتجه ألمانيا إلى تغيير سياسة قبول اللاجئين؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

فتح هجوم زولينغن الباب على مصراعيه أمام الحكومة الألمانية لفرض قوانين جديدة على سياسة اللجوء في هذا البلد الأوروبي الذي يحتضن أكبر عدد من المهاجرين غير النظاميين في العالم.

وقُتل ثلاثة أشخاص وأصيب ثمانية في 23 أغسطس/آب 2024 حينما هاجم طالب لجوء سوري (26 عاما) جرى رفض طلبه، بسكين مهرجانا بمناسبة ذكرى تأسيس مدينة زولينغن غرب ألمانيا.

وقد أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن الهجوم، كما أقر الشاب بأنه المسؤول عنه وبانتمائه إلى التنظيم.

وبحسب "لوائح دبلن"، كان من الممكن نقل السوري الذي وصل ألمانيا عام 2022 إلى بلغاريا في السنة التالية، لكن الترحيل لم يتم.

تدابير جديدة 

ووعد المستشار الألماني أولاف شولتز باتخاذ تدابير جديدة لمنع الهجرة غير النظامية لكنه استبعد تعليق حقوق اللجوء.

ويأتي ذلك وسط دعوات من أحزاب المعارضة لإجراء إصلاح جذري لسياسة الهجرة.

وقال شولتز في 28 أغسطس 2024 بعد أن اقترح حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض الرئيس تجميدا فعليا لقبول اللاجئين: "سيظل الحق الفردي في اللجوء قائما. هذا في دستورنا، ولا يمكن لأحد أن يحصل على دعمي لتحدي هذا".

وأعلن أن الشرطة ستنفذ المزيد من عمليات المراقبة على الحدود البرية للمقاطعة وستطبق تدابير أكثر صرامة لترحيل مرتكبي الجرائم العنيفة.

لكنه لم يقبل دعوة المعارضة من أجل الرفض الشامل لجميع طالبي اللجوء القادمين من سوريا وأفغانستان.

وقال السياسي الديمقراطي الاجتماعي لقناة ZDF التلفزيونية العامة: “لن ننتهك المعاهدات الدولية التي وقعتها ألمانيا، وسنلتزم بقانون الاتحاد الأوروبي، وبالطبع دستورنا”.

وأضاف أن "الإجراءات ضد المهاجرين غير الشرعيين والمجرمين العنيفين لا ينبغي أن تضر باللاجئين، الذين يحتاجون حقا إلى الحماية في ألمانيا.

لكن الحكومة الائتلافية تعرضت لضغوط لاتخاذ موقف أكثر صرامة حيال الهجرة بعد هجوم  زولينغن ومن قبله مقتل شرطي ألماني طعنا على يد أفغاني في يونيو/حزيران 2024.

وأدت واقعة  زولينغن إلى تفاقم خلافات سياسية حول قواعد اللجوء والترحيل، لا سيما أن المنفذ طالب لجوء من سوريا لم تنجح الحكومة في ترحيله بعد رفض طلب لجوئه.

وقد أعلنت الحكومة الألمانية في 29 أغسطس 2024 حزمة مقترحة من التدابير الأمنية، شددت فيها قوانين وإجراءات اللجوء والإقامة التي تنظم التعامل مع من يرتكبون جريمة تتعلق بسلاح أو أداة خطيرة.

ووافقت الحكومة الفيدرالية على إلغاء المزايا المقدمة لبعض طالبي اللجوء وذلك خلال مؤتمر لكل من وزيرة الداخلية نانسي فايسر، ووزير العدل ماركو بوشمان ووزيرة الدولة في الوزارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية، آنجا هايدوك.

وتريد الحكومة الفيدرالية أيضا قطع المزايا النقدية الحكومية عن بعض طالبي اللجوء. 

وقد أوضحت فايسر أن هذا يتعلق بالمهاجرين الذين، وفقا للوائح دبلن، تكون دولة أوروبية أخرى مسؤولة عنهم ووافقت على إعادة قبولهم.

وبحسب بوشمان، فإن الهدف من ذلك هو الضغط على من تنطبق عليهم الإجراءات للاتصال بالسلطات أو مغادرة البلاد طوعا.

 بالإضافة إلى ذلك، وفقا لسياسي الحزب الديمقراطي الحر، فإن أولئك الذين يسافرون إلى وطنهم "دون أسباب قاهرة"، على سبيل المثال لقضاء عطلة، يجب أن يفقدوا حقهم في الحماية في ألمانيا. 

وأردف: “يُعفى الأوكرانيون الذين يزورون شركاءهم العسكريين في وطنهم من هذه اللائحة”.

تسريع الترحيل

وأشارت الإجراءات الجديدة في ألمانيا إلى قطع المزايا النقدية الحكومية عن بعض طالبي اللجوء وتحديدا من لديهم بصمة في دول أوروبية أخرى، مما يعني تطبيق برلين عليهم "لائحة دبلن".

وأنشئ هذا النظام الخاص باللاجئين بموجب "اتفاقية دبلن" التي أقرت في 15 يونيو/حزيران 1990 ووقع عليها في العاصمة الأيرلندية تباعا عدد من دول الاتحاد الأوروبي.

وهم: النمسا، بلجيكا، بلغاريا، كرواتيا، قبرص، جمهورية التشيك، الدنمارك، استونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، هنغاريا، أيسلندا، أيرلندا، إيطاليا، لاتفيا، ليختنشتاين، ليتوانيا، لوكسمبورغ، مالطا، النرويج، بولندا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، السويد، سويسرا.

وبموجب لائحة دبلن فإنه تؤخذ بصمات أي طالب لجوء في أول دولة يدخلها -من الدول الموقعة على الاتفاقية- وتدرج في قاعدة البيانات المشتركة.

وبالتالي يمكن تحديد ما إن كان صاحبها تقدم بطلب لجوء في دولة أوروبية أخرى غير التي يوجد فيها أم لا.

وفي حالة قيامه بذلك تعد دولة الاختصاص غير مختصة بطلب لجوئه، ويُعاد إلى الدولة الأولى التي بصم فيها.

وأمام ذلك، فإن الصدمة التي تلقتها ألمانيا دفعت المستشار أولاف شولتز لإنشاء مجموعة عمل حول الهجرة في البلاد.

ستضم المجموعة بحسب شولتز من بين آخرين، ممثلين عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أكبر فصيل معارض، والولايات، وستناقش اللجنة حزمة الإجراءات الحكومية.

لكن مع ذلك، واجهت المبادرات الفردية، مثل إلغاء المزايا المقدمة لبعض طالبي اللجوء، انتقادات مسبقة.

ووصفت منظمة برو أسيل الخاصة باللاجئين خطة زعيم الحزب الديمقراطي الحر كريستيان ليندنر لخفض إعانات اللجوء بأنها "غير دستورية".

وقالت المنظمة لوكالة الصحافة الفرنسية إن "المحكمة الدستورية الاتحادية أعلنت بوضوح أنه لا يجوز إلغاء الإعانات الاجتماعية أو تخفيضها بشكل تعسفي من أجل آثار رادعة مفترضة".

لكن بالمقابل، تريد الحكومة الألمانية اتخاذ مجموعة واسعة من التدابير لمنع وقوع هجمات مستقبلية تشمل مواطنين أجانب قد يصبحون متطرفين أو ساخطين بسبب فشلهم في تلبية طلب اللجوء. 

إذ إنه سيتم بموجب الإجراءات الجديدة تنفيذ عمليات الترحيل بشكل أسرع، خاصة أن داعمي الإجراءات ربطوا عدم امتثال منفذ هجوم زولينغن لقواعد الإعادة إلى بلغاريا بوفاة ثلاثة أشخاص.

وقال نائب المستشار الألماني روبرت هابيك إن المشتبه به لم يكن معروفا لأجهزة الأمن بصفته متطرفا خطيرا.

وبحسب وزير العدل الألماني ماركو بوشمان، فإن إلغاء المزايا الاجتماعية عن الذين تنطبق عليهم لائحة دبلن، من شأنه أن يفرض ضغوطا عليهم، حيث لن يكون لديهم إمكانية الوصول إلى النقود من الحكومة وفقط سيوفر لهم الطعام والمأوى.

وعلى سبيل المثال، إذا وصل طالب اللجوء إلى اليونان أولا وسُجل هناك ولكن توجه لاحقا إلى ألمانيا وظل فيها على الرغم من الأمر بالعودة إلى الدولة الأولى بموجب قواعد دبلن، فإنه لن يتلقى أي مساعدة مالية بعد الآن.

 خفض المزايا 

والآن، في أكبر دولة من حيث عدد السكان في الاتحاد الأوروبي، جرى منح سلطات إنفاذ القانون الإذن باستخدام البيانات البيومترية من مصادر متاحة للجمهور عبر الإنترنت للتعرف على الوجه لتحديد المشتبه بهم.

واستقبلت ألمانيا أكثر من مليون طالب لجوء في عامي 2015 و2016 في ذروة أزمة المهاجرين في أوروبا.

وهو تدفق مثير للانقسام بشكل عميق أدى إلى تعزيز شعبية حزب البديل من أجل ألمانيا.

إذ لطالما كانت الهجرة موضوع نقاش حاد في ألمانيا، وكان الحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي ينتمي إليه شولتز يدعو عادة إلى سياسة هجرة أكثر انفتاحا.

إلا أنه من خلال خفض المزايا المقدمة لحالات "دبلن"، تأمل الحكومة الائتلافية في خفض أرقام الهجرة.

وبحسب الحكومة الألمانية، لم يُنقل سوى حوالي 3500 من أصل 25 ألف طالب لجوء اضطروا إلى التقدم بطلب اللجوء في دولة عضو أخرى من ألمانيا في النصف الأول من عام 2024. 

 ومن المتوقع أن تستغرق العملية بضعة أشهر؛ حيث يتعين على برلين إعداد مشاريع قوانين تحتاج بعد ذلك إلى اعتماد من قبل مجلس الوزراء والتصويت عليها في كل من غرفتي البرلمان.

في المقابل، تضغط المعارضة التي تتشدد في طرح نماذج قاسية للحد من الهجرة إلى ألمانيا.

إذ تريد المعارضة توسيع قائمة البلدان الأصلية الآمنة، ورفض كل من ليس لديهم بوضوح الحق في الحماية على الحدود الألمانية.

ويأتي كل ذلك، في وقت تشكل فيه الهجرة مصدر قلق رئيس بين الناخبين قبل الانتخابات المحلية في شرق ألمانيا في سبتمبر/أيلول 2024.

ويتصدر حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، نتائج الاستطلاعات برسالته المناهضة للهجرة.