اجتماعات سرية بمعزل عن الفلسطينيين.. ماذا تحيك الإمارات لقطاع غزة؟
وسائل إعلام غربية وعبرية أكدت أن الإمارات ترفض إشراك حماس في إدارة غزة
في الوقت الذي تتفق فيه الفصائل الفلسطينية على تشكيل حكومة “وحدة وطنية مؤقتة” بعد العدوان على غزة، تعقد دولة الإمارات اجتماعات سرية مع إسرائيل والولايات المتحدة لمناقشة خطط اليوم التالي للقطاع بعد الحرب.
وبدأ العدوان منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأسفر عن استشهاد أكثر من 39 ألف فلسطيني، وإصابة ما يزيد عن 90 ألفا آخرين، في ظل استمرار الهجمات الإسرائيلية على القطاع دون توقف.
ومنذ بدايته، جرى الحديث عن خطط إماراتية مشبوهة تهدف إلى ضمان هزيمة حركة المقاومة الإسلامية حماس التي أطلقت عملية طوفان الأقصى، وذلك رغم وجود محاولات فلسطينية داخلية لطي صفحة الانقسام الداخلي والتخطيط لمستقبل غزة بعد الحرب.
"اتفاق بكين"
ففي بادرة هي الأولى من نوعها ترعاها الصين، أعلنت بكين التوصل إلى مصالحة وطنية بين الفصائل الفلسطينية لإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة، وذلك خلال بيان للخارجية الصينية أصدرته في 23 يوليو/ تموز 2024.
وأعلنت وزارة الخارجية في بيانها أنه جرى التوقيع على "إعلان بكين" في الحفل الختامي لحوار مصالحة بين 14 فصيلا فلسطينيا استضافته بكين من 21 إلى 23 يوليو.
وأكد وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اتفاق الفصائل الفلسطينية على تشكيل "حكومة مصالحة وطنية موقتة" لإدارة غزة بعد الحرب، وهي إحدى النقاط التي يدور النقاش بشأنها من أطراف مختلفة منذ أشهر.
وشدّد وانغ يي على أن "المصالحة شأن داخلي بالنسبة الفصائل الفلسطينية، لكن في الوقت عينه، لا يمكن أن تتحقّق دون دعم المجتمع الدولي".
وجدد الدعوة إلى "وقف شامل ودائم ومستدام لإطلاق النار في غزة"، مشدّدًا على بذل الجهود لدعم الحكم الذاتي الفلسطيني والاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة.
وقالت الفصائل الفلسطينية في بيان مشترك، إنها اتفقت على "الوصول إلى وحدة وطنية شاملة، تضم القوى كافة في إطار منظمة التحرير، والالتزام بقيام الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، طبقا لقرارات الأمم المتحدة، وضمان حق العودة طبقا للقرار 194".
وأكد البيان على "حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإنهائه وفق القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ونضالها من أجل تحقيق ذلك بكل الأشكال المتاحة".
وأشار إلى "تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل وبقرار من الرئيس (محمود عباس) بناء على القانون الأساسي الفلسطيني المعمول به ولتمارس الحكومة المشكلة سلطاتها وصلاحياتها على الأراضي الفلسطينية كافة بما يؤكد وحدة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة".
ولفت إلى أن الحكومة المرجوة "ستبدأ في توحيد المؤسسات كافة في أراضي الدولة الفلسطينية والمباشرة في إعادة إعمار القطاع، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات المركزية بأسرع وقت وفقا لقانون الانتخابات المعتمد".
كما اتفقت الفصائل على "مقاومة وإفشال محاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، والتأكيد على عدم شرعية الاستيطان والتوسع الاستيطاني، وفقا لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ورأي محكمة العدل الدولية".
لكن اتفاق بكين قوبل برفض إسرائيلي على لسان وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، الذي رأى أن “حكومة وفاق وطني أمر لن يحدث، لأن حكم حماس سوف يسحق”.
واتهم الرئيس عباس بأنه "بدلا من رفض الإرهاب يحتضن قتلة حماس ويكشف عن وجهه الحقيقي"، وفق تعبيره.
"اجتماع سري"
وبالتزامن مع اتفاق المصالحة، كشف موقع "أكسيوس" الأميركي عن تفاصيل اجتماع سري عقد في أبوظبي بين مسؤولين من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل ودولة الإمارات المتحدة في 18 يوليو لمناقشة خطة اليوم التالي للحرب في قطاع غزة.
ونقل الموقع الأميركي خلال تقرير نشره في 23 يوليو، عن مسؤوليْن إسرائيلييْن أن اللقاء استضافه وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد، وحضره من الجانب الأميركي بريت ماكغورك، كبير مستشاري الرئيس جو بايدن، ومستشار وزارة الخارجية توم سوليفان.
فيما حضر من الطرف الإسرائيلي وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، المقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إضافة إلى اثنين من كبار مسؤولي الجيش يعملان على مقترحات إسرائيل بشأن خطط اليوم التالي لغزة.
وبحسب الموقع، فإن الاجتماع يشير إلى أن نتنياهو بدأ يدرك الحاجة إلى خطة واقعية لكيفية حكم غزة بعد الحرب.
وقبل يوم واحد من وصول الإسرائيليين إلى أبوظبي، عرض الإماراتيون مقترحاتهم لليوم التالي للحرب في مقال افتتاحي للمندوبة السابقة لدولة الإمارات في الأمم المتحدة، لانا نسيبة في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
ودعت "نسيبة" خلال مقالها إلى إرسال بعثة دولية مؤقتة إلى غزة، مدعية أن "هذه المهمة ستستجيب للأزمة الإنسانية، وترسي القانون والنظام، وتضع الأساس للحكم".
كما قالت بشكل منفصل لصحيفة "فاينانشيال تايمز" في يوم الاجتماع الثلاثي في أبوظبي إن الإمارات ستكون مستعدة لتكون جزءا من هذه القوة الدولية وسترسل قواتها على الأرض، لكنها وضعت شروطا أساسية عدة.
ومن الشروط، أنه "سيتعين على القوة الدولية أن تدخل غزة بناء على دعوة رسمية من السلطة الفلسطينية. ويتعين على الأخيرة أن تجري إصلاحات ذات معنى وأن يقودها رئيس وزراء جديد يتمتع بالصلاحيات والاستقلال".
وكذلك: "ستحتاج الحكومة الإسرائيلية إلى السماح للسلطة الفلسطينية بأن يكون لها دور في حكم غزة والموافقة على عملية سياسية تقوم على حل الدولتين. وسيكون للولايات المتحدة دور قيادي في أي مبادرة في اليوم التالي".
وأشار الموقع الأميركي إلى أن "الإماراتيين يريدون أن يكونوا جزءا من حل في غزة لا يشمل حركة حماس، ولكن لديهم أيضا تحفظات قوية على القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية".
ولفت إلى أن "نتنياهو يريد أن يكون الإماراتيون جزءا من خطة اليوم التالي لغزة، ويرغب في أن ترسل الإمارات قوات، وتدفع تكاليف إعادة الإعمار، وتصلح نظام التعليم في غزة من أجل إزالة التطرف من السكان"، وفق وصفه.
لكن نتنياهو غير مستعد في هذه اللحظة لإنهاء الحرب، كما أنه يرفض أي دور رسمي للسلطة الفلسطينية في غزة، ولا يرغب في استئناف العملية السياسية على أساس حل الدولتين، بحسب الموقع.
ولفت إلى أن وزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالانت، قدّم خطة بشأن غزة قبل أشهر، وكانت مشابهة جدا للاقتراح الإماراتي، لكن نتنياهو رفضها تماما.
وقال مسؤولون إسرائيليون للموقع الأميركي إن "نتنياهو يظهر الآن استعدادا أكبر، على الأقل سرا، لدعم خطة غالانت ومناقشتها مع الولايات المتحدة والإمارات".
وأوضح مسؤول إسرائيلي أن "نتنياهو هاجم خطة غالانت وعرقلها لعدة أشهر، لكنه الآن أخذها وترجمها إلى الإنجليزية وأعطاها لديرمر ليقدمها للإماراتيين والأميركيين كما لو كانت من اختراعه".
تآمر إماراتي
دور الإمارات في العدوان على قطاع غزة والاجتماعات السرية التي تعقدها مع الاحتلال الإسرائيلي، وداعمته الأولى الولايات المتحدة الأميركية، لاقت استياء كبيرا من كتاب ومختصين في الشأن السياسي العربي، الذين وصفوا دورها بـ"التآمري" في القضية الفلسطينية.
وتعليقا على الاجتماع السري في أبو ظبي، وجه الباحث والمحلل السياسي الجزائري، محمد دخوش، انتقادا لاذعا للإمارات، وقال في تدوينة على منصة "إكس" في 23 يوليو، إن "الناس في غزة تموت وتدفع دماءها رخيصة في سبيل الله وهؤلاء بكل وقاحة يتآمرون".
على الصعيد ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، ياسر الزعاترة، عبر "إكس" في 24 يوليو، إن "من طاردوا ربيع العرب، يطارِدون مقاومة غزة الآن. تعرفون القصة: إنها متلازمة الإسلام السياسي. وهذه نتجت عن تصدُّر الإسلاميين للمرحلة. أما المستهدف الأصلي، فهو أي صوت يطالب بالإصلاح، مهما كان لونه".
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، قال في مقابلة مع وكالة الأناضول في أبريل/نيسان 2024، إن إدارة غزة يجب أن تتم بإرادة فلسطينية، مرحبا بأي قوة عربية أو إسلامية إذا كانت مهمتها مساعدة الشعب الفلسطيني على التحرر وليس حماية الاحتلال.
وعلى الصعيد ذاته، قالت قناة "كان" العبرية، في 23 يوليو، إن دولا عربية تشهد خلافات بشأن نظرتها للحل في غزة، بعد العدوان الجاري، بين من يريد وجود السلطة ومن يرفضها ويسعى إلى تفكيك قيادتها الحالية.
وأشارت القناة إلى أن إحدى نقاط الخلافات المهمة، هي مسألة تركيبة السلطة الفلسطينية التي ستحكم القطاع، إضافة إلى موقع حماس فيها في اليوم التالي للحرب.
وأوضحت أن مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر والسلطة الفلسطينية، قدمت وثيقة قبل نحو 3 أشهر، إلى الحكومة الأميركية، تتناول الخطوط العامة لليوم ما بعد الحرب.
لكن وفقا لمسؤول عربي كبير (لم تكشف هويته)، في إحدى تلك الدول، قال للقناة العبرية إنه "لا يوجد اتفاق واضح، عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل الصغيرة".
ونقلت عنه قوله: "إن القضايا غير المجمع عليها، هي السلطة الفلسطينية، وأي تركيبة ستحكم غزة، وفي حين تدعم مصر والأردن التركيبة الحالية للسلطة، فإن السعودية والإمارات تريدان إجراء تغييرات مهمة في تركيبتها".
وأشارت إلى أن المسألة الأخرى هي موقع حماس من السلطة في اليوم التالي.
وقال المسؤول العربي، إن "قطر الأقرب إلى حماس بين الدول، لن تتخلى بسرعة عن دورها في غزة، على عكس السعودية والإمارات، اللتين ترغبان في القضاء بشكل كامل على حماس".
ولفتت القناة إلى أن الإمارات كانت أعلنت قبل أيام عن دعمها لإنشاء قوة مؤقتة متعددة الجنسيات في غزة، والاندماج فيها كقوة عسكرية مؤقتة. في خطوة نحو تنفيذ حل الدولتين.
وقال المسؤول العربي في هذا السياق: "بالتحديد، يبدو أن هناك المزيد من الاتفاق، وأنه لن توافق أي دولة على إرسال قوات إلى غزة لتلبية احتياجات الجيش الإسرائيلي، ولكن فقط كجزء من حل أكثر شمولا يتضمن أيضا الضفة الغربية".
ولفتت القناة إلى أن مسؤولين في الحكومة الأميركية "تنقلوا بين دول المنطقة، جزئيا من أجل خلق إجماع بين الدول العربية المعنية فيما يتعلق باليوم التالي لغزة، وليست بالضرورة مهمة بسيطة".
وسبق أن أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، رفض بلاده لأي حديث عن إدارة قطاع غزة بعد الحرب عبر قوات عربية أو غير عربية.
وأضاف في جلسة حوارية عُقدت على هامش أعمال الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي، في الرياض في أبريل 2024، أن ما يطرح من سيناريوهات لما بعد الحرب هي غير واقعية ومرفوضة، ولن نتعامل معها، مؤكدا أن "حماس لم تبدأ النزاع، وهي فكرة لا يمكن نسفها".
المصادر
- Scoop: U.S., Israel and UAE held a secret meeting on Gaza war "day after" plan
- UAE: A temporary international mission is needed in Gaza
- إعلان بكين يحدد مرحلة ما بعد الحرب.. اتفاق فتح وحماس يثير غضب إسرائيل
- الفصائل الفلسطينية توقع إعلان بكين.. حكومة مصالحة لإدارة غزة بعد الحرب
- ارتفاع حصيلة الشهداء في غزة إلى 39090 والجرحى إلى 90147 منذ 7 أكتوبر
- اتفاق بكين يُقابل برفض اسرائيلي لأنه يمهد لدخول حماس في حكومة وفاق وطني فلسطيني
- انقسامات بين دول عربية بشأن "اليوم التالي" بغزة.. دولتان ترغبان بالقضاء على حماس