فاشية مودي أم تعددية غاندي؟.. الهند تعيش استحقاقا انتخابيا تاريخيا

إسماعيل يوسف | منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

تدخل الهند، بالانتخابات العامة التي بدأت منذ 19 أبريل/ نيسان 2024 لاختيار أعضاء مجلس البرلمان الفيدرالي، مرحلة حاسمة من تاريخها.

فقد تقربها هذه الانتخابات أكثر إلى "أمة هندوسية خالصة" متطرفة، أو تعيدها لجمهورية "مهاتما غاندي" التعددية، ومن ثم وضع نهاية لحلم رئيس الوزراء المنتهية ولايته ناريندرا مودي بالفاشية المطلقة.

الانتخابات المكونة من 7 مراحل وتستمر 44 يوما ويشارك فيها نحو مليار ناخب، تأتي وسط مخاوف من فوز المتطرفين الهندوس مجددا بعد 10 سنوات في الحكم. ومن ثم حصولهم على تفويض بمزيد من "هندسة" الهند واضطهاد الأقليات خاصة المسلمين.

"مودي" المتطرف يسعى للفوز بـ 370 مقعدًا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 543 مقعدا، ارتفاعا من 303 مقاعد فاز بها حزبه عام 2019، على أمل الحصول على أغلبية الثلثين، وتحقيق أجندته الهندوسية بأريحية.

ويخشى محللون أن تسمح هذه النسبة لو فاز بها حزبه بإدخال تغييرات دستورية بعيدة المدى ترسخ الفكر الهندوسي المتطرف، وتعزز خطته لبناء "أمة هندوسية خالصة" خالية من المسلمين وحتى المسيحيين. بيد أن آخرين رأوا أن تحقيق ذلك الهدف صعب.

وجرت المرحلة الثانية من المراحل السابعة يوم 26 أبريل، وسط تصاعد العداء الهندوسي للمسلمين والضرب على وتر "الأمة الهندوسية"، وستُعلن نتائج الانتخابات في 4 يونيو/ حزيران 2024.

أهمية الانتخابات 

أهمية الانتخابات هذه المرة أنها ستحسم مصير الهند في ظل سيطرة الحزب الهندوسي المتطرف على السلطة وسعيه لترسيخ خطة "أمة هندوسية خالصة".

وهو ما يعني مزيدا من الاضطهاد للأقليات خاصة المسلمين الذين يقدرون بـ 200 مليون هندي وأيضا المسيحيين الذين يبلغ عددهم 27 مليونا وبدأت تقع هجمات على كنائسهم.

حيث يجري التصويت بين حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي، في مواجهة تحالف يضم 26 حزبا معارضا يعد باستعادة الديمقراطية والتنوع وإنقاذ المؤسسات الديمقراطية من التطرف الهندوسي، بحسب وكالة “رويترز”.

وتقول صحيفة "الغارديان" إن مودي يحدد هدفا طموحا للغاية أكبر بالحصول على 400 مقعد لحزبه وحلفائه من أصل 543 مقعدا في مجلس النواب بالبرلمان، ربما لتحفيز أنصاره.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته قناة TV-CNX الهندية ونشرته في 17 أبريل، أن "هذا قد لا يكون حلما بعيد المنال".

حيث زعمت هذه القناة الداعمة للهندوس، أن "الائتلاف الذي يقوده مودي يمكن أن يفوز بـ 393 مقعدًا من أصل 543، وهو ما سيكون بمثابة انتصار مذهل"، وفق قولها.

وتوقعت خسارة حزب المؤتمر (ضمن ائتلاف من 26 حزبا) وحصوله على 40 مقعدا فقط متراجعا عما حصل عليه في آخر انتخابات عام 2019 وهو 52 مقعدا.

ويوم 17 يوليو/تموز 2023 اجتمع 26 حزبا هنديا في مدينة "بنغالور" عاصمة ولاية كارناتاكا لمناقشة خطط تشكيل جبهة موحدة ضد "حزب بهاراتيا جاناتا المستبد"، بحسب موقع "سكرول" الهندي، الذي تساءل: "هل يمكن لوحدة المعارضة أن تهزم مودي؟".

وقال زعماء هذا التحالف المعارض الموحدة إن هدفهم إعادة الهند إلى تعدديتها العرقية والدينية في مواجهة هوس الحزب الحاكم المتطرف الساعي إلى هند "هندوسية خالصة"

قالوا في وثيقة التحالف إنهم "اجتمعوا معًا لهزيمة الكراهية والعنف اللذين يتم تصنيعهما ضد الأقليات" في ظل السياسة القومية الهندوسية لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا.

ويتهم مسلمون ومعارضون حكومة مودي وحزبه بمعاملة الأقلية المسلمة في الهند بشكل معادٍ وغير عادل لإرضاء قاعدتهم الهندوسية المتشددة، والتركيز على "القومية الهندوسية" كموضوع رئيس في الانتخابات.

ويخشون تدمير الهندوس ما تبقى من التراث الإسلامي والمساجد التاريخية، خاصة بعد قيام مودي بتكريس معبد كبير (رام) في يناير 2024 في ولاية أوتار براديش على أنقاض مسجد "أيوديا" الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر.

"جهاد التصويت"

حرص رئيس الوزراء الهندوسي المتطرف على اتباع أجندة تحريضية ضد المسلمين بصورة مبالغ فيها كي يضمن تصويت غالبية الهندوس له (80 بالمئة من الهنود هندوس)، وهي نفس الأجندة التي يركز عليها حزبه.

وتشير تقارير أجنبية إلى أن "مودي" تحول منذ بدء الانتخابات، إلى العداء الجنوني ضد المسلمين، واللعب على ورقة "شيطنة المسلمين" الذين يبدو أنه مقتنع أنه لن تقوم لحزبه قائمة ويفوز بالانتخابات إلا بتخويف الهندوس منهم.

ظل يردد نظرية المؤامرة عن المسلمين، ويدعي أنهم يُوقعون الفتيات الهندوسيات في الحب لتحويلهن إلى الإسلام بالزواج، وأنهم يشترون أكبر قدر من الأراضي ليستولوا على الهند.

ولأن معركته الانتخابية مع "اتحاد المعارضة" الذي يقوده "حزب المؤتمر"، فقد اتهمهم بأنهم يدفعون المسلمين لـ "جهاد التصويت".

فعلى غرار حملة حزب "بهاراتيا جاناتا" المتطرف ضد المسلمين التي سُميت "جهاد الحب" والتي تزعم أن المسلمين يركزون على الزواج من هندوسيات بدعوى الحب ليحولهن للإسلام، زعم مودي أن هناك "جهاد التصويت" في الانتخابات، أي حشد المسلمين للتصويت ضده.

مودي كتب زاعما عبر منصة “إكس”، أن المسلمين يستخدمون "جهاد التصويت"، أي يحشدون ضده وضد حزبه المتطرف.

ولكي يسخن ويحرض أتباعه قال لهم: هل تعرفون معنى الجهاد؟ هل تعرفون ما الذي يعنيه الجهاد؟.

ولم ينس "مودي" اتهام "حزب المؤتمر"، منافسه الرئيس، بأنه يحشد المسلمين بـ "جهاد التصويت" أو "التصويت للجهاد" حسبما زعم.

قال لناخبيه: "أنتم تعلمون من هو بنك الأصوات المفضل لدى حزب المؤتمر"، في إشارة مستترة إلى المسلمين.

وفي اليوم نفسه، قال وزير الإعلام في حزب بهاراتيا جاناتا، أنوراغ ثاكور، أمام تجمع آخر، إن حزب المؤتمر “يريد إعطاء ممتلكات أطفالكم للمسلمين”.

وكانت آخر أساليب "مودي" لشيطنة المسلمين، بعد أن وصفهم بـ "المتسللين وكثيري الإنجاب"، واتهم المعارضة بأنها ستنهب مجوهرات نساء الهندوس وتوزع ثمنها على المسلمين، هي اتهام الأحزاب المنافسة له بسلب حقوق "طبقة المنبوذين" وإعطائها للمسلمين!.

وفي 14 أبريل 2024، زعم مودي، خلال تجمع انتخابي في مدينة "راجستان"، إن حكومة الإقليم السابقة التي كان يقودها زعيم حزب المؤتمر مانموهان سينغ كانت ترى أن “للمسلمين الأحقية في ثروات الأمة”.

ووصف المسلمين بأنهم "متسللون"، وزعم أنه في حال فاز حزب المؤتمر فإن الثروات "ستُوزع على من لديهم العدد الأكبر من الأولاد .. ستُوزّع على المتسللين (يقصد المسلمين الذين يزعم الهندوس أنهم متسللون من بلدان أخرى لبلادهم)"!

وخاطب رئيس الوزراء، الهندوس قائلا: "هل تعتقدون أن أموالكم التي جنيتموها بشق الأنفس يجب أن تُعطى لمتسللين (مسلمين)؟ هل تقبلون بذلك؟".

ودفع هذا حزب المؤتمر إلى تقديم شكوى إلى اللجنة الانتخابية، متهما رئيس الوزراء بـ "استهداف صارخ" للأقلية المسلمة في البلاد خلال خطاب انتخابي، وتنطوي على "انتهاكات صارخة ومباشرة لقوانين انتخابية".

وقال زعيم حزب المؤتمر، أبهيشيك مانو سينغفي، إن تصريحات مودي تخرق بنود القانون التي تحظر على المرشحين مطالبة المواطنين بالتصويت أو الامتناع عن التصويت لأي شخص على أساس "الدين" أو "الجماعة" الاجتماعية أو "الرموز الدينية"، بحسب رويترز.

وتحظر الهند خطاب الكراهية بموجب عدة أقسام من قانون العقوبات، بما في ذلك القسم الذي يجرم "الأفعال المتعمدة والخبيثة" التي تهدف إلى إهانة المعتقدات الدينية، لكن قادة الهندوس ينجون من ذلك بفضل قضاة متواطئين.

وخلال حكم "مودي" تم تعيين القوميين الهندوس في مناصب عليا في المؤسسات الحكومية الرئيسة، مما يمنحهم القدرة على إجراء تغييرات شاملة على التشريعات التي تقول جماعات حقوق الإنسان إنها تستهدف المسلمين.

كما تمت إعادة كتابة الكتب المدرسية للتقليل من أهمية تاريخ الحكام المسلمين القدماء في الهند، وأعيدت تسمية المدن والشوارع.

وفي عام 2019، ألغى مودي الحكم الذاتي الخاص لجامو وكشمير ــ الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند ووضعها تحت السيطرة المباشرة لنيودلهي. 

وفي العام نفسه، أصدرت إدارته قانون الجنسية المثير للجدل الذي يستثني المهاجرين المسلمين، مما أدى إلى أعمال شغب مميتة، وعادت في عام 2024 لإحيائه مرة أخري بوصفه وعدا انتخابيا.

وقد أظهر تقرير صادر عن "مختبر الكراهية الهندي" ومقره واشنطن، في 25 فبراير/شباط 2024 أن الخطاب المعادي للمسلمين ارتفع بشكل كبير. حيث تم توثيق 668 حالة عنف واعتداء ضدهم خلال عام 2023 فقط.

رصد إعلامي للفاشية

خلال مسعاه لتحقيق ولاية ثالثة تاريخية، شن مودي وقادة من حزبه هجمات لاذعة على المسلمين، وصعد خطابه "التحريضي" ضدهم وسعى لاستغلال الانقسامات الدينية، حسبما ذكرت صحيفة "الغارديان" في 26 أبريل 2024.

نقلت عن محللين وخبراء أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، "رفع من وتيرة خطابه المعادي للأقلية المسلمة" التي تشكل نحو 14 بالمئة من سكان البلاد، وذلك بغية الحصول على المزيد من المقاعد لحزبه في البرلمان المقبل.

و"منذ وصوله إلى السلطة في عام 2014، فرض ناريندرا مودي وحزبه السياسي رؤية للهند غارقة في القومية الهندوسية"، حسبما تقول صحيفة "لاكروا" الفرنسية في 26 أبريل 2024.

أوضحت أن "مودي" حرص على ذلك في سياسته حين وعد بـ "عصر جديد" للهند عندما افتتح معبدا هندوسيا في يناير 2024، فوق أنقاض مسجد "بابري" الذي هدمه الهندوس عام 2019، ووضع شعارات هندوسية عليه.

ونقلت "فاينانشيال تايمز" البريطانية في 29 أبريل 2024 عن المحلل المسلم "عاصم علي" قوله: "لا أعتقد أنني رأيت رئيس وزراء (مودي) يتحدث بمثل هذا الخطاب التحريضي".

أكد أن مودي "يحاول تنشيط عقيدة هندوتفا (القومية الهندوسية)"، وهو ما يزيد من حدة الاستقطاب الديني في الانتخابات.

وتقول وكالة "اسوشيتدبرس" إنه بعد أن قضى "مودي" 10 سنوات في الحكم منذ فوز حزبه بتشكيل الحكومة عام 2014، أصبحت "القومية الهندوسية" سائدة بعدما كانت ذات يوم "هامشية" في الأيديولوجية الهندية.

أوضحت في 19 أبريل أن فلسفته السياسية وطموحاته جاءت بفعل انضمامه لأكثر جماعة هندوسية يمينية متطرفة شبه عسكرية تأسست أواخر الستينيات من القرن الماضي، وهي منظمة "راشتريا سوايامسيفاك سانغ" أو RSS.

نقلت عن "أمبالال كوشتي" (76 عاما)، وهو عضو في هذه المنظمة المتطرفة أنه كان هو أول من ضم "مودي" إلى الجناح السياسي للمنظمة في أواخر الستينيات في ولايتهم جوجارات حيث تعلم القتال وحماية الوطن الهندوسي.

وفي أربعينيات القرن العشرين، عقب استقلال الهند، وبينما كان المهاتما غاندي يدعو إلى الوحدة بين الهندوس والمسلمين، دعت منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ إلى تحويل الهند -بالقوة، إذا لزم الأمر-إلى "أمة هندوسية".

وأطلق أحد أعضاء هذه المنظمة RSS ثلاث رصاصات على صدر غاندي في عام 1948، فقتله بعد أشهر من حصول الهند على استقلالها. وقد انبثق حزب بهاراتيا جاناتا، الحاكم حاليا، عن هذه المنظمة الهندوسية المتطرفة.

لهذا تحذر شبكة "سي إن إن" الأميركية مطلع مايو/أيار 2024 من أن "تصاعد القومية الهندوسية يترك المسلمين خائفين".

ونقلت عن "أميت باندي"، الأمين العام لجناح الشباب في حزب بهاراتيا جاناتا في فاراناسي، زعمه أن “الهند أمة هندوسية”، وجميع الهنود في البلاد “تحولوا قسراً إلى عبيد (مسلمين) عن طريق تغيير دينهم”، منذ قرون مضت.

 

وقال بعض مسلمي فاراناسي لـ "CNN": "سيحدث الأسوأ إذا أعيد انتخاب مودي".

حيث قام أنصاره بالعديد من أعمال العنف ضد مساجد ومنازل وممتلكات المسلمين، وبدأت الشرطة تركل المسلمين وهم يصلون الجمعة على جانب الطريق في نيودلهي، وجماعته المتطرف تستهدف تاريخ ومساجد المسلمين.