لماذا رفض عراقيون استقطاع نسبة من رواتبهم دعما لغزة ولبنان؟

يوسف العلي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

في قرار أشعل موجة من الجدل في العراق، صوّت مجلس الوزراء على استقطاع واحد بالمئة من رواتب الموظفين والمتقاعدين تحت عنوان "التبرع الطوعي إلى لبنان وغزة"، مع تخويل رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بتوزيعها إما بالتساوي أو وفق الأولويات.

وجاء في قرار الحكومة المتخذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، ما نصه: "الاستقطاع الطوعي البالغ نسبته 1 بالمئة من الراتب والمخصصات للموظفين، والراتب التقاعدي، لمدة 6 أشهر فقط، ابتداء من تاريخ 1 ديسمبر/ كانون الأول 2024، وذلك لدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني".

وتابع: "في حال عدم رغبة الموظف أو المتقاعد من التبرع فيتقدم بطلب رسمي إلى الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة يبين فيه عدم رغبته في التبرع ليقوم الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة بالإيعاز لرفع اسمه من قوائم المتبرعين". 

"قرار تعسفي"

ما صوت عليه مجلس الوزراء واجه اعتراضات من معظم القوى السياسية في البرلمان، حتى رأى بعضهم أن "المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا"؛ كونه لم يتح الحرية للعراقيين في التصرف باستحقاقهم المالي، وإنما اقتطعت أموالهم قسرا رغما عنهم.

وقال النائب عن "تحالف العزم" (السني)، رعد الدهلكي، إنه "لا يخفى على الجميع أن العراقيين أهل كرم ونخوة وفزعة، خصوصا إذا تعلق الأمر بغزة ولبنان وباقي الدول العربية، وكانت مواقفهم واضحة في جمع التبرعات عبر الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني".

وأضاف الدهلكي خلال مداخلة بجلسة البرلمان في 26 نوفمبر، قائلا: "لكن قرار مجلس الوزراء غير صحيح باستقطاع واحد بالمئة من رواتب الموظفين والمتقاعدين، وإبلاغ وزارة المالية بأنها تستقطع، وإذا لا يرغب الموظف بذلك فعليه تقديم طلب".

وتابع: "الكثير من العراقيين يأخذهم الحياء في تقديم طلب يرفض فيه التبرع، وبالتالي المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا، لذلك فإن هذا القرار يجب أن يتم بطريقة إبلاغ الموظف إذا كان يرغب بالتبرع، حينها يستقطع منه".

ورأى الدهلكي أن "ما جاء من الحكومة بصيغته الحالية هو قرار تعسفي بحق الموظفين، لذلك نطالب رئاسة البرلمان بمفاتحة مجلس الوزراء لإعطاء الحرية للموظف وليس إجباره، خصوصا المتقاعدين منهم الذين بالأساس لا يكفيهم مرتبهم".

وشدد على أن "العراقيين كرماء وإذا أعطوا الحرية ربما يتبرعون بكامل راتبهم".

وفي السياق ذاته، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ماجد شنكالي، خلال مقابلة تلفزيونية في 26 نوفمبر، إن "صيغة القرار غير صحيحة إداريا بالمطلق، لأن التبرع الطوعي يعني أنك توجه كتابا إلى كل مؤسسات الدولة لمن يرغب في التبرع يقدم اسمه حتى يتم الاقتطاع من راتبه".

وأردف: “لكن أن يجرى اقتطاع الراتب مباشرة من وزارة المالية ثم نقول للموظف عليك تقديم طلب إذا لكم تكن ترغب بالتبرع.. فكيف سيكون هذا تبرعا طوعيا واختياريا؟”

وذكر النائب أن "مجموع رواتب الموظفين والمتقاعدين تبلغ نحو 80 تريليون دينار عراقي سنويا لو استقطعنا 1 بالمئة معناها أكثر من 800 مليار دينار بمعنى أكثر من 600 مليون دولار بالسنة".

وعلى الوتيرة ذاتها، قال النائب عن الإطار التنسيقي (الشيعي) علي مشكور، أثناء مقابلة تلفزيونية، إنه "ضد القرار جملة وتفصيلا، لأن الموظف لا يتحمل أن يُسْتَقطع منه مبلغ بقرار حكومي".

وأضاف أن "من أراد التبرع فإنه تبرع من زمان وليس الآن، وأرسل جميعنا مساعدات إلى بيروت وغزة، ولم نحتج إلى قرار حكومي، وإنما تصرفنا بكل إنسانية وبقرار طوعي، وعليه فإن ما جاءت به الحكومة لم يكن قرارا صائبا".

وبرأي المشكور، فإن القرار "يمس قوت المواطن، وأنه ليس صحيحا أن تتدخل الحكومة وتفرض التبرع بشكل إجباري، فلماذا تحول ما تريد فعله من حسنة إلى نقمة؟ لأن ليس كل الناس تريد إعطاء تبرعات، لكن هناك الكثير يتبرع بدوافع إنسانية ودينية وقومية".

"غزة للتورية"

وبخصوص أسباب غضب عراقيين من الاستقطاع، قال الموظف في وزارة التربية العراقية، سنان الواصفي، إن "ما تقوم به الحكومة هو أسلوب عتيق كان يعمد إليه النظام السابق (برئاسة صدام حسين) في جمع التبرعات لمشاريع حكومية أو حروب".

وأضاف الواصفي لـ"الاستقلال" أن "الحكومة الحالية تتبع ذات الأسلوب الذي يفترض أن العراق تحرر منه، لكن هي تسعى إلى بناء سمعة خارجية على حساب العراقيين، خصوصا أصحاب الدخل المحدود، لكن المبالغ الكبيرة هذه لا نتوقع أن تذهب كلها إلى دعم الشعوب سواء في لبنان أو غزة".

وأشار إلى أن "غالبية الموظفين في المؤسسة التي انتسب إليها لا يريدون التبرع، وأنهم يترددون في طلب إعفائهم من ذلك خشية اتهامهم بأنهم يعادون المقاومة في لبنان، أو شيئا من هذا القبيل".

ولفت الواصفي إلى أن "الحكومة ليست جديرة بالثقة في إيصال الأموال التي ستقتطعها قسرا من الرواتب، وربما تمول بها حزب الله اللبناني حتى يعمّر بها ما افتقده خلال الحرب، ولن يذهب شيء منها إلى غزة".

وأردف: "لكن إذا اقتطع الراتب رغما عنا، فإني أحتسب ذلك في سبيل الله ودعما لإخواننا المسلمين في قطاع غزة الذين يبادون بشكل مستمر، وهم محاصرون وفي أمسّ الحاجة لكل ما يجعلهم أحياء".

من جهته، وصف الإعلامي العراقي، عمر الجنابي، قرار الحكومة العراقية باستقطاع نسبة من الرواتب بأنها عملية "نصب واحتيال، وسرقة علنية من مرتبات الموظفين والمتقاعدين"، حسبما ذكر في تدوينة نشرها على منصة "إكس" في 25 نوفمبر.

وأوضح الجنابي أن "السوداني (رئيس الحكومة) يدعم حزب الله وإيران بكل الأساليب، حتى عبر إكراه المواطنين على الدفع بمبالغ طائلة".

وتابع: "في العراق، يوجد أكثر من خمسة ملايين موظف، ولو تم استقطاع دولارين من كل موظف شهريا، فهذا يعني تمويل أجنحة إيران المسلحة بعشرة ملايين دولار شهريا، رغما عن أنف الشعب العراقي".

وتساءل الجنابي قائلا: “كيف يمكن لمتقاعد أو موظف بسيط تقديم طلب إعفاء إلى الوزير؟ وكيف يمكنه الوصول إلى الوزير؟ ومن الذي يُعفيه من محاسبة مليشيا الوزير والحكومة؟”

وعلى النسق ذاته، كتب الإعلامي العراقي، عثمان المختار على منصة "إكس" في 26 نوفمبر، قائلا: "فرضت حكومة السوداني قطع 1 بالمئة من مرتبات الموظفين والمتقاعدين العراقيين لصالح مليشيا حزب الله اللبنانية مع إضافة عبارة (غزة) لأغراض التورية طبعا".

وتابع: "شهريا تبلغ قيمة المرتبات للموظفين والمتقاعدين بالعراق أكثر من 4 مليارات دولار ولك أن تحتسب قيمة ما سيتم تقديمه".

في المقابل، يضيف المختار، أن "هناك أكثر من 252 ألف منزل للعراقيين السّنة مدمرة شمال وغرب البلاد، وينتظرون منذ سنوات تعويضات مُستحقة لهم وتُماطل الحكومة بها".

وخلص المختار إلى أن "العقل الطائفي الذي يرى جنوب لبنان على بُعد 1200 كيلو متر ولا يرى مدينة بيجي أو الموصل المنكوبة مثلا".

"عبء إضافي"

على صعيد آخر، رأى الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد، أن "الموظف متعاقد مع الدولة بمقدار راتب مقابل تقديم خدمة أو عمل وظيفي، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال التجاوز على رواتب الموظفين ما لم تكن هناك موافقة شاملة من قبل الموظف نفسه".

ونقلت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 27 نوفمبر، عن عيد قوله "رغم أن هذا القرار يحمل أبعادا إنسانية، إلا أنه تجاهل مراعاة تداعياته الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين في سبيل التوازن بين دعم القضايا الخارجية ومعالجة التحديات المحلية".

وبين عيد أن "هذا القرار يحمل آثارا اجتماعية واقتصادية متعددة، على الصعيد الاجتماعي مثلا، يعزز هذا القرار مفهوم التضامن الإنساني بين الشعوب، إذ يبرز دور العراق في دعم قضايا إنسانية، وقد يرى الموظف أن المستفيد الوحيد من هذا القرار هو حزب الله لتغطية نفقاته العسكرية والتسليحية".

وشدد على ضرورة الإشارة إلى "هذا القرار أثار انقساما بين المواطنين، وقد يشعر معظمهم بأنه عبء إضافي على شريحة تعاني بالفعل من ظروف معيشية صعبة كانت تنتظر بفارغ الصبر التفاتة الدولة لرفع مستويات رواتبهم في ظل الواقع المعيشي المتدهور لفئة كبيرة من موظفي الوزارات العراقية".

وأكد عيد أن "العراق يواجه تحديات في تحقيق التوازن المالي بسبب الاعتماد المفرط على عائدات النفط وتراجع نمو القطاع غير النفطي، لذا، أي استقطاع إضافي قد يزيد من الضغوط الاقتصادية على الأفراد، ويؤدي إلى انتقادات بشأن أولويات الإنفاق الحكومي، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد المحلي إلى استثمارات تعزز الإنتاجية وفرص العمل".

من الناحية القانونية، رأى الخبير القانوني العراقي، طاهر الطائي، أن استقطاع الرواتب بهذا الشكل يمثل مخالفة دستورية وقانونية رغم محاولة الحكومة تقنين تلك المخالفة عبر إضافة كلمة "تطوعيا".

ونقلت شبكة "الساعة" العراقية عن الطائي في 29 نوفمبر، قوله إن "المادة 28 من الدستور نصت على أنه (لا يمكن فرض أي ضرائب أو رسوم إلا بموجب قانون بينما الاستقطاع لم يكن عبر قانون وإنما بقرار من مجلس الوزراء)".

وأضاف الخبير القانوني، أن "الحكومة ومن أجل تلافي حقيقة القرار وهي الاستقطاع الإجباري وكونه مخالفة دستورية أضافت عبارة تطوعية، إذ قالت إن على الرافض تقديم طلب إعفائه من الاستقطاع".

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تلجأ الحكومة العراقية إلى استقطاع نسبة من رواتب الموظفين، في مرحلة ما بعد عام 2003، إذ سبق أن طبقت القرار وأخذت بالأموال إلى قوات الحشد الشعبي، مع إضافة عبارة مساعدة النازحين كما تفعل اليوم مع "غزة".

وفي عام 2016، قررت الحكومة اقتطاع 4.8 بالمئة من مجموع الرواتب والمخصصات لجميع موظفي الدولة والقطاع العام والمتقاعدين، تذهب 60 بالمئة منها إلى دعم “الحشد الشعبي”، بينما يذهب الـ40 بالمئة الأخرى إلى النازحين الفارين من المعارك ضد تنظيم الدولة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أعلنت الحكومة أنها أقرت الموازنة المالية 2016 بمجموع نفقات بلغ 106 تريليونات دينار مقابل إيرادات تقدر بـ83 تريليون دينار، بما يجعل قيمة عجز الموازنة في حينها تصل إلى 23 تريليون دينار (20 مليار دولار).

وبعدها بعام، وتحديدا في موازنة 2017، صوّت البرلمان على خفض نسبة استقطاع رواتب الموظفين والقطاع العام والمتقاعدين من 4.8 بالمئة إلى 3.8 بالمئة، ثم انتهت الاستقطاعات عام 2019.