جعلها في "وضع أفضل".. كيف تستفيد إسرائيل سياسيا من الهجوم الإيراني؟

إسماعيل يوسف | منذ ١٥ يومًا

12

طباعة

مشاركة

كان لافتا أن تؤكد صحف عبرية عقب الرد الإيراني بمئات المسيرات والصواريخ ضد إسرائيل في 13 أبريل/ نيسان 2024، أن دولة الاحتلال "خرجت منتصرة" من الهجوم، وأن يدعو بعض محلليها السياسيين حكومتها لعدم الرد للحفاظ على هذه المكاسب.

الرئيس الأميركي جو بايدن طالب أيضا حكومة الحرب الإسرائيلية بعدم الرد على الهجوم الإيراني رغم خطورته الشكلية كأول هجوم خارجي على الكيان من دولة أخرى، منذ إطلاق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين 38 صاروخ "سكود" على إسرائيل عام 1981.

وردت طهران بالطائرات المسيرة والصواريخ على خلفية تعرض القسم القنصلي في سفارتها بدمشق مطلع أبريل 2024، لهجوم صاروخي إسرائيلي، أسفر عن مقتل 7 من “الحرس الثوري”.

قواعد معروفة

ورغم تهديد مسؤولين إسرائيليين بالرد على الهجوم الإيراني، وتخويل "مجلس الحرب" ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت والوزير بيني غانتس، باتخاذ القرارات، يسود اعتقاد كبير أن تل أبيب “لن ترد عسكريا”.

ولكن دعائيا ودبلوماسيا ستستغل حكومة نتنياهو الهجوم الإيراني الكبير للخروج من مستنقع 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي أغرقتها فيه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والعودة للتركيز على "المظلومية" وأنها "الضحية".

ويرى محللون أن نتائج الضربة الإيرانية لم تؤد لمسح إسرائيل كما كانت تتوعد طهران، واقتصرت على خسائر طفيفة في قاعدة عسكرية. 

وأكدوا أن نتائج الضربة تشير إلى أنه لا يزال كلا النظامين يعملان (مثل حزب الله اللبناني) وفق "قواعد اشتباك معروفة حدودها مسبقا"، ما يعني أن إسرائيل خرجت منتصرة رغم القصف الشديد بـ350 صاروخا وطائرة مسيرة، واكتفت طهران بـ"حفظ ماء الوجه".

المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، رأى أن صد الهجوم الإيراني "إنجاز وانتصار إسرائيلي كبير".

ودعا هارئيل عبر مقاله المنشور في 14 أبريل، حكومة نتنياهو ضمنا لعدم الانتقام باعتقاد أن نتائج الهجوم لصالح إسرائيل، بينما لو ردت ستخاطر بـ"حرب إقليمية شاملة" وتداعي كل أطراف المقاومة ضدها.

ردود الأفعال الأميركية ركزت أيضا على إبلاغ إسرائيل أنها "انتصرت"، وإيران خسرت ما أطلقته من صواريخ وطائرات مسيرة، ولذا فإن واشنطن لن تشارك في قصف إيران، وعلى تل أبيب أن تحذو حذوها.

موقع "أكسيوس" الأميركي نقل في 14 أبريل عن مسؤول في البيت الأبيض، قوله إن "بايدن أخبر نتنياهو: لقد فزت، أظفر بالفوز".

ومن هذا المنطلق، قال له بايدن إن "الولايات المتحدة لن تدعم وستعارض أي هجوم إسرائيلي مضاد على إيران"، وفق المسؤول الأميركي.

وأبلغه أن “جهود واشنطن وإسرائيل ودول أخرى أفشلت هجوم إيران، وبالتالي لا داعي للرد لأنه لم يتسبب في خسائر”.

ووفقا لموقع "أكسيوس"، فإن بايدن وكبار مستشاريه قلقون بشكل بالغ من أن رد إسرائيل قد يؤدي إلى حرب إقليمية.

ومع هذا، تعهدت إسرائيل بـ"النصر" عقب الرد الإيراني، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية في 14 أبريل، وقالت إن "الحملة لم تنته بعد".

وردت إيران بتحذير إسرائيل والولايات المتحدة من "رد أكبر بكثير" إذا حدث أي رد على هجومها الجماعي.

أهم مكسب

واحدة من أهم الإشكالات الإستراتيجية التي واجهت إسرائيل في عدوانها المستمر منذ أكتوبر 2023 على غزة، هي تدهور صورتها الذهنية عالميا، وظهورها بمظهر "نازي" يقوم بإبادة جماعية، دفعت بها للمحاكم الدولية وأدت لخسارتها تحالفات عديدة.

هذه الإشكالية حولتها من كونها "دولة مضطهدة" مهددة من جيرانها تمارس "حق الدفاع عن النفس"، إلى ظهور حقيقتها، كونها كيانا مارقا ملاحقا دوليا، يمارس جريمة الإبادة الجماعية، بحسب محللين.

بعبارة أخرى، تخففت إسرائيل من الضغط وعززت "مظلوميتها" واستعادت إمدادات الأسلحة الأميركية والغربية لها بعدما كادت تتوقف بفعل الضغوط الناتجة عن إبادة غزة.

لذا يتوقع أن تسعى إسرائيل لإعادة إنتاج "حرب الصورة" التي أفشلتها جرائمها في غزة، وإنتاج صورة مضللة أخرى لها ككيان "مضطهد" بما يسمح لها بالاستمرار في القتل والإبادة في غزة وفرض أمر واقع في الحرم القدسي بلا مساءلة دولية.

من هنا جاء مشهد الضربة الإيرانية (المدار أميركيا مسبقا في كل تفاصيله)، وفي هذا التوقيت والسياق تحديدا، ليحقق في محصلته النهائية مصلحة إستراتيجية إسرائيلية متمثلة في إعادتها لمربع "الكيان المعتدى عليه والمهدد من محيطه".

وأيضا محاولة إسرائيل وآلة الدعاية الغربية إعادة الصورة السابقة (عقب عملية طوفان الأقصى وقبل إبادة غزة)، وهي أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وأنها "كيان معتدى عليه ومُهدد"، ويحتاج الدعم لا النبذ.

وأشار إلى هذا المحلل العسكري رون بن يشاري، بقوله إن "إسرائيل حصلت على فرصة لاستعادة شرعيتها السياسية على الساحة الدولية التي تلاشت طوال الحرب على غزة"، بعد الهجوم الإيراني.

وأفاد لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 14 أبريل 2024 بأن "إسرائيل هزمت، مع الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، العملية الجوية الإيرانية الواسعة".

ولهذا السبب قبل نتنياهو وحكومته، المعروف تطرفهم وتطرف خياراتهم، فكرة استقبال ضربة إيرانية، وجرى تمريرها بالتنسيق مع أميركا وحلفاء (أصدقاء) إقليميين قبلوا مرور الصواريخ فوق أجوائهم.

مكاسب أخرى

ويشكل الرد الإيراني على إسرائيل فرصة للأخيرة لجني عدة مكاسب أخرى، شرط عدم ردها على الضربة، ومنها ترميم تحالفها مع أميركا، وتوحيد الإسرائيليين المتصارعين في الداخل، بجانب ترميم صورتها التي شوهتها جرائمها في غزة، وفق محللين.

فمن وجهة نظر المحللين الإسرائيليين، أظهرت الضربة الإيرانية التزام أميركا الصارم والعملي بالدفاع عن إسرائيل، وأن طهران لن تقوم بضرب إسرائيل بسبب فلسطين ولا غيرها، ولكن إذا تعرضت هي فقط للاعتداء.

ومن وجهة نظرهم أيضا، ستعيد الضربة الإيرانية اللحمة نسبيا للمجتمع الإسرائيلي في مواجهة التهديدات المستمرة بما سيقلل من الاحتجاجات ضد نتنياهو.

وتقول السفيرة الأميركية السابقة، جينا أبركرومبي وينستانلي، في تحليل نشره موقع "أتلانتيك كونسل" في 13 أبريل، إن نتنياهو "فاز بثلاثة أشياء كان في أمس الحاجة إليها".

أولها، أن الضربة الإيرانية سحبت قضية غزة للوراء بعيدا عن الأنظار، ويمكنه بالتالي أن يزيد الضغوط واستكمال العدوان بعنف.

كما ستحول هذه الضربة الأنظار عن المعاناة الفلسطينية التي سيتراجع التركيز الإعلامي العالمي عنها.

ثانيا، أن موقف وخطاب بايدن أعاد "الدعم القوي" لإسرائيل، تحت قيادته، وهو مكسب لنتنياهو الذي كاد أن يفقد الدعم الأميركي واتهمته المعارضة بأنه يضر بعلاقات واشنطن وتل أبيب وسيقضي عليها.

ونزع نتنياهو بذلك سلاحا من أيدي خصومه السياسيين الذين اتهموه بإضعاف العلاقات الثنائية مع واشنطن، وقد يتعزز هذا برغبته في المخاطرة بنشوب صراع إقليمي على مستوى المنطقة وجر الولايات المتحدة إليه، ويتحقق له ذلك.

أما المكسب الثالث لنتنياهو فهو أنه "ربما يكون قد نجح في إعادة توحيد الإسرائيليين مرة أخرى في مواجهة الخطر، وهو ما سيساعد على إبقائه في السلطة".

الحلفاء العرب

من مكاسب إسرائيل، التي لم تكن تحلم بها من هذه الضربة الإيرانية، ظهور وتفعيل تحالفات عسكرية بينها وبين دول عربية، ظهر دورها في صد الصواريخ الإيرانية خاصة الأردن، والتحريض ضد طهران واتهامها بالتسبب في حرب إقليمية.

وشاركت دول عربية أبرزها الأردن في التصدي للرد الإيراني على إسرائيل وإسقاط صواريخها وتوهجت سماء الأردن بالمضادات وإسقاط المسيرات وظهر حطام بعض هذه الصواريخ في الأردن، ما دعا طهران لتهديد عمان.

وقبل الضربة الإيرانية، أكد مراسل قناة "كان" العبرية، إيتاي بلومنتال، أن "التحالف الإقليمي بقواعده في السعودية والعراق والأردن سيعترضون أي تهديد خارج المجال الجوي الإسرائيلي".

وقالت هيئة الإذاعة الإسرائيلية العامة إن دولا عربية أعربت عن استعدادها لإسقاط المسيرات الإيرانية التي تعبر أراضيها.

ونقلت قناة "كان" العبرية عن مصدر إسرائيلي قوله إن العديد من الدول العربية "الصديقة" أرسلت رسائل مفادها أنها مستعدة لإسقاط الطائرات دون طيار والصواريخ الإيرانية التي تطلق على إسرائيل. 

وادعى الجيش الإسرائيلي أن معظم هذه الصواريخ اعترضتها أنظمة الدفاع الجوي التابعة له ولدول "شريكة إستراتيجية" (لم يسمها) قبل وصولها.

وفي مصر لم يعرف هل شارك نظام عبد الفتاح السيسي في صد مسيرات وصواريخ إيرانية، لكن نشطاء بثوا صورا لمرور مسيّرات فوق مدينة رأس سدر قرب سيناء.

وقبل الضربة الإيرانية، قال مصدر أمني للإعلام المصري إن "خلية أزمة من الأجهزة والمؤسسات المعنية كافة تتابع عن كثب تطورات الأوضاع بالمنطقة وترفع تقاريرها للسيسي على مدار الساعة".

وحذرت خارجية النظام المصري في بيان من "خطر التوسع الإقليمي للنزاع" ودعت "إلى أقصى درجات ضبط النفس" وأكدت "الاتصال المباشر مع جميع أطراف النزاع لمحاولة احتواء الوضع".

فيما قال نشطاء عن أسباب اعتراض دول عربية المسيّرات بالنيابة عن الاحتلال، أن ما جرى يكشف عن اتفاقات ظلت سرية لعقود بين دول عربية والاحتلال.

وأشاروا إلى اتفاقات الدفاع المشترك، والتي تحكمها السرية بناء على طلب دول عربية، و"تحدث عنها نتنياهو باستفاضة في مذكراته".

ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين أمنيين أردنيين: "دفاعاتنا الجوية مستعدة لاعتراض وإسقاط أي مسيّرات أو طائرات إيرانية تنتهك مجالنا الجوي".

وقام نظام الدفاع الجوي الأردني بمساعدة الاحتلال والأميركان، بعمليات الإسقاط في سماء العاصمة ثم سماء مدينة إربد شمالا، وكذلك العقبة والكرك جنوبا.

واتخذت الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين والعرب خطوة غير مسبوقة بالدفاع المباشر عن إسرائيل.

لكن هذا الدعم من أنظمة عربية ومن أميركا وأوروبا أثبتت أن اكتفاء إسرائيل الذاتي في شؤون الأمن والدفاع "محدود"، ومن الصعب أن تخوض إسرائيل أيا من حروبها المستقبلية بشكل مستقل.

وكان لافتا أن الوزير في مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، قال في 14 أبريل 2024، وهو يتحدث عن الرد على إيران "سنشكل تحالفا إقليميا، وسنجعل طهران تدفع الثمن بالطريقة والتوقيت المناسبين لنا". 

وهو ما يعني سعي الكيان الإسرائيلي للاعتماد على التحالف الأميركي الأوروبي العربي الذي شاركها في صد الهجوم الإيراني، باعتقاد أنه هو من أنقذها من الهجمات وبدونه كان من الممكن أن تنكشف قدرات دولة الاحتلال وأمنها الهش.