حفظ ماء الوجه.. لهذا لم تشارك إيران في هجوم حزب الله على إسرائيل
أعلن الحزب إطلاق 320 صاروخاً وطائرة مسيرة تجاه عمق إسرائيل لكن بلا نتائج
تمثل المبرر الرئيس لإيران وحزب الله لتأجيل انتقامهم من إسرائيل، بالتنسيق بين جبهات حلفاء طهران لتوجيه ضربة موحدة وأيضا لإعطاء فرصة لمفاوضات غزة.
لكن بعد قرابة شهر من الانتظار، كانت الصدمة هي قيام حزب الله بالرد وحده، وبصورة محدودة ومحسوبة، وبدون إيران، وبلا أي إسناد من أي جبهة أخرى من محور طهران، خاصة الحوثيين.
جاء الرد أيضا عقب فشل مفاوضات غزة وظهور نية إسرائيل في استمرار الحرب والإبادة، لكنه لم يكن مؤثرا ولا موجعا، لذا لم يسبب أي ضغط فعلي على الاحتلال خلال عملية التفاوض لوقف العدوان.
وعلى العكس أعطى هذا الرد الضعيف، غير المؤثر، إسرائيل مبررا لاستمرار عدوانها وتصعيدها على غزة ولبنان، والإصرار على موقفها، حتى إن متطرفين في حكومة بنيامين نتنياهو بدؤوا يطالبون بعدم انتظار رد إيران ومهاجمتها.
طرح هذا الرد المحدود والمحسوب تساؤلات عن السبب؟، وهل الأمر له علاقة بحسابات خاصة للحزب بعدم التصعيد والاكتفاء بحفظ ماء الوجه بعد اغتيال القائد الثاني فيه فؤاد شكر؟
وهل الأمر مؤشر لاتفاق أو تفاهم ما، أعده وسطاء بين الحزب وإسرائيل، بالعودة لقواعد الاشتباك الروتينية بعمليات محدودة عبر الحدود؟
أم أن الحزب حقق استعادة الردع بضرباته لـ 11 قاعدة عسكرية كما أعلن، لكن الاحتلال يخفي خسائره؟
وصرح أمين عام حزب الله "حسن نصر الله" بأن "الرد انتهى" ودعا سكان جنوب لبنان للعودة لمنازلهم وأن تدخل البلاد في مرحلة من الراحة.
وقال: إذا كانت نتيجة الضربة مرضية، "فسنعد العملية قد تمت، وإذا لم تكن كافية فسنحتفظ بحق الرد حتى وقت آخر".
ضربة محدودة
وفجر 25 أغسطس 2024، أعلن الحزب إطلاق 320 صاروخا وطائرة مسيرة تجاه عمق إسرائيل وبث صورا تعريفية للقواعد العسكرية التي استهدفها، مؤكدا أنها عددها 11.
وتحدث حسن نصر الله عن "هدف عسكري نوعي استهدفناه"، هو قاعدة المخابرات العسكرية (وحدة 8200) قرب تل أبيب، وهي تابعة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ومسؤولة عن التجسس الإلكتروني وفك الشفرة.
ورجحت "وكالة الأخبار اليهودية" أن يكون الهدف قاعدة "غليلوت" قرب تل أبيب، حيث مقر الوحدة 8200 والموساد (جهاز الاستخبارات الخارجي) ووحدات الاستخبارات المختلفة.
لكن لم تظهر أي آثار أو أدلة تشير لنجاح الضربة وروجت إسرائيل أنها صدت كل الهجمات.
زاد من مؤشرات ضعف عملية حزب الله، أنه قبل هذا الرد الانتقامي، بأقل من ساعة، وجه الجيش الإسرائيلي ضربة استباقية بـ 100 طائرة حربية ضد 200 موقع لصواريخ الحزب وزعم أنه أجهض إطلاق الحزب 6 آلاف صاروخ على إسرائيل.
وأكد مسؤولون أميركيون لموقع "أكسيوس" 25 أغسطس أن الولايات المتحدة وإسرائيل حصلتا على معلومات استخباراتية دقيقة قبل رد حزب الله لذا جاءت الضربة الاستباقية.
لكن الضربة التي وجهها حزب الله إلى 11 قاعدة عسكرية إسرائيلية، بـ 20 طائرة مسيرة بعد إطلاق 300 صاروخ لإشغال القبة الحديدية والمضادات الأرضية الإسرائيلية لم تظهر أدلة على قوتها أو تأثيرها باستثناء قصف سفينة حربية ومقتل جندي وإصابة اثنين.
إلا أنها لم تكن بالمستوى الذي توقعه الجميع، حتى إن الإسرائيليين سخروا من قصف نصر الله زاعمين أنه دمر مزرعة دجاج.
المحلل الفلسطيني "سعيد زياد" قال إن رد حزب الله لم يكن على قدر الشخصية التي اغتالتها إسرائيل، ولم يأت موازيا لقواعد الاشتباك التي خرقها الاحتلال من استهداف للضاحية، إلى استهداف لمدنيين، وجاءت أقل بكثير مما كانت تخشاه إسرائيل.
وعد هذا الرد الضعيف من شأنه تشجيع العدو على وثبة أكبر، وكسر جديد لقواعد الاشتباك، ربما تنال رأسا أكبر من رأس فؤاد شكر، وفوت الحزب على نفسه فرصة إعادة ترسيم قواعد الاشتباك، وضرب العدو بصرامة.
رد حزب الله المحسوب والمحدود والذي جاء بعد شهر من الاتصالات الساخنة بين واشنطن وطهران، يشير لاختيارهما "هندسة المشهد السياسي والميداني" على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، وفق المحلل السوري أحمد رمضان، أي ادعاء كل طرف أنه انتصر، بينما الحقائق شيء آخر.
وبين أن "الرد الرمزي" تراجع لحساب الحصول على مكاسب (نفوذ وامتيازات)، وعدم الإضرار بحملة الديمقراطيين في الانتخابات الأميركية مقابل المرشح الجمهوري دونالد ترامب، مع وعود محتملة بالعودة للاتفاق النووي الإيراني حال فوز المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
نفس القواعد
محللون وصحف إسرائيلية أكدوا أن هجوم حزب الله "فشل في إشعال فتيل حرب شاملة"، ولم يخرج عن "قواعد الاشتباك" مع إسرائيل، وهي القصف المتبادل في مناطق حدودية.
إذ لم يطال رد الحزب مناطق بعيدة برغم أن اسرائيل استهدف العاصمة اللبنانية وقتلت قادة من حزب الله في عمق لبنان، أي أنه لم يحقق معادلة (بيروت -تل أبيب).
الصحفيان عاموس يادلين، وأودي أفينتال كتبا يؤكدان في موقع قناة N12 يوم 25 أغسطس 2024 أنه "لا إسرائيل، ولا حزب الله، معنيان بالانجرار إلى مواجهة شاملة".
أكدا أن كلا منهما ينظر إلى الهاوية وينسحب إلى الوراء، بالتدريج، وهما ينجحان في احتواء التصعيد الحالي والعودة إلى واقع ما قبل قتل إسرائيل قيادة حزب الله فؤاد شكر، والاستمرار في ترك شمال إسرائيل كجبهة ثانية والتركيز على غزة.
وبالتالي يستطيع نتنياهو الزعم لأغراض دعائية، أنه أحبط هجوما كبيرا لحزب الله، ويزعم الأخير بدوره أنه ضرب قواعد إسرائيل الإستراتيجية واستعاد الردع، بينما لا يوجد دليل على مزاعمها معا.
دبلوماسيون أجانب أكدوا لوكالة "رويترز" البريطانية أن ضربات إسرائيل وحزب الله لبعضهما تحمل "رسائل تهدئة"، مفادها أن كليهما لا يرغب في زيادة التصعيد أكثر من ذلك.
أكدوا أن رسائل إسرائيل وحزب الله، التي يمكن قراءتها من القصف المتبادل، أظهرت أن الجانبين يريان أن تبادل القصف المكثف يوم 25 أغسطس "انتهى"، وأن كلا الجانبين لا يريد حربا شاملة.
مسؤولون ومحللون أميركيون قالوا لصحيفة "واشنطن بوست" 26 أغسطس/آب 2024، إن تبادل إطلاق النار على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، كان بمثابة "حفظ ماء وجه" لكلا الجانبين، وأظهر تراجعهما عن حافة صراع أوسع.
المحلل السابق لشؤون الشرق الأوسط في وكالة استخبارات الدفاع هاريسون مان، قال: "إذا كان هذا هو رد حزب الله بالكامل، فهو أحدث دليل على أن الجماعة اللبنانية ستسعى إلى تجنب التصعيد مع إسرائيل بأي ثمن".
دبلوماسي كبير من الشرق الأوسط مطلع على المناقشات الإقليمية قال لـ "واشنطن بوست": "كلاهما (حزب الله وإسرائيل) مسرور بالنتائج، وهو ما يجعل الانزلاق إلى حرب شاملة أقل احتمالا".
وقال مسؤول إسرائيلي للصحيفة الأميركية: "إن حزب الله وإسرائيل سعيدان، فهما يستطيعان أن يقولا إنهما هاجما ويزعمان أنهما ضربا مواقع عسكرية رئيسة، ويمكن لتل أبيب أن تقول إنها منعت هجوما أكبر وحمت المدنيين".
لكن محللين قالوا لـ "واشنطن بوست"، إن خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقا قد تم تأجيله فقط، ولم يتم تجنبه، وسيظل معتمدا إلى حد كبير على تقدم محادثات وقف إطلاق النار في غزة.
وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال سي.كيو. براون لوكالة "رويترز" 27 أغسطس 2024 إن مخاطر اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط على المدى القريب "انحسرت إلى حد".
وذلك بعدما تبادلت إسرائيل وحزب الله في لبنان إطلاق النار "دون حدوث مزيد من التصعيد"، لكنه قال إن طهران لا تزال تشكل خطرا كبيرا بدراستها توجيه ضربة لتل أبيب.
ماذا بعد؟
كان غياب إيران عن رد حزب الله، برغم أن كليهما برر تأجيل انتقامهما بحجة التنسيق معا مع جبهات محور طهران لتوجيه ضربة موحدة، مثيرا للحيرة.
طرح هذا تساؤل: هل قررت إيران عدم الرد أو اكتفت برد حزب الله نيابة عنها لأن كليهما قرر عدم التصعيد؟
أم أن هناك ضغوطا وتهديدات أميركية أوروبية بعواقب شديدة في ظل الحشد العسكري الغربي؟ أم حدثت تفاهمات من نوع ما؟
عزز هذا تقارير تتحدث عن خشية طهران من "سيناريو أو خطة توريط" تدبرها أميركا وإسرائيل حال التصعيد بحيث يستغلوا الحرب الشاملة لضرب برنامجها النووي والتسليحي.
وهناك تقارير إسرائيلية وأميركية تشير إلى خطة لتوريط إيران وأن استفزازات نتنياهو المتكررة هدفها جر طهران لحرب تتدخل فيها أميركا.
بحيث تتحول لحرب "أميركية إيرانية" لا "إسرائيلية إيرانية"، وتنتهي بتدمير قدرات طهران العسكرية وبرنامجها النووي.
فبعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في طهران وتعهد الأخيرة بالرد، لم تتوقف أميركا عن الحشد العسكري في الشرق الأوسط.
وأرسلت أميركا قواتها البرية والبحرية والجوية بصورة غير معهودة وحاملتي طائرات وأحدث طائرتها للمنطقة مع تنسيق يومي بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الإسرائيلي يوآف غالانت لحماية إسرائيل.
وتشير التحذيرات الأميركية لإيران من إمكانية توسيع الحرب إلى هذه الخطة، التي يبدو أنها أبرز أسباب تأخرها في الرد واحتمالات أن يكون ضعيفا.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" 25 أغسطس 2024 إن الولايات المتحدة حركت، قواتها البحرية المهمة قريبا من إسرائيل، في محاولة لمنع حرب شاملة.
ونقلت عن مسؤولين أميركيين أنهم بهذه التحركات يرسلون رسائل إلى إيران وحلفائها على شكل مجموعتين من حاملات الطائرات وغواصة هجومية.
لكن عدم مشاركة إيران وحلفائها في ضربة حزب الله أو بضربة موحدة لإسرائيل، كان مؤشرا سلبيا أعطي إشارة على أن الرد الإيراني على اغتيال هنية، إذا كان سيحدث، فسيكون محدودا أيضا، طالما أن الهدف الأساسي هو عدم التصعيد الشامل.
ومع أن مبرر إيران لعدم الانخراط في حرب إقليمية شاملة يبدو منطقيا بالنظر لخطر التعزيزات الأميركية ووجود المدمرات الكثيف في البحر المتوسط.
إلا أن هذا التحفظ على التصدي الشامل للعدوان الإسرائيلي يطرح تساؤلات حول قيمة محور المقاومة وأهميته إذا كان يخشى مثل هذا الصدام.
وهل يعني أن إيران تستغل وجود حماس في المحور، وسياق حرب غزة، لتعزز حضورها الإستراتيجي بالمنطقة، على حساب متطلبات المقاومة ذاتها؟
وكانت المقاومة في غزة تأمل أن يكون تصعيد حزب الله وإيران معا منقذا لأهالي القطاع من الإبادة لكن تصعيد حزب الله "لم يعرقل المفاوضات" كما كتبه مساعد رئيس تحرير صحيفة "واشنطن بوست"، ديفيد أغناطيوس، 25 أغسطس 2024.
قال إن التبادل المكثف لإطلاق النار عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل، "لم يؤد إلى اندلاع حرب إقليمية كبرى، كما لم يعرقل المحادثات" التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأكد أن المسؤولين الأميركيين "يعتقدون أن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، كان يأمل بأن يؤدي هجوم حزب الله إلى تغيير ديناميكيات الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في القطاع، وتوفير شروط أفضل له خلال المفاوضات"، وهو ما لم يحدث.
وقال "زفي بارئيل" المحلل الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" 26 أغسطس إن "معادلة الرد" المحسوبة من حزب الله "تسمح لإسرائيل بتعطيل محادثات وقف إطلاق النار".
واللافت أن حزب الله سبق أن وعد على لسان نصر الله مطلع أغسطس بتجاوز عملية الإسناد لغزة إلى "الانخراط بالمعركة" لكنه لم يوف بوعده.