محكمة تعيد 3 مرشحين للرئاسة بتونس وهيئة انتخابات سعيد ترفض.. ما القصة؟

12

طباعة

مشاركة

سلسلة تطورات درامية شهدتها انتخابات تونس الرئاسية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين أول 2024، بعدما أقصت هيئة موالية للرئيس قيس سعيد عدة مرشحين واكتفت باثنين.

هيئة الانتخابات التي يتولى سعيد تعيينها وتدين بالولاء له لم تكتف بإبعاد عشرات المرشحين ولكنها رفضت أيضا قرارات أعلى محكمة تونسية بإعادة ثلاثة منهم للسباق الانتخابي وأصرت على اثنين فقط ينافسان الرئيس الحالي وهما زهير المغزاوي والعياشي زمال.

وفي غضون 4 أيام أعادت المحكمة هؤلاء المرشحين، وهم القيادي السابق في حزب النهضة الإسلامي عبد اللطيف المكي، والوزير السابق والناشط السياسي البارز المنذر الزنايدي، إضافة إلى عماد الدائمي وهو المستشار السابق للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.

“انقلاب جديد”

وبرغم أن حكم المحكمة الإدارية نهائي وغير قابل للطعن، رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس 2 سبتمبر/ أيلول 2024 أحكامها وتحدتها وأصرت على الإبقاء على مرشحين فقط أمام سعيد.

ويزعم الرئيس التونسي قيس سعيد أن النظام القضائي في بلاده مستقل ولا يتدخل في شؤونه، بينما تتهمه المعارضة باستخدامه لملاحقة خصومه السياسيين والمنافسين المحتملين له في انتخابات الرئاسة.

والأكثر غرابة أن الشرطة اعتقلت في اليوم ذاته أحد المرشحين أمام "سعيد" وهو "العياشي زمال" بتهمة "تزوير تزكيات" الانتخابات، ما قد ينتهي إلى أن تصبح المنافسة بين الرئيس الحالي ومرشح واحد فقط.

واتهم فريق الدفاع عن "زمال" السلطات بتوجيه تهم "مفتعلة طغى فيها الجانب السياسي على القانوني، لإجباره على الانسحاب طوعًا من الانتخابات".

 وعلى الرغم من إصرارها على ترشيح المغزاوي وزمال فقط، لم تذكر الهيئة مصير الأخير بعد اعتقاله، علما أن القانون يتيح له الترشح طالما لم يُدَنْ بعد.

وكان مستغربا أن القرار الذي أعلنه رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات "فاروق بوعسكر" بـ "استحالة تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية"، عبر تلفزيون تونس، استند لحجتين واهيتين: 

الأولى أنه "تعذر الاطلاع على نسخ الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية لعدم إعلام الهيئة بها طبقا للقانون في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح بها".

والحجة "الثانية" هي زعمه أن "الهيئة هي الجهة الدستورية الوحيدة المؤتمنة من الدستور على سلامة المسار الانتخابي ونزاهته".

وأنها "لم تقبل ترشح من تولى أو شارك أو حرض على تدليس تزكيات الناخبين أو شراء ذممهم أو من كان حاملا لجنسية أجنبية أو كان غير متمتع بجميع حقوقه المدنية والسياسية كما ينص على ذلك الدستور"، رغم عدم ثبوت هذه التهم بعد.

وينص المرسوم 55 لسنة 2022 المؤرخ في 15 سبتمبر 2022 على أنه "يُقبل المترشحون الذين تحصلوا على حكم قضائي بات، وتتولى الهيئة الإعلان عن قائمة المترشحين المقبولين نهائيا بعد انقضاء الطعون"، وهو ما خالفته هيئة الانتخابات.

ولأن ما فعلته الهيئة الموالية لقيس سعيد "انقلاب على الديمقراطية" كما وصفه معارضون تونسيون، فقد رفضته المحكمة الإدارية في تونس.

وأكدت في بيان 3 سبتمبر 2024، ضرورة التزام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية بموجب القانون، لأنها واجبة وملزمة.

ودعت أحزاب سياسية وجماعات حقوقية وناشطون في بيان مشترك إلى الاحتجاج يوم 3 سبتمبر 2024 قرب مقر هيئة الانتخابات للمطالبة بتنفيذ قرارات المحكمة بإعادة المرشحين وطلب وقف القيود التعسفية وحملات الترهيب ضد المرشحين.

ورأت قوى تونسية أن قرار إقصاء المرشحين يضاف لإجراءات انقلاب سعيد على دستور الثورة (دستور 2014) وتكريس لحكم فردي مطلق.

وطالبت 26 منظمة تونسية ودولية وحوالي 200 شخصية في بيان مشترك، 31 أغسطس/آب 2024 باحترام التعددية خلال الانتخابات الرئاسية القادمة.

وأشاد الموقعون على البيان ومن بينهم منظمات "المفكرة القانونية" و"محامون بلا حدود" و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، بما "أظهرته المحكمة الإدارية وقُضاتها من تمسك بالاستقلالية وانتصار لقيم القانون" التي تجسدت في قرارات إعادة مرشحين جرى استبعادهم.

سحب الدعم؟

قرارات المحكمة الإدارية على مدار 4 أيام بإعادة ثلاثة من أبرز المرشحين بينهم قريبون من حزب النهضة الإسلامي، وُصف بأنه "تمرد" من جانب قضاة تونسيين ضد ديكتاتورية سعيد، ومؤشر أن تيارا آخر بالجيش يعارض ويرفض قرارات الرئيس.

وبحسب مصادر تونسية، لـ "الاستقلال" يمكن تفسير سماح المحكمة الإدارية بإعادة ترشيح الثلاثة المستبعدين بأحد أمرين: 

الأول، هو تمرد قضاة تونس الكبار على قيس سعيد بعدما استغل دوائر قضائية صغيرة للعمل لصالحه وإبعاد معارضين عن الترشح، ما يشير لاستمرار وجود قضاة موالين للثورة التونسية.

والثاني، أن الدولة العميقة وخاصة المؤسسات القضائية وربما الجيش ربما رضخوا لمطالب إنهاء عهد قيس سعيد أو تقليص دوره بعدما تخبط بصورة كبيرة وتحول لديكتاتور قسم البلاد وأسهم في انهيار الاقتصاد.

وتوقع الحقوقي المصري بهي الدين حسن أن تكون تونس "على أبواب مرحلة جديدة تنهي عهد قيس سعيد أو تقلص سلطاته الديكتاتورية".

أرجع هذا إلى أن تونس لا يزال بها هامش لقضاء مستقل وحرية تعبير، ومؤسسة عسكرية بدأت تدرك خطأ دعمها لسعيد، بخلاف الوضع في مصر.

ومع إضافة هؤلاء إلى الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد ورئيس "حزب حركة الشعب" (قومي عربي) زهير المغزاوي، ورجل الأعمال عياشي زامل في السباق الرئاسي ارتفع عدد المرشحين إلى 6 بدلا من 3 فقط.

أهمية العائدين أن منهم المرشح البارز "عبد اللطيف المكي" وهو قيادي سابق بـ "حزب النهضة" الإسلامي وقد يكون المنافس الأبرز أمام "سعيد".

ويرى سياسيون وحزبيون تونسيون أن المكي هو مرشح المعارضة وحركة النهضة وجبهة الإنقاذ، ويملك حظوظا للفوز.

وكان المكي قياديا بارزا في حزب النهضة الإسلامي لكنه خرج منه وأسس حزبا آخر.

ومع ذلك لا يزال يحظى على نطاق واسع بدعم من أنصار النهضة وهو واحد من أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.

والثاني "عماد الدائمي"، كان أمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية سابقا ورئيسا سابقا لديوان رئيس الجمهورية التونسية المنصف المرزوقي، أي معارض لسعيد.

والثالث هو "المنذر الزنايدي" الذي قررت المحكمة الإدارية التونسية، قبول ترشيحه لانتخابات الرئاسة وإلغاء قرار هيئة الانتخابات برفض ملفه.

تياران بالجيش

هذا التخبط ما بين إقصاء هيئة الانتخابات للمرشحين أمام سعيد ثم تدخل المحكمة الإدارية لإعادتهم، أثار تساؤلات حول موقف الجيش بصفته أقوى مؤسسات البلاد.

فقد ترددت أنباء حول قرب انتهاء "شهر العسل" بين سعيد والجيش التونسي، وظهور "خلافات عميقة" بين قصر الرئاسة والمؤسسة العسكرية، بسبب تحفظ الأخيرة على إدارة الرئيس لملف الانتخابات.

وأشار تقرير لمجلة "فورين بوليسي" 2 سبتمبر 2021 بعنوان: "إبعاد الجيش التونسي عن السياسة.. الرئيس قيس سعيد كسر تابو استمر 65 عاما"، أنه من الممكن عكس مسار  الانقلاب الذي نفذه في يوليو/تموز 2021.

وقال كاتب التقرير، الباحث التونسي رضوان المصمودي، إن هذا "ممكن فقط لو تمسك الجيش بالتقاليد التونسية المتمثلة بإبعاده عن السياسة".

"لكن الجيش اختار الذوبان في خطة الرئيس ودفع بوجوه عسكرية نحو المناصب الوزارية لأول مرة منذ ثورة 2011"، بحسب فورين بوليسي.

وأكدت وثائق سرية نشرها موقع "ميدل إيست آي" 23 مايو/أيار 2021، مُسربة من مكتب مديرة الديوان الرئاسي السابقة، نادية عكاشة، ومؤرخة قبلها بـ10 أيام أن "سعيد" كان ينسق مع الجيش التونسي من أجل فرض "ديكتاتورية دستورية".

وذلك قبل القرارات الانقلابية التي أصدرها بها وأعادت تونس إلى سابق عهدها الديكتاتوري قبل ثورة 2011.

لكن لاحقا، أشار تقرير لمركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الاستخباراتية 7 يونيو/حزيران 2024، إلى أنه بعد أن سيس سعيد الجيش بشكل متزايد، وعمل على ترقية بعض المسؤولين العسكريين إلى مناصب في الشؤون المدنية، خرجت المؤسسة العسكرية عن حيادها.

وبين أن الجيش دعم سعيد واستخدم المحاكم العسكرية لقمع المعارضين، متوقعا استمرار الانزلاق الاستبدادي في تونس خلال عهد الرئيس الحالي.

بل وتوقع أن يسير "سعيد" على خطى رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، ويسعى لتمديد فترة ولايته حال انتخابه المحتمل في أكتوبر عبر ما يسمى "الإصلاحات الدستورية"، وتقييد الحريات.

وتعتقل السلطات التونسية قرابة 12 صحفيًا ومحاميًا، العديد منهم منتقدون للرئيس سعيد والحكومة التونسية. 

ويقول خبير سياسي في الشؤون المغاربية لـ "الاستقلال" إنه يبدو أن هناك تيارين يتنازعان الموقف من الرئيس التونسي.

"الأول" يتماهى مع ديكتاتورية "سعيد" ونفوذ الدولة العميقة، وهو التيار الذي استفاد من تعيين وزراء من العسكريين على خلاف التقاليد التونسية بإبعاد العسكر عن السياسة، وهذا التيار يدعم إقصاء خصوم الرئيس الحالي في الانتخابات.

أما التيار “الثاني” فيعارض ما يفعله سعيد من إقصاء خصومه في الانتخابات ويدرك مخططه لتوريط الجيش في السياسة عبر "توزير" بعض العسكريين كنوع من الرشوة مقابل حماية انقلابه.

وعين الرئيس التونسي 3 عسكريين في مناصب وزارية في الحكومات الثلاث التي شكلها منذ انقلابه على الديمقراطية عام 2021.

ويُعتقد أن هذا التيار شجع المحكمة الإدارية على قبول طعون ثلاثة مرشحين استبعدتهم لجنة الانتخابات التابعة لسعيد، أملا في التخلص منه بصناديق الانتخابات بدلا من أن يورط الجيش في مواجهة ثورة شعبية جديدة وعدم استقرار.

ويرى "الخبير السياسي" المصري، الذي فضل عدم ذكر اسمه" لـ "الاستقلال" أن رفض لجنة الانتخابات التونسية قبول قرارات المحكمة الإدارية، مؤشر لقوة التيار الأول من العسكر، المعبر عن الدولة العميقة.

ونوه إلى تقريرين أصدرتهما مجلة "فورين أفيرز" الأميركية 29 مارس/آذار 2023، ومجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية 21 أغسطس 2024، أشارا لطبيعة هذه الخلافات بين هذا التيار من العسكر وبين سعيد.

وأشار تقرير مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، إلى خلافات بين سعيد والجيش في عدد من الملفات، على رأسها الملف الاقتصادي.

وأكد أن الجيش يخشى أن يؤدي الانهيار الاقتصادي في تونس بسبب سياسات سعيد لتوجيه اتهامات لجنرالاته بالتورط في الأزمة وتحميلهم المسؤولية مما يعني تآكل سمعة المؤسسة العسكرية التي كانت بعيدة عن السياسة. 

فيما أشار تقرير "أفريكا إنتيليجنس" إلى ظهور أول خطوط الصدع بين هؤلاء الجنرالات وقيس سعيد حول "قضايا إستراتيجية".

كما ألمح إلى أن الخلافات ظهرت الآن بعدما استفاد سعيد “من حسن نية كبار المسؤولين التنفيذيين في الجيش، الذين مكنوه من انقلابه في يوليو 2021”.