محاولة اغتيال ترامب.. هكذا فضحت إخفاقات جهاز الخدمة السرية بأميركا
استهدفت الخدمة السرية زيادة نسبة النساء في صفوفها إلى 30 بالمئة بحلول 2030
مثلت محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب نقطة تحول خطيرة تجاه جهاز الخدمة السرية.
إذ أصيب ترامب برصاصة في الجزء العلوي من أذنه اليمنى أثناء إلقائه خطابا في تجمع انتخابي بالقرب من بتلر، بولاية بنسلفانيا في 13 يوليو/ تموز 2024.
تفاصيل العملية حملت كثيرا من الدلالات على إخفاق كبير في أداء الجهاز، حيث أطلق توماس ماثيو كروكس، الشاب الذي يبلغ من العمر 20 عاما ثماني طلقات من بندقية من طراز "إيه آر-15" من فوق سطح مبنى يقع على بعد نحو 400 قدم (120 مترا) فقط من منصة ترامب.
الحادث أسفر عن قتل أحد الحاضرين، بينما أصاب بجروح خطيرة اثنين آخرين من الحضور، قبل إطلاق النار على كروكس وقتله على يد فريق القناصة المضاد التابع للخدمة السرية.
بعدها علقت شبكة "سكاي نيوز" البريطانية بأن رصاصات كروكس لم تصب سوى طرف أذن ترامب، لكنها استقرت في قلب القوة الأمنية الأكثر احترافية في العالم، الخدمة السرية.
فما هي وكالة الخدمة السرية الأميركية؟ وما طبيعة المهام المكلفة بها؟ وما التحديات التي تواجهها عقب محاولة اغتيال ترامب؟
استقالات وتحقيقات
كانت أقوى الإجراءات التي جاءت عقب محاولة الاغتيال، استقالة مديرة الجهاز "كيمبرلي تشيتل" في 23 يوليو.
وقتها أدلت تشيتل بشهادتها لساعات في مبنى الكابيتول (الكونغرس الأميركي)، بعد أن واجهت استجوابا من المشرعين بشأن تقصير الوكالة الذي سمح بحدوث محاولة لاغتيال الرئيس السابق.
وقالت تشيتل: "إن جهاز الخدمة السرية فشل في 13 يوليو، اليوم الذي كاد ينهي حياة ترامب"، المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وفي 24 أغسطس/ آب 2024، كشفت وسائل إعلام أميركية عن إجراءات عقابية داخل الجهاز على إثر محاولة الاغتيال.
وأورد موقع "ريل كلير بوليتيكس" الأميركي أن عددا من عناصر الجهاز منحوا إجازة بعد محاولة الاغتيال.
وقال المتحدث باسم الجهاز أنتوني غوغليامي في بيان، إن "المراجعة مستمرة لضمان التقدم في العمليات والإجراءات والعوامل التي أدت إلى هذا الفشل العملياتي".
بينما أعلن المدير الجديد للجهاز "رونالد رو" أن الوكالة تجري العديد من التحقيقات، وسيحاسب عناصره في حال ثبت عدم اتباعهم البروتوكولات اللازمة لتأمين المرشح الرئاسي.
إعادة هيكلة
وكانت شبكة تلفزيون "سي بي إس" الأميركية الشهيرة تحدثت في تقرير خاص عن إمكانية إعادة هيكلة جهاز الخدمة السرية، خاصة فيما يتعلق بنسبة تمثيل النساء داخل الجهاز.
وأشارت إلى أنه قبل محاولة الاغتيال، استهدفت الخدمة السرية زيادة نسبة النساء في صفوفها إلى 30 بالمئة بحلول عام 2030.
لكن بعد محاولة الاغتيال وظهور بعض العناصر النسائية وهن يختبئن خلف ترامب، مع عدم المبادرة لتقديم المساعدة له أثناء محاولة إخراجه من مكان الحادث، أحرج الجهاز وأحدث جدلا في كفاءة النساء المجندات.
وفي مقابلة على قناة "فوكس نيوز" قال النائب الجمهوري تيم بورشيت، “إن هذا ما يحدث عندما لا تضع أفضل اللاعبين في المكان المناسب”.
كذلك أدلت المذيعة المحافظة كانديز أوينز، برأيها قائلة:"دعوا الرجال يحمون الرجال"، مضيفة أن "ذلك لا يعني عدم احترام للسيدات".
وتعج "كيمبرلي تشيتل" التي عينها الرئيس جو بايدن في منصب مدير الخدمة السرية عام 2022، ثاني امرأة تتولى قيادة الوكالة.
وقد انتقدها الملياردير الأميركي "إيلون ماسك" أحد أشد الداعمين لترامب، وعزا فشلها إلى خلفيتها السابقة في العمل مع شركة بيبسيكو للمشروبات والأغذية.
ورغم ذلك تواجه الخدمة السرية الانتقادات، تحت قيادات ذكورية أو نسائية على حد سواء، ليس فقط بسبب الثغرات الأمنية المتكررة، ولكن على خلفية مجموعة من السلوكيات غير الأخلاقية والفضائح الجنسية والمالية.
تاريخ الجهاز
يقع المقر الرئيس لجهاز الخدمة السرية في العاصمة الأميركية واشنطن، وله أكثر من 150 مكتبا منتشرا في جميع أنحاء الولايات.
وتتألف عناصره من 7 آلاف بين وكلاء خاصين وضباط قسم نظامي وضباط إنفاذ القانون الفني وموظفين إداريين ومهنيين وفنيين.
جرى تدشين جهاز الخدمة السرية لأول مرة عام 1865 تحت مسمى "مكتب مكافحة التزوير"، على يد الرئيس الأسبق أبراهام لينكولن.
ومع الوقت تطور حتى أصبح أحد أهم وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة، فبعد فترة قليلة تحول إلى "جهاز استخبارات" ملحق بوزارة الخزانة.
لكن في عام 1901، أصدر الكونغرس قانونا ينظم عمل جهاز الحماية السرية، ويكلفه بحماية ساكن البيت الأبيض، وذلك عقب اغتيال الرئيس ويليام ماكينلي.
ومنذ ذلك الحين ارتكزت مهام الجهاز على مهمتين، الأولى منع الجرائم المالية، والثانية الحفاظ على بيئة آمنة للأفراد التالين تحت إشراف وزير الأمن الداخلي.
بداية من الرئيس ونائب الرئيس وأفراد أسرتيهما، والرؤساء السابقين وزوجاتهم مدى الحياة وكذلك أبناء الرئيس السابق الذين لم يتجاوزوا الـ 16 عاما.
وينطبق نفس الأمر على نواب الرئيس السابقين وزوجاتهم وأبنائهم ما لم يتجاوزوا 16 عاما أيضا.
وأيضا رؤساء الدول والحكومات الأجنبية الزائرة، والزائرون الأجانب ذوو المكانة الرفيعة، والممثلون الرسميون للولايات المتحدة.
إضافة إلى المرشحين الرئيسين لمنصب الرئيس ونائبه وأزواجهم خلال 120 يوما من الانتخابات الرئاسية العامة.
مهام متعددة
كما يختص الجهاز بأمن الفعاليات الكبرى، وهو بند أضيف لمهامه بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
فبعدها أشرف الجهاز على الأمن في التجمعات والنشاطات غير السياسية والأحداث الوطنية المهمة التي يمكن أن تكون هدفا للإرهاب، مثل المؤتمرات السياسية والأحداث الرياضية الكبرى.
أما فيما يتعلق بالشؤون المالية، فتعمل الخدمة السرية على حماية البنوك والشركات الأميركية من جرائم الكمبيوتر وبرامج الفدية ورسائل التصيد الاحتيالي.
وتمنع أي أدوات وحيل قرصنة أخرى لسرقة الأموال والمعلومات الحساسة من الحسابات المصرفية للمواطنين والشركات الوطنية.
وتتوزع فرق الجهاز الأميركي على أساس مهام كل من "التحقيق" و"الحماية".
ومن فرق مهام التحقيق: "العمليات السيبرانية، التحقيقات الجنائية والدعم التحقيقي، مكافحة تزييف العملات، خدمات الطب الشرعي، فريق مختص بالجرائم الإلكترونية والمالية".
ومن فرق مهام الحماية: "وحدة العملاء الخاصة"، إضافة إلى فرقة موحدة، تعمل على تأمين أماكن وجود الأفراد المحميين.
وتعمل هذه الفرقة مع وحدات: "الكلاب، الاستجابة للطوارئ، فريق مكافحة القناصة، فريق دعم الموكب، وحدة البحث في مسرح الجريمة".
إخفاقات الجهاز
وتعد حادثة اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي عام 1963، أكبر سقطة في تاريخ الجهاز على الإطلاق.
إذ عدت فضيحة مدوية للجهاز، خاصة وأنه في ذلك الوقت أثيرت شكوك عن إدمان أفراد الحماية للكحول وشرب الخمر بكميات كبيرة.
وبعدها خضع الجهاز لعمليات إصلاح وتغيير شاملة، وتلقى أفراده تدريبات مكثفة، وأصبح وحدة نخبوية، يسعى الأميركيون للانضمام إليها.
لكن في عام 1981، كادت أن تحدث كارثة مماثلة، بمحاولة اغتيال الرئيس رونالد ريغان، حيث نجح أحد الأشخاص في إصابته بطلقات اخترقت رئته.
وما خفف حدة الموقف أن ضابطا من الخدمة السرية تلقى إحدى الرصاصات التي وجهت إلى ريغان.
وفي 17 يوليو/تموز 2024، قال المسؤول السابق في الاستخبارات الأميركية نورمان رول: "إن الجهاز أجرى إصلاحات بعد محاولة اغتيال ريغان، وتوسع من حيث الحجم واستخدامه للتكنولوجيا، غير أن الإصلاحات الهامة كانت تستهدف الجرائم المالية".
ومع ذلك في عام 2012 هزت "فضيحة مدوية" جهاز الخدمة السرية، أثناء زيارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى كولومبيا.
وقتها جلب عدد من أفراد الجهاز المكلفين بحماية أوباما فتيات ليل إلى غرفهم في الفندق.
ووصل الأمر إلى حدوث خلاف مالي بين بعض العناصر وإحدى الفتيات، الأمر الذي تسبب آنذاك في استقالة مدير الجهاز "مارك سوليفان".
واضطر ثمانية من ضباط الجهاز إلى الاستقالة من عملهم بعد اتهامهم بالتورط في فضيحة كولومبيا.
المصادر
- أسسه لينكولن في نفس اليوم الذي اغتيل فيه .. ما هو جهاز الخدمة السرية الأمريكي؟
- "دعوا الرجال يحمون الرجال".. جدل بشأن "عميلات" الخدمة السرية
- ما هو جهاز "الحرس الرئاسي" الذي حاول أفراده حماية ترامب أثناء محاولة الاغتيال؟
- "الخدمة السرية" يضع 5 عملاء في إجازة إدارية للتحقيق بمحاولة اغتيال ترمب
- الخدمة السرية في مرمى النيران… هل أخفقت في حماية ترمب؟