قبل انتهاء ولايته.. لماذا صعدت إسرائيل هجومها على جوزيب بوريل؟

خالد كريزم | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

سياسيا وإعلاميا، تشتد الهجمة الإسرائيلية أخيرا ضد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على خلفية مواقفه المتقدمة الرافضة للعدوان على قطاع غزة.

فقبل نهاية ولايته في أكتوبر/تشرين الأول 2024، صعد بوريل انتقاداته لإسرائيل وصولا إلى دعوته لفرض عقوبات على بعض وزرائها، وهو أمر غير معهود لدى الاتحاد الأوروبي.

فما هي آخر مواقف وتحركات وتصريحات بوريل ضد إسرائيل ولماذا غضبت الأخيرة منه إلى حد وصفه بالكذب والنفاق ورفض استقباله؟

تصريحات لافتة

بعد تنفيذ عملية طوفان الأقصى، هاجم بوريل حركة المقاومة الإسلامية حماس ووصف هجومها بـ"الإرهابي"، مشددا على حق إسرائيل في "الدفاع عن النفس".

لكن مع تصاعد المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين، أكد بوريل أكثر من مرة أن “هناك حدودا لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، ومن هنا انتقل إلى رفض سياسات حكومة بنيامين نتنياهو التي تحاول القضاء على حل الدولتين بشكل تام وترفض وقف إطلاق النار بغزة.

وركز بوريل حديثه أخيرا على ضرورة معاقبة إسرائيل على جرائمها في غزة بالتزامن مع دعوته لوقف إطلاق النار وتنفيذ صفقة لتبادل الأسرى وإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر.

ففي 10 سبتمبر/أيلول 2024، رأى أن تعذّر التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بغزة مرده أن "من يشنون الحرب لا مصلحة لديهم بوضع حد لها، وتعنتهم يرافقه إفلات تام من العقاب وأفعالهم لا يترتب عليها عواقب".

وجاء هذا التصريح خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من القاهرة، على هامش مشاركته بأعمال الدورة 162 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية.

وفي كلمته بالجامعة العربية أكد أن إسرائيل تسعى إلى تحويل الضفة الغربية إلى غزة جديدة عبر تنفيذ سياسة تهجير سكانها، ومن خلال العمل على جعل حل الدولتين المتوافق عليه دوليا، أمرا مستحيلا.

وقبلها بيوم، زار بوريل معبر رفح من الجانب المصري، والذي أغلق تماما في 7 مايو/أيار 2024، بعد اجتياح قوات الاحتلال المنطقة الحدودية مع غزة وما يعرف باسم "محور فيلادلفيا".

ويجري بوريل جولة شرق أوسطية، تشمل مصر ولبنان بين 8 و12 سبتمبر. وخلال زيارته للمعبر، وصف المساعدات التي تدخل إلى غزة بأنها "قطرة في محيط"، مقارنة باحتياجات الفلسطينيين هناك، مؤكدا أن نحو 1400 شاحنة تنتظر الدخول.

وأردف: "ما يحدث على الجانب الآخر من هذا الجدار ليس فيضانا، ولا زلزالا، إنها ليست واحدة من تلك الأزمات التي تحدثها الطبيعة من وقت لآخر والتي لا يمكننا منعها أو تجنبها. إنها مأساة من صنع الإنسان"، في إشارة إلى قوات الاحتلال.

وشدد بوريل على أن "ما يحدث في غزة اليوم هو رعب آخر، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان وليس دفاعا عن النفس".

وأكد أن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعم الفلسطينيين، وأنه من الضروري البحث عن حل سياسي، مبينا أن "إعطاء شخص ما طعاما في الليل وقتله في الصباح التالي ليس حلا".

وردا على سؤال عما يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي لتغيير الوضع في غزة، قال بوريل: "يمكننا ممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي على السلطات الإسرائيلية، لكن قدرتنا محدودة".

وكان أكثر ما أثار غضب تل أبيب هو بدء بوريل إجراءات لفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، لـ"إطلاقهم خطاب كراهية ضد الفلسطينيين واقتراحات تتعارض مع القانون الدولي وتمثل تحريضا على ارتكاب جرائم حرب"، وفق ما صرح المسؤول الأوروبي في 29 أغسطس/آب 2024.

وقبلها بأيام، أعلن بوريل أنه يجب على الاتحاد الأوروبي بحث فرض عقوبات على وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش.

وذلك بسبب تصريحاتهما الداعية لتجويع الفلسطينيين في غزة ومنع المساعدات الإنسانية من الدخول إلى القطاع، إضافة إلى دعوتهما لتهجير أهالي الضفة الغربية والاستيلاء بالكامل عليها.

غضب إسرائيلي

وردا على تلك التصريحات، قال وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين على منصة "إكس" بنفس اليوم: "جوزيب بوريل الذي يحول الأموال إلى السلطة الفلسطينية، يريد فرض عقوبات على الوزراء الإسرائيليين الذين يعملون على مكافحة الإرهاب. نفاق"، وفق وصفه.

ومن جهته قال وزير الخارجية يسرائيل كاتس على منصة إكس: "يزعم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي المنتهية ولايته جوزيب بوريل أنني أدعو إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، هذه كذبة صارخة".

وتوعد كاتس نهاية أغسطس بتنفيذ عمليات "إجلاء مؤقت" للفلسطينيين من مدينتي جنين وطولكرم شمال الضفة الغربية عندما كان جيش الاحتلال يشن عدوانا واسعا، ويرى أن العملية الجارية "حرب بكل معنى الكلمة، ويجب الانتصار فيها".

ورد بوريل بأن تصريحات كاتس، بشأن التهجير القسري للفلسطينيين في الضفة الغربية "غير مقبولة على الإطلاق".

ووصل الغضب الإسرائيلي إلى درجة رفض تل أبيب استقبال بوريل خلال زيارته إلى الشرق الأوسط، بحسب ما قالت صحيفة يديعوت أحرونوت في 7 سبتمبر.

وذكرت أن بوريل أعلن في رسالة إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية أنه ينوي زيارة تل أبيب يومي 14 و15 سبتمبر.

وأشارت إلى أن إسرائيل ردت على ذلك بأن بوريل لن يتمكن من الحضور خلال هذين اليومين ودعته إلى تنسيق الزيارة بعد الأعياد، والتي ستكون في أواخر أكتوبر، أي بعد انتهاء ولايته.

ولم يقف الهجوم الإسرائيلي عند الجانب الرسمي، فقد تفاعلت صحف عبرية مع مواقف وتصريحات بوريل واتهمته بالكذب والنفاق، وفق تعبيرها.

وقالت معاريف في 7 سبتمبر، إن بوريل سياسي إسباني كتالوني، معروف بنهجه التقليدي المناهض لإسرائيل ويتبنى طلب زعماء أيرلندا وإسبانيا وبلجيكا بصياغة إجراءات ضدها. 

فيما أوضحت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية في 8 سبتمبر أنه “مع إدراكه أن إسرائيل ستجد سهولة أكبر في التعامل مع الاتحاد الأوروبي بعد رحيله، ونظرا للصعود الكبير للأحزاب اليمينية في أوروبا، حاول بوريل الانقلاب قبل انتهاء ولايته”.

وهاجمت بوريل ورئيسي الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز والأيرلندي (السابق) ليو فارادكار الذين ينتقدون العدوان أخيرا.

وقالت إن “هؤلاء السادة عديمي السمعة يشعرون بقلق عميق إزاء حرب إسرائيل ضد حركة حماس وهزيمتها الوشيكة، ويدعون دول الاتحاد الأوروبي إلى التدخل”.

وأردفت: “من المؤسف أن قلقهم لا يمتد إلى إسرائيل، التي تقاتل الإرهابيين دون البشر من حماس”، وفق تعبيرها.

وتابعت مزاعمها بالقول: “لقد خدم بوريل الأحزاب اليسارية الإسبانية المؤيدة للفلسطينيين، وبدلا من إدانة جرائم القتل الشنيعة التي ارتكبتها حماس وحكم الإرهاب الإيراني، فإنه يفضل، لأسباب غامضة يجب التحقيق فيها، إدانة إسرائيل”

انقسام أوروبي

وأظهر العدوان على غزة مدى الخلاف والانقسام بين الدول الأوروبية فيما يتعلق باتخاذ إجراءات فعلية ضد إسرائيل.

فقد اتخذ الإسباني بوريل مواقف متقدمة تجاه العدوان على عكس رئيسة المفوضية الأوروبية، السياسية الألمانية أورسولا فون دير لاين التي تؤكد في كل خطاباتها على “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” رغم مجازرها المتواصلة في قطاع غزة.

وكان من اللافت أن اتهم بوريل رئيسة المفوضية الأوروبية بالانحياز التام لإسرائيل، مشدّدا على أن زيارتها إلى تل أبيب أواخر عام 2023 "خلّفت تكلفة جيوسياسية باهظة لأوروبا".

وأشار بوريل في حوار مع صحيفة "الباييس" الإسبانية في فبراير/شباط 2024، إلى أن فون دير لاين تتبنى “مواقف منحازة بالكامل لإسرائيل” وأن زيارتها إلى تل أبيب “لا تمثل فيها إلا نفسها من حيث السياسة الدولية”.

وكانت المسؤولة الأوروبية قد زارت إسرائيل في اليوم السادس لهجماتها على غزة، بهدف "التضامن" مع تل أبيب، معلنة من هناك دعم الاتحاد الأوروبي "غير المشروط" لتل أبيب.

ولم تتطرق دير لاين أبدا في تصريحاتها حينذاك إلى الوضع الإنساني في غزة، ولم توجه أي دعوة لتل أبيب لوقف استهدافها المدنيين في القطاع.

وبالعودة إلى محاولة بوريل فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، فإن القرار يحتاج إلى إجماع من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وقالت وكالة الصحافة الفرنسية في وقت سابق إن فرص نجاح مساعي بوريل ضئيلة بسبب انقسام دول الاتحاد الـ27.

فيما أوضحت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية أنه “منذ البداية، كانت لدى مبادرة بوريل فرصة ضئيلة في حشد الموافقة بالإجماع من جميع الدول الأعضاء، فقد عارض العديد منها تصرفاته، بما في ذلك حلفاء إسرائيل المقربون مثل المجر والتشيك”.

وأكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن مبادرة بوريل لتمرير سلسلة من القرارات المناهضة لإسرائيل فشلت بعد جهود سياسية قادها الوزير كاتس وتحدث خلالها مع وزراء خارجية الدول الأوروبية لعرقلة الأمر .

وبسبب الانقسام الأوروبي وموقف بوريل، قالت صحيفة معاريف إن إسرائيل لم تتوصل حتى الآن إلى اتفاق لتجديد اتفاقيات الشراكة (إطار قانوني للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتل أبيب).

وتابعت: "يبدو أن مناقشة الموضوع ستجرى في ديسمبر المقبل، برئاسة المجر المتعاطفة مع إسرائيل وبعد خروج بوريل من الاتحاد الأوروبي".

ودعا كل من رئيسي الوزراء الإسباني والأيرلندي السابق في فبراير 2024، إلى مراجعة اتفاقيات الشراكة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي وتأخير تجديدها، إذا تبين أن تل أبيب “انتهكت التزاماتها بحماية حقوق الإنسان في غزة”.

كما يظهر الانقسام أيضا في إعلان كل من أيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا رسميا الاعتراف بدولة فلسطين، بينما تمتنع دول أخرى عن ذلك.

وصعدت أيرلندا وإسبانيا والنرويج وبلجيكا خطابها ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية.

فيما تتخذ بلدان أوروبية أخرى مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا مواقف ضعيفة تجاه تل أبيب تصل إلى حد دعمها والتواطؤ معها ورفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وأعلنت يولاندا دياز نائبة رئيس الوزراء الإسباني في 24 مايو 2024 أنه “سيتم تحرير فلسطين من النهر إلى البحر”.

وهذا الشعار الذي أغضب إسرائيل بشدة، ترى دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا أنه “معادٍ للسامية”.

وفي اليوم التالي، قالت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلز إن ما يحدث في غزة هي "إبادة جماعية حقيقية". 

كما انضمت إسبانيا إلى الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية. 

وتقول معاريف: “يعلم بوريل أنه في ضوء التعزيز الكبير للأحزاب اليمينية في أوروبا، سيكون من الأسهل على إسرائيل التعامل مع القارة بعد رحيله".