عام على الطوفان.. هكذا سلمت الأنظمة العربية غزة فريسة للاحتلال الإسرائيلي
"النظام العربي الرسمي تفسخ وانتهى منذ 30 عاما"
مع مرور عام كامل على العدوان الإسرائيلي على غزة، يتوالى صمت وخنوع الأنظمة العربية إزاء الإبادة الإسرائيلية المتواصلة بحق 2.3 مليون فلسطيني في القطاع.
فبينما لم يخفت تضامن الشعوب العربية مع الفلسطينيين، ظهر النظام الرسمي العربي عاجزا عن اتخاذ موقف موحد تجاه إسرائيل للجم عربدتها ووقف حمام الدم في غزة.
حيث أودى العدوان بحياة نحو 42 ألف فلسطيني، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وجرح نحو 96 ألفا، حسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية بالقطاع، وذلك منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
فضلا عن تدمير شامل نال منظومتي الصحة والتعليم والمنازل والمنشآت، والبنية التحتية، حتى صار مئات آلاف الفلسطينيين يعيشون في خيام بمناطق شبه صحراوية تفتقر إلى أي مقومات حياة.
عجز وتواطؤ
ولحق الدمار الذي سببته إسرائيل بأكثر من 70 ألفا من الوحدات السكنية في غزة، في حين وصل عدد النازحين قسرا إلى 1.9 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرضي الفلسطينية المحتلة "أوتشا".
وما يزال مئات الآلاف من الأطفال والنساء بغزة يتضورون جوعا، بينما تعجز أنظمة عربية تغذي دولها الغرب بالنفط، في استخدامه كسلاح سياسي ضاغط في وجه إسرائيل لإغاثة هؤلاء.
وكثيرا ما يستدعي البعض من الذاكرة حظر النفط العربي كقرار اتخذته الدول العربية لمواجهة العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية، والذي استهدف الولايات المتحدة والدول الداعمة للاحتلال في حرب أكتوبر 1973.
وآنذاك قرر الزعماء العرب حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل في 17 أكتوبر 1973، بهدف بلورة سياسة عربية موحدة، والضغط على المجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
وعقب أقل من شهر على بدء العدوان الإسرائيلي لغزة دعا الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، في تصريحات صحفية، الأنظمة العربية إلى اتخاذ مواقف ملموسة لدعم أهل غزة.
وأبرزها إلغاء كل أشكال التطبيع مع إسرائيل وطرد سفرائها من الدول التي طبعت معها، بالإضافة إلى استخدام ورقة النفط للضغط على تل أبيب والحلفاء الغربيين الذين يدعمونها.
إلا أنه على المستوى الرسمي للدول العربية فإن بيانات الإدانة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي غزة هو أقصى ما جرى فعله إلى جانب بعض المساعدات الإنسانية المحدودة وبموافقة مشروطة مسبقا من الاحتلال لإدخالها برا أو إلقائها من الجو في أكبر مشهد لحالة الخزي.
وما كان لافتا أن أغلب الأنظمة العربية منعت شعوبها حتى من تنظيم المظاهرات المناصرة لفلسطين ولأهالي غزة.
الجوار العربي
في مصر وهي أول دولة عربية توقع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل في عام 1979، أغلق نظام عبدالفتاح السيسي منذ اللحظة الأولى معبر رفح الحدودي في وجه الفلسطينيين، وأحكم الخناق على غزة استجابة للاحتلال.
وحينما كانت سيارات المساعدات تعبر من مصر إلى غزة، انتشر تسجيل مصور لرجل مصري يقذف بفاكهة البرتقال إلى داخل تلك السيارات التي تمر إلى جواره والمحملة بالمساعدات إلى قطاع.
وفي ذاك المشهد عبّر فيه المصري عن حالة الخذلان التي يعيشها نظام السيسي الذي لم ترتق جهوده الإغاثية حتى لمستوى معاناة فلسطيني غزة.
لكن في مصر ما يزال يعبّر عن التضامن مع غزة ضد العدوان الإسرائيلي من خلال حملات المقاطعة للشركات الأجنبية الداعمة لإسرائيل، بينما تم تفريق تظاهرات خرجت في الشارع بسرعة أواخر عام 2023.
وضمن هذه الجزئية، كتب وزير الخارجية التونسي السابق رفيق عبدالسلام عبر منصة “إكس”: "العالم يشاهد وعلى الهواء مباشرة حالة الإيغال في دماء الفلسطينيين بعد تجويعهم وتعطيشهم والتنكيل بهم، وما هو أشد مضاضة هو أن مصر المجاورة والدول العربية لا تفعل شيئا سوى إصدار البيانات والتصريحات، وبعضها ضالع في الجريمة أصلا مع سابقية الإضمار والترصد".
وأضاف عبدالسلام في 29 فبراير/ شباط 2024 أن ما يجرى "إجرام من مصر التي تمتنع عن إدخال المساعدات بزعم أنها ليست مسؤولة عن الجهة الأخرى من المعبر، ومعها نظام رسمي عربي مفلس جمع بين العجز والتواطؤ".
الحكومة الأردنية بدورها استمرت بمد إسرائيل بالخضار لتعويض النقص الذي سببه العدوان على غزة، وطوقت الاحتجاجات الشعبية المنددة بالاحتلال.
وأظهرت بيانات رسمية من وزارة زراعة الاحتلال الإسرائيلي أن الأردن من بين الدول التي استمرت في تصدير الخضار والفواكه إلى "إسرائيل" خلال فترة العدوان على غزة، وذلك وفقا لتقرير الوزارة الذي شمل الفترة من 8 أكتوبر 2023 إلى 11 فبراير 2024.
من جانبه، عزل نظام بشار الأسد نفسه عن "محور المقاومة" الداعم لفلسطين بعد السابع من أكتوبر 2023، ولم يسهم في "إسناد غزة" عسكريا على الرغم من تخمة الشعارات العريضة التي أطلقها سابقا ضد إسرائيل وترديده أن القضية الفلسطينية هي قضيته "الأولى".
خزي الخليج
وبينما كان الاحتلال يرتكب في غزة المجزرة تلو المجزرة كانت السعودية عبر هيئة الترفيه منشغلة بتنظيم الحفلات والترويج حتى لداعمي الاحتلال من الشركات المتعاقدة معها.
حيث تحدى رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ حملة المقاطعة الشعبية العربية للمنتجات والسلع الداعمة لإسرائيل نصرة لغزة.
فخرج في تسجيل مصور يروج لتناول وجبات شركة "ماكدونالدز" للوجبات السريعة على الرغم من إعلان هذه الشركة دعمها لإسرائيل وتقديم الوجبات لجنود الاحتلال المقتحمين لغزة.
كما لم تسمح السعودية بخروج أي مظاهرة داعمة لغزة من قبل مواطنيها منذ السابع من أكتوبر 2023.
أما الإمارات فقد تصدرت لائحة الدول التي زادت قيمة صادراتها إلى الاحتلال الإسرائيلي عقب أكتوبر 2023.
إذ شهدت صادرات أبوظبي زيادة بقيمة 201 مليون دولار، تلتها الولايات المتحدة التي زادت صادراتها بما قيمته 174 مليون دولار، وذلك بحسب أحدث بيانات التجارة الخارجية التي أصدرها المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي في 27 يونيو/ حزيران 2024.
وضمن هذا السياق، أكد المحلل السياسي أحمد الهواس لـ "الاستقلال" "أن النظام الرسمي العربي لم يبذل من الأساس جهودا لوقف المذبحة في غزة بل وقف يمني النفس أنت تنتهي غزة".
وأضاف: "يوجد لدى الأنظمة العربية لا سيما تلك التي استعادت عافيتها بعد الربيع العربي أو أنظمة الثورات المضادة مصلحة في القضاء على غزة ومقاومتها وكسر إرادتها".
وتابع: "أو بإقرار أن المقاومة لم تعد قادرة على القتال بعد نفاد الذخائر ويصبح القتال بغزة حالة من الهلاك وتتمكن إسرائيل من كسر المقاومة بشرط أن تعود غزة لسلطة محمود عباس وربما تدخل قوات دولية وعربية".
وذهب هواس للقول: "النظام العربي مشارك رئيس في إبادة غزة سواء من جريمة الحصار على القطاع أو منع القتال وهذا يستوجب محاكم دولية".
وأمام ذلك، كانت تجمع التظاهرات الشعبية العربية نصرة لغزة على اعتبار "التطبيع خيانة" و"فلسطين أمانة".
كما ردد المتظاهرون في البحرين والمغرب اللذين طبعا على غرار الإمارات العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل منذ أواخر العام 2020 برعاية أميركية.
وقبيل تظاهرة في المنامة منتصف سبتمبر 2024، قال الشاب البحريني أحمد، في تصريح صحفي، "تتجاهل حكومتنا مثل بقية الحكومات العربية مطالب شعوبها، بما فيها قطع العلاقات مع الكيان (الإسرائيلي) الغاصب وطرد سفيره".
ثورة عارمة
ويعبر عن هذه الجزئية الصحفي أسعد طه بقوله عبر منصة إكس:"لا أظن أن هناك مرحلة تضامن فيها العرب على اختلافاتهم مع فلسطين، كما هو الحال الآن، الكل غاضب وحزين، ويشعر بالعجز والقهر".
واستدرك قائلا: "فيما الأنظمة لم تأخذ خطوة تضامنية واحدة، ولا حتى طرد سفراء الكيان، بل مازالت ترسل بضاعتها إلى الكيان، وأغلقت معابرها ليموت الناس في غزة جوعا وعطشا إن لم يموتوا بالقصف، بل وتمنع في أغلبها التظاهر، والناس حزينة وغاضبة إلى أقصى حد، لكنها لم تتحرك بعد، لم تنفجر".
وأضاف: "تخيلت أن غزة أقوى من صفعة بو عزيزي، وأن تخاذل الأنظمة في دعمها، بل ومناصرة عدوها سببا كافيا لثورة عارمة لا تبقي ولا تذر، لكن هذا لم يحدث".
فيما لم يتفاجأ أستاذ العلوم السياسية خليل العناني، بالموقف الرسمي العربي إزاء المجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق غزة، "لأن النظام العربي تفسخ وانتهى منذ 30 عاما، وبالتالي لا يمكن الحديث عن موقف عربي موحد".
وقال العناني في مقابلة تلفزيونية في نهاية أكتوبر 2023 إن أحد الأسباب التي جعلت إسرائيل تستبيح الدماء الفلسطينية في غزة مرتبط بقناعتها إلى حد بعيد بعدم وجود رد فعل عربي مناسب للفعل الإسرائيلي.
وقسّم العناني المواقف العربية بشأن غزة إلى "مواقف تتماهى مع الموقف الإسرائيلي في إلقاء اللوم على المقاومة الفلسطينية، ومواقف تحاول الضغط باتجاه تحقيق هدنة إنسانية، ومواقف أخرى خارج الخدمة ولا صوت لها إزاء ما يحدث في غزة".
بدوره يرى مدير منطقة شمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية ريكاردو فابياني "وجود الكثير من المصالح لدى بعض الدول العربية التي تحول دون تغيير الوضع، مثل اتفاقيات التعاون الأمني والدعم الدبلوماسي ونقل التكنولوجيا العسكرية فضلا عن الاستفادة من الدعم الأميركي".
وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية في 3 أكتوبر 2024، أن "هناك أيضا مسألة عدم التراجع أمام الضغوط الشعبية، الذي قد يشكل سابقة خطرة بالنسبة لجزء غير يسير من تلك البلدان".