عسكرة وانقلاب.. كيف واجه برلمان وشعب كوريا الجنوبية الأحكام العرفية؟
جاء قرار رئيس كوريا الجنوبية كرد فعل على رفض المعارضة للميزانية
بذريعة حماية البلاد من قوات داخلية موالية لكوريا الشمالية وضلوع المعارضة في أنشطة مناهضة للدولة أعلن رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول تطبيق "الأحكام العرفية" في عموم البلاد، لكن رفضها البرلمان، مما دفعه للتراجع عنها، فيما هددت المعارضة بعزله إن لم يقدم استقالته.
رئيس كوريا الجنوبية قال أثناء إعلانه فرض الأحكام العرفية في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024 إن قراراته تهدف للقضاء على القوات الموالية لكوريا الشمالية والحفاظ على الحرية والنظام الدستوري.
وجاء قرار رئيس كوريا الجنوبية كردّ فعل على رفض المعارضة للميزانية المقترحة للعام 2025، بالإضافة إلى مطالبتها بفتح تحقيق مستقل مع زوجة الرئيس في قضايا فساد أثارت الجدل في البلاد.
والأحكام العرفية هي مجموعة من القواعد والتدابير الاستثنائية التي تلجأ إليها الدولة في ظل ظروف طارئة تسمح لها بصورة مؤقتة بتعطيل كل أو بعض القوانين السارية فيها، لدرء الأخطار التي تتعرض لها البلاد.
وبدورها، أصدرت وزارة الدفاع بيانا دعت فيه قادة الجيش إلى الاجتماع وتوخي الحذر واليقظة، فيما دعت المعارضة نوابها إلى الحضور للبرلمان بعد إعلان الأحكام العرفية.
وسرعان ما تطور الوضع، وخرج المواطنون إلى الشوارع في احتجاجات واسعة ضد قرار سوك يول، وتجمع الآلاف حول مبنى البرلمان في العاصمة سيول رفضا للقرار، مرددين هتافات من قبيل "إنهاء الأحكام العرفية" و"القبض على يون سوك يول".
وأقامت الشرطة، التي كانت في المنطقة سياجا من الأسلاك حول مبنى البرلمان للسيطرة على الحشد ولمنع المتظاهرين من دخوله.
وعقب قرار سوك يول، عقد البرلمان جلسة للمطالبة برفع الأحكام العرفية، وتم قبول المقترح المقدم بالإجماع، خلال الجلسة التي حضرها 190 عضوا من أصل 300.
وبعد ساعات قليلة أذعن الرئيس للبرلمان، وغادرت القوات العسكرية الشوارع ووقعت استقالات جماعية، حيث قدم كبار المسؤولين في المكتب الرئاسي في سيول، ومنهم رئيس الفريق الرئاسي، استقالاتهم بشكل جماعي.
كما تقدمت أحزاب سياسية بينها الحزب الرئيس المعارض في كوريا الجنوبية بطلب لعزل سوك يول، معلنة عزمها مقاضاته وعدد من كبار معاونيه الأمنيين بتهمة "التمرد".
وأشاد ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، بتمكن نواب كوريا الجنوبية من عقد جلسة تحدوا بها إرادة رئيس البلاد، وتصويتهم برفض فرض الأحكام العرفية، وعدوا ذلك بمثابة تأكيد على استقلالية البرلمان في مواجهة ضغوط السلطة التنفيذية وتمثيل الشعب والوقوف إلى جانبه.
وعبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، "فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #كوريا_الجنوبية، #الأحكام_العرفية، استغربوا سعي رئيس هذه الدولة الآسيوية المستقرة، لعسكرة الدولة والانقلاب على الديمقراطية.
وتداول ناشطون صورا ومقاطع فيديو تضم مشاهد لقوافل من الدبابات والطائرات المروحية في محيط العاصمة "سيول"، وأخرى للمواجهات بين الجيش والشعب وقعت عقب إعلان حالة الطوارئ في البلاد.
عسكرة وانقلاب
وتحليلا للأحداث، عد أستاذ العلوم السياسية عصام عبدالشافي، أن إعلان حالة الطوارئ في كوريا الجنوبية وتعيين الجنرال بارك آن سو قائدا عاما لتنفيذ الأحكام العرفية في البلاد، بذريعة مواجهة الشيوعيين في البلاد المدعومين من روسيا وكوريا الشمالية "عسكرة للدولة".
وأشار إلى أن عسكرة الدولة جرت بتوجيه أميركي تحسبا لأي هجوم تشنه كوريا الشمالية على البلاد في ظل التصعيد المستمر في جنوب شرق آسيا كأحد مسارح العمليات الثلاثة الكبرى للحرب العالمية الثالثة.
وأكد الكاتب والباحث أحمد دعدوش، أن ما يحدث في كوريا الجنوبية هو نتيجة صراعات إقليمية وتنافس بين محور الصين وكوريا الشمالية ومحور الولايات المتحدة، وليس مجرد خلاف داخلي بين الرئيس والمعارضة.
وقال إن الديمقراطية في هذا البلد هشة، ولها تاريخ طويل مع الفساد، واقتصادها الصناعي الضخم يعتمد أساسا على تكتلات عائلية تشبه النظام الإقطاعي.
وأضاف دعدوش، أن الأنظار كانت موجهة إلى تايوان على تقدير أنها بؤرة الصراع الجديد بعد أوكرانيا، ويبدو أن كوريا الجنوبية أصبحت مهددة الآن باحتمال تحولها إلى مسرح لهذا الصراع.
ورأى السياسي الجزائري عليلي محمد، أن قرار رئيس كوريا الجنوبية مفاجئ من دولة ديمقراطية واقتصاد قوي بدا الاتجاه إلى عسكرة المنطقة مثل الشرق الأوسط تمهيدا للحرب.
ولفت المغرد تامر، إلى أن سيول تتحول إلى قاعدة عسكرية، قائلا: “نقترب شيئا فشيئا من حرب عالمية مدمرة”.
وأوضح إلياس العمراني، أن ما يحدث في كوريا الجنوبية "انقلاب صريح على الديمقراطية وعلى الشرعية التي طالما تغنى بها الغرب الرافع لشعار الحرية!!".
وأشار إلى أن الذي حدث بالضبط هو أن المعارضة لها توجه وحدوي، أي أنها تؤمن بحتمية الوحدة بين الكوريتين، بينما الحكومة لها توجه عدائي لكوريا الشمالية، وهي جد مقربة من الولايات المتحدة الأميركية التي وصفها بـ"رأس الشر والفتن في كل مكان".
ولفت العمراني، إلى أن المعارضة بحسب تشكيلة البرلمان لها قوة برلمانية واضحة، ومن أجل الضغط على الحكومة تلجأ بشكل متكرر إلى إحباط القوانين التي تزيد من العداء لكوريا الشمالية وتمنع من أسباب الوحدة والتوافق، وتلجأ أيضا لفتح تحقيقات قضائية بتهم فساد ضد كثير من القادة السياسيين التابعين للحكومة وذلك للضغط أكثر على القرارات المضادة للوحدة.
وأضاف: "قد يفاجئكم الأمر لكن كوريا الجنوبية بها فساد كبير في دواليب السلطة قاد حتى رؤساء البلاد وملاك أكبر الشركات للسجن".
وأوضح العمراني، أن بسبب هذه الضغوطات القوية والمتكررة لجأ الرئيس الكوري بإيعاز من رأس الشر أميركا إلى إقرار الأحكام العرفية بالبلاد وحلّ البرلمان ومنع نشاط الأحزاب السياسية.. وكل هذا من أجل لجم قوة المعارضة المهيمنة على البرلمان.
وقال: "هكذا هو حال الغرب الديمقراطي.. إذا رأى أن الديمقراطية (التي هي رأي الشعب) تخالف أهواءه ومخططاته فإنه يجهضها في الحين دون تردد".
صوت الشعب
وإشادة بموقف الشعب الكوري وبرلمانه، قال الروائي عمار علي حسن، "لأنه برلمان حقيقي منتخب يمثل الشعب فعلا رفضت الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية إعلان الرئيس الأحكام العرفية، تحت ذرائع من قبيل الخوف على الدولة، وعلاقة بعض المعارضين بالغريم الكوري الشمالي".
وأضاف: “رئيس أراد أن ينقلب على الدستور، ويحول نظاما سياسيا ديمقراطيا إلى دكتاتورية، فوجد ممثلي الشعب يتصدون له.”
وأوضح الكاتب رفيق عبدالسلام، أن “الفرق بين كوريا الجنوبية ودول العرب، هو أنه إذا وقع انقلاب وتعد على الدستور عندهم تفزع أميركا وأوروبا والأمم المتحدة فتقف ضده، ومعها مؤسساتهم الداخلية لكسره ورده على أعقابه”.
وتابع: “ وإذا وقع انقلاب عندنا يدعمه الأميركان والروس والأعراب والأعاجم كل لحساباته الخاصة، ويكون هذا الدعم أكثر فجاجة إذا كان ضد قوة إسلامية وطنية”. وقال إن هذا ما يفسر محنة الديمقراطية في العالم العربي.
وقال وليد جبابلة، إن الشعب وخلفه البرلمان في كوريا الجنوبية يوقف قرار الرئيس وخلفه العسكر بفرض الأحكام العرفية في البلاد بصفته قرارا خاطئا في مواجهات لم نر فيها قتيلا واحدا، متسائلا: “ألا ينبغي أن نتعلم منهم؟!”
وقال الكاتب والصحفي عبدالله العمادي، إن الرئيس الكوري الجنوبي حاول أن يقلد بعض زعماء الشرق الأوسط، ويطلب من الشعب أمرا وتفويضا لمواجهة العنف والإرهاب المحتمل، فأعلن الأحكام العرفية وسط ذهول العالم.
"لكن الشعب الواعي قال له: العب غيرها، ونزل الألوف للشوارع، وما هي إلا ساعات حتى تراجع سيادة الرئيس يوون سوك وألغى الأحكام العرفية، وانتهت المغامرة.. ويستعد الآن لمواجهة احتمالية عزله وحتى طرده من حزبه".
وأضاف: "هكذا هي الشعوب الواعية التي لا ترقص لأي ديكتاتور ولا تعده بشرى خير، بل بؤرة شر لا بد من تحجيمها فورا ، قبل أن تتسع وترتفع كلفة المواجهات، متسائلا: “هل يستفيد العالم العربي والإسلامي من هذه الدروس المجانية ؟!”
وأشارت المغردة إيما، إلى أن الشعب الكوري كله نزل الشارع معلنا رفضه قرار رئيس كوريا الجنوبية فرض الأحكام العرفية ووضع زمام الأمور في يد الجيش، متسائلة: “ليه في مصر نزلوا رقصوا وهللوا وأخدوا الدبابات بالحضن؟”
وأكد المغرد حمزة، أن الشعب الكوري الجنوبي متعلم تعليم راقٍ جدا ومثقف جدا ورافض تماما عسكرة السياسة في بلدهم وتأسيس دكتاتورية عسكرية جديدة، متوقعا اقتراب نهاية الرئيس الكوري الجنوبي.
وقال شريف سيد، إن شعب كوريا الجنوبية لن يقبل عسكرة دولته، ولن يقبل أن يجوع أو يهان أو يفقد ثرواته وموارده وأجزاء من أراضيه، مضيفا: "شعوب واعية تستحق التحية والتقدير فكيف بنا نحن الذين على دين الإسلام وفي بلادنا نشبع ذلا وهوانا ".
وأشادت ماجدة أم يحيى مخلوف، بنزول شعب كوريا الجنوبية إلى الشارع احتجاجا على انقلاب رئيسهم على البرلمان، قائلة: "شعب تربى على الديمقراطية لا يمكن أن يقبل الانقلاب على الدستور وعلى برلمان منتخب".
وأضافت: "لم يقل لا حاجة لنا الى الديمقراطية، والحرية ما توكلش الخبز حتى يصبح كل معارضيه في السجن وكل إعلامييه مطبلين، ونقاباته تتخلى عن منظوريها بحثا عن رضا الحاكم".
تنديد واستنكار
واستنكارا لتحركات رئيس كوريا الجنوبية، قال الباحث حزام بن سعود السبيعي، إن يون سوك يو دخل التاريخ كأحد الرؤساء المتهورين في العالم، حيث أعلن فجأة فرض الأحكام العرفية في البلاد، وتبعه نشر القوى الأمنية والعسكرية في محيط الجمعية الوطنية (البرلمان).
وأشار إلى أن قرار سوك أربك العالم وحبس أنفاسه وأدى إلى توقف الحياة في كوريا، لافتا إلى أن هذه أول مرة تعلن فيها الأحكام العرفية فيها منذ أكثر من 50 عاما.
وأوضح السبيعي، أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي سارعوا إلى الضغط على "سوك يو" للعودة إلى الإجراءات القانونية الطبيعية، فيما اجتمع البرلمان الكوري وصوت على إلغاء أوامر الرئيس، إلا أن الجيش أعلن وقوفه مع الرئيس وعدم الانصياع لقرار البرلمان.
ورأى أستاذ العلوم السياسية عبدالله الشايجي، أن رئيس كوريا الجنوبية جنى على نفسه في تخبط وسوء استخدام السلطة وتجاوز لصلاحياته لعقاب المعارضة والشيوعيين واتهمهم بالتعاطف مع كوريا الشمالية.