نفوذ فوق الأنقاض.. ما الدور الذي ترغب دول الخليج بلعبه في غزة؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

تسعى دول خليجية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، عبر لعب دور في مستقبل قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي مدمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويدعي موقع "القناة 12" العبرية أن كلا من قطر والإمارات والسعودية ترغب في تقديم الدعم المالي لإعادة إعمار قطاع غزة لكن ليس فقط لأسباب إنسانية، بل أيضا لتعزيز نفوذها وإعادة تشكيل الخريطة السياسية في الشرق الأوسط.

وفي هذا الإطار، يستعرض الموقع دوافع كل دولة من الدول الخليجية الثلاث في تعزيز النفوذ وتحقيق أكبر قد ممكن من السيطرة على القطاع.

ويزعم الموقع العبري أن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس يحيى السنوار، كان الشخصية المحورية التي حالت دون تحقيق تقدم في صفقة لتحرير الأسرى الإسرائيليين ووقف إطلاق النار في غزة.

ولكن بعد استشهاده في عملية عشوائية، إلى جانب مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله، أُعيد إحياء مسألة "اليوم التالي"، بداية في غزة، ثم في الشرق الأوسط بأكمله.

وينقل الموقع عن تقديرات الأمم المتحدة أن "مجرد إزالة الأنقاض من جميع أنحاء قطاع غزة قد يستغرق 15 عاما، بينما قدر خبراء تكلفة إعادة الإعمار الكلفة المالية بأكثر من 80 مليار دولار". 

ونتيجة لذلك، يبرز أنه "ستكون هناك حاجة إلى جهات دولية رئيسة مستعدة لاستثمار مبالغ كبيرة من أجل إعادة الإعمار، بل وللموافقة على إرسال قوات عسكرية، سواء لدعم محور فيلادلفيا (الحدودي بين مصر غزة) ومعبر رفح أو لمراقبة الحدود بين القطاع وإسرائيل".

وعند النظر إلى دول المنطقة، يشير الموقع إلى ثلاث جهات رئيسة شاركت أو قد تكون منخرطة في المهمة المستقبلية الطويلة.

الجهة الأولى تتمثل في قطر التي ضخت 30 مليون دولار نقدا شهريا إلى قطاع غزة لمدة خمس سنوات حتى اندلاع الحرب.

أما الجهة الثانية فهي الإمارات، التي كانت أول دولة عربية تدعم علنا وجود قوة متعددة الجنسيات في غزة بعد الحرب.

والجهة الثالثة والأخيرة هي المملكة العربية السعودية، التي تجري محادثات (من أجل تطبيع العلاقات) مع إسرائيل في السنوات الأخيرة. 

وفي هذا الصدد، تستعرض "القناة 12" العبرية حسابات هذه الجهات الخليجية الثلاث الأساسية، التي تدرك أنه "لكي تحتفظ بزمام السيطرة في المنطقة وتشكل قوة مؤثرة في مواجهة دولة (الملالي)، يجب عليها المرور عبر أنقاض غزة".

الأكثر خبرة

وبالحديث عن الجهة الأولى، يقول الموقع العبري إنه "لا توجد جهة خليجية ذات خبرة في التدخل بقطاع غزة أكثر من قطر". 

فمنذ عام 2018، قدمت قطر لغزة منحة شهرية بقيمة 30 مليون دولار، موزعة على ثلاثة مكونات؛ 100 دولار لـ 100 ألف أسرة محتاجة، و10 ملايين دولار لشراء الوقود من مصر، و10 ملايين دولار للوقود اللازم لتشغيل محطة الكهرباء في غزة.

جدير بالإشارة هنا إلى أن العديد من الانتقادات وُجهت في ذلك الوقت إلى موافقة إسرائيل على هذه الخطوة.

ولكن بالنظر إلى عملية "طوفان الأقصى" والبنية التحتية التي طورتها حماس تحت الأرض (الأنفاق)، يلفت الموقع إلى أنه "من الواضح إلى أين ذهب معظم التمويل"، وفق زعمه.

علاوة على ذلك، يدعي الموقع أن "قطر ضخت أموالا لنظام حماس في غزة قبل ذلك". 

فوفقا لمصدر تحدث مع شبكة "صوت أميركا"، قدمت الدوحة مساعدات بين عامي 2012 و2021 تشمل الغذاء والأدوية والكهرباء، بالتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة، بإجمالي بلغ 1.49 مليار دولار.

ومن ناحية أخرى، توضح "القناة 12" أن "قطر هي الدولة الخليجية الأساسية التي تستضيف وترحب بقيادات حماس، وكان أبرزهم رئيس المكتب السياسي الأسبق، إسماعيل هنية، حتى اغتيل في طهران". 

وبالإضافة إلى هنية، يقيم هناك أيضا مسؤولون كبار آخرون، من بينهم رئيس مجلس الشورى محمد درويش. 

وفي هذا السياق، يؤكد الموقع أن "هذا الدعم القطري يضعها في موقع أحد الوسطاء الرئيسين مع حماس"، لافتا إلى أنه "رغم ذلك، فإن جهود الوساطة هذه لم تحقق نتائج كبيرة منذ هجوم 7 أكتوبر".

وعلى جانب آخر، كجزء من سياستها الخارجية المعتادة، تتبع قطر إستراتيجية "اللعب على جميع الساحات"، على حد وصف الموقع العبري. 

فعندما كان من المناسب لها إظهار الانفتاح على الغرب خلال كأس العالم 2022، سمحت لإسرائيل بتشغيل ممثلية قنصلية في الدوحة. 

وفي حين أنها تستضيف قوات أميركية في قاعدة "العديد" الجوية، تدير الدوحة أيضا ذراعها الإعلامية "الجزيرة"، كما ورد عن الموقع. 

جدير بالذكر هنا أن بث الرسائل المناهضة لتل أبيب عبر القناة القطرية أدى إلى إصدار الكنيست (البرلمان) قانونا، بداية أبريل/ نيسان 2024، يقضي بإغلاق نشاطها في إسرائيل، وفق قول الموقع.

وفي إطار ما ذُكر سابقا، ينوه إلى أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وفريقه "يستفيدون من الوضع الذي جعل الجميع يسعى للتواصل معهم؛ حركة حماس بسبب إقامة قادتها في الدوحة، والولايات المتحدة بسبب وجودها العسكري في البلاد والحاجة إليها كوسيط". 

ويضيف الموقع العبري أن "قطر تستغل هذا الموقف ليس فقط على الساحة الفلسطينية، بل حتى في أفغانستان من خلال الوساطة في المحادثات بين الدول الغربية وحركة طالبان".

وبهذا الشأن، ينقل الموقع عن أريئيل أديموني، طالب الدكتوراه الباحث في شؤون قطر بجامعة "بار إيلان"، قوله إن "السياسة الخارجية القطرية تقوم على عدم وضع كل البيض في سلة واحدة". 

ويضيف: "تفضل قطر أن تستمر حماس في السيطرة على قطاع غزة بعد اليوم التالي، لكنها مستعدة لسيناريوهات مختلفة لضمان بقائها مؤثرة". 

ومع ذلك، يرى الباحث أنه "في حالة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع، فمن المتوقع أن تكون قطر مجرد لاعب مؤثر بين العديد من اللاعبين، على عكس علاقتها الوثيقة بحماس".

قوة دولية

وبالنظر إلى الجهة الخليجية الثانية، توضح "القناة 12" العبرية أن "الإمارات تسعى لأن تصبح لاعبا مهما في قطاع غزة". 

"ورغم أن جزءا كبيرا من تحركاتها يتم خلف الكواليس، إلا أن رؤيتها أصبحت معلنة"، بحسب ما يؤكده الموقع. 

فقد كتبت مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية، لانا نسيبة، في مقال بصحيفة "فايننشال تايمز"، في يوليو/ تموز 2024، أن "أبوظبي تدعم إنشاء قوة متعددة الجنسيات في قطاع غزة كمرحلة انتقالية نحو إقامة دولة فلسطينية". 

وفي سبتمبر/ أيلول 2024، غرد وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، على منصة "إكس" بأن "الإمارات ستوافق على المشاركة في اليوم التالي، بشرط قيام دولة فلسطينية". 

وعلى جانب آخر، يلفت الموقع إلى أن "الإمارات، لعبت دورا مؤثرا في ساحات مختلفة لأكثر من عقد؛ حيث تدخلت بعمق في الحرب الأهلية في اليمن ضد الحوثيين، لكنها اليوم تمتنع عن مساعدة الأميركيين ضدهم كنوع من (إغلاق الدائرة)". 

وأضاف: "كما يظهر تأثيرها العسكري بشكل خاص في إفريقيا، من خلال تقديم الدعم العسكري لدول مثل إثيوبيا ومالي والمغرب". 

وأخيرا، نشر الجيش السوداني توثيقا لمعدات عسكرية زُعم أنها "جاءت من الإمارات ووقعت بيد قوات الدعم السريع".

وفي غزة، تشارك الإمارات حاليا بشكل أساسي في المجال الإنساني، حيث يزعم الموقع أن "57.2 بالمئة من المساعدات الإنسانية التي أُسقطت من الجو كانت إماراتية". ورغم ذلك، ينوه إلى أن "الإمارات لا تحظى بشعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني".

إذ أظهر استطلاع لـ "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية"، في سبتمبر 2024، أن 19 بالمئة فقط من الفلسطينيين راضون عن أدائها في الحرب، مقارنة مع 43 بالمئة لقطر و44 بالمئة لحزب الله و69 بالمئة لليمن بفضل الحوثيين.

وفي هذا السياق، يشير الموقع العبري إلى أن رئيس الشؤون الإقليمية في معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب "يوئيل غوجانسكي" يرجع انخفاض هذا الدعم الشعبي لتطبيع الدولة الخليجية مع إسرائيل عام 2020.

ويقول الباحث: “بالنسبة للإماراتيين، من المهم إظهار دعمهم للقضية الفلسطينية، لكنهم لا يبالغون في ذلك”.

وواصل: "هم اللاعب الأكثر نشاطا في غزة، سواء من خلال مشاريع تحلية المياه، أو إقامة مستشفيات ميدانية، أو نقل الحالات الطبية الحرجة إلى الإمارات بالتنسيق مع إسرائيل، التي تفضلهم على قطر".

وفي هذا السياق، يسلط الموقع العبري الضوء على أن "النتائج غير المشجعة للإماراتيين في الاستطلاعات جاءت رغم تحركاتهم الدبلوماسية".

فقد أعلنت وزيرة الدولة للتعاون الدولي، ريم الهاشمي، في يوليو/تموز 2024 أن "بلادها قد تدرس نشر قوة دولية في قطاع غزة، بشرط أن تأتي بدعوة من الحكومة الفلسطينية"، قاصدين بذلك حكومة الرئيس محمود عباس وليس حركة حماس.

وبحسب غوجانسكي، فإن هذا "التشدد الظاهري في المواقف ينبع من تزايد الشعور المناهض لإسرائيل في الخليج إثر الصور القادمة من غزة". 

وفي هذا الصدد، يقول: "على الإماراتيين والسعوديين أن يشاركوا في هذا المشهد إذا كانوا يريدون كسب الشرعية الشعبية".

وأردف: "ترغب الإمارات في استغلال قدراتها ومواردها في قطاع غزة لتعزيز نفوذها على حساب قطر، ولبناء علاقة أقوى مع الولايات المتحدة". 

وبين أن "الإمارات ترى في حماس جزءا من الإخوان المسلمين والإسلام السياسي، ولذلك سيكون من دواعي سرورها زوالهم".

إلى جانب ذلك، أفاد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني الذي يُعرف بقربه من قطر (حسب وصف الموقع العبري)، في يوليو 2024، بأن "الإمارات تعمل مع إسرائيل والولايات المتحدة على إنشاء لجنة وطنية لإدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب".

وبين أن هذه اللجنة ستكون برئاسة محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، والمقيم في أبوظبي، وهو شخص مقرب من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد.

ورغم أنه نفى -بحسب الموقع- هذه الأنباء عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة، فإن الشائعات حول دوره المحتمل في إدارة غزة بعد الحرب تثير تساؤلات.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث البارز في مركز "ديان" بجامعة تل أبيب البروفيسور عوزي رابي، إن "دول الخليج فقدت الثقة ليس فقط في حكم حماس في قطاع غزة، بل أيضا في محمود عباس في رام الله". 

ويضيف: فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الصراع في غزة، إذا حدث ذلك، فإن السياسة السعودية تتلخص في "لا لحماس ولا لعباس"، وفي هذا السياق، يمكن أن يكون شخص مثل دحلان، بصفته قياديا في فتح ومن غزة، خيارا مرحليا للحل في الفترة الانتقالية".

الخوف من إيران

وأما فيما يخص آخر اللاعبين الخليجيين، وأكبرهم وأقواهم، كما تصفه "القناة 12" العبرية، فإن "السعودية يمكنها بقرار واحد إحداث تغيير عالمي". 

وفي سبتمبر 2023، يذكر الموقع أن الرئيس الأميركي جو بايدن طرح مشروع ممر "IMEC" الذي يربط بين ميناء بيرايوس في اليونان مرورا بإسرائيل والأردن والسعودية والإمارات، وصولا إلى الهند. 

وكانت أجواء التطبيع بين إسرائيل والسعودية، زعيمة العالم السني، في ذروتها حتى جاءت هجمات 7 أكتوبر 2023 وقلبت موازين الشرق الأوسط.

وفي هذا الصدد، يلفت الموقع النظر إلى أنه "على الرغم من مرور أكثر من عام على الحرب، لم تتراجع السعودية بشكل نهائي عن هذه المحادثات". 

والمطلب الأساسي -من وجهة نظره- هو الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية، إذ تدرك السعودية أن التطبيع سيؤدي إلى موجة من العلاقات الكاملة مع إسرائيل، وسيكون ذلك أكثر تأثيرا من اتفاقيات أبراهام عام 2020. 

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية في سبتمبر 2024، قال ولي العهد محمد بن سلمان لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: "لا يهمني الفلسطينيون".

ومع ذلك، يرى الموقع العبري أنه "يتعين على محمد بن سلمان الاستماع إلى المشاعر المؤيدة للفلسطينيين بشكل أكبر من محمد بن زايد، وذلك لأن السعودية هي حامية الأماكن المقدسة". 

جدير بالإشارة إلى أن استطلاعا أجراه "معهد واشنطن"، ونُشر في ديسمبر/ كانون الأول 2023، أظهر أن "96 بالمئة من السعوديين يدعمون قطع كل العلاقات مع إسرائيل احتجاجا على العمليات العسكرية في غزة".

وبالقول إن "ولي العهد ينظر إلى أهداف طويلة المدى يمكن تحقيقها من خلال التطبيع مع إسرائيل"، يشير الموقع إلى أنه "في المحادثات التي تجرى بدعم أميركي، تطالب السعودية بموافقة على برنامج نووي مدني وطائرات إف 35 وتحالف دفاعي". 

وهنا، تبرز "القناة 12" العبرية أن "التهديد الذي تخشاه السعودية ليس من إسرائيل، بل من إيران". 

وتابعت: "فمنذ ثلاث سنوات ونصف السنة تعمل إسرائيل ضمن القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، وفي الاجتماعات الإقليمية، هناك توافق على أن التهديد الإقليمي الأكبر يأتي من النظام الإيراني".

وبتأكيده على أن القضية الفلسطينية ليست ضمن أولويات ابن سلمان بشكل كبير، يقول الباحث البارز في مركز "ديان" بجامعة تل أبيب البروفيسور عوزي رابي: “ما يهمه هو كيفية حماية المملكة إذا تصاعدت تهديدات إيران”.

"فحماس وحزب الله يُنظر إليهما في السعودية على أنهما يمثلان عقبتين في الشرق الأوسط".

ويضيف: "السؤال هو كيف نواجه إيران؟ الجميع يتحدث عن مرحلة ما بعد الحرب، لكن إسرائيل بحاجة إلى حماية أمنها".

ورأى أن "الحل لا يكمن في إسرائيل أو السعودية وحدهما، بل يعتمد على الولايات المتحدة أو على قوة أوروبية فعّالة، وهذه القوة يجب أن تمتلك وسائل ردع حقيقية، في حين تسهم السعودية والإمارات بتمويل الجهود".

وفي هذا السياق، يذكر الموقع العبري أن السعودية كانت قد تعرضت لهجوم إيراني (عبر الحوثيين) استهدف منشآت شركة "أرامكو" النفطية الوطنية في سبتمبر 2019، وهي تدرك جيدا دوافع طهران. ومن هنا، يمكن القول إن "إمكانية مشاركة المملكة في غزة تُعد كبيرة". 

وفي النهاية، يختتم رابي بقوله إن "السعوديين ليسوا ساذجين ولا يمكن التعويل عليهم لإرسال قوات إلى غزة، إنهم يفضلون تقديم المساعدة من الخارج من خلال مبادرات في مجالات مثل الغاز والمياه". 

ولأن السعودية لن تدخل طالما تسيطر حماس على غزة، يرى أنه "لا بد من إنشاء إدارة عسكرية مؤقتة هناك لتفريغ الحركة من قدراتها المدنية وكسر حاجز الخوف لدى السكان". 

وبذلك، تختتم "القناة 12" تقريرها بالقول إنه "عندما تُزال حماس من المشهد الشرق أوسطي، سنرى السعودية تسهم بشكل فعلي"، وفق تعبيرها.