هدية ماكرون لملك المغرب في ذكرى عيد العرش.. لماذا أغضبت الجزائر؟
"هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة تمت بدون أي تقييم متبصر للعواقب"
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة وجهها لملك المغرب محمد السادس في 30 يوليو/ تموز 2024، اعتراف بلاده بمخطط المغرب بخصوص الحكم الذاتي لإقليم الصحراء "في إطار السيادة المغربية كأساس وحيد لحل دائم للقضية".
ووجه ماكرون بهذا الاعتراف "ضربة قاسية" للجزائر تزامنا مع احتفال المملكة المغربية بالذكرى الـ25 لعيد العرش، بحسب مجلة “فورميكي” الإيطالية.
وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، لتتحول العلاقة بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى نزاع مسلح استمر حتى عام 1991، وتوقف بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأعلنت "البوليساريو" قيام ما سمته "الجمهورية العربية الصحراوية" عام 1976 من طرف واحد، اعترفت بها بعض الدول بشكل جزئي، لكنها ليست عضوا بالأمم المتحدة، وفي المقابل عمل المغرب على إقناع العديد من هذه الدول بسحب اعترافها بها في فترات لاحقة.
ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته وهو طرح أعلنت إسبانيا دعمها إياه، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
عواقب وخيمة
وقالت المجلة إن "تاريخ 30 يوليو 2024 سيبقى في الذاكرة لفترة طويلة في المغرب، ليس لأنه يصادف الذكرى 25 لاعتلاء محمد السادس عرش الرباط فحسب، بل لأنه تزامن مع تحقيق نصر دبلوماسي ذي أهمية بالغة، ستكون له عواقب مهمة على المملكة في المستقبل".
وبهذه الخطوة انضمت باريس إلى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإسبانيا و"جزئيا" ألمانيا.
وكانت الأخيرة قد عدت في عام 2022 مقترح الحكم الذاتي الذي تطرحه المملكة "قاعدة جيدة" لحل نزاع إقليم الصحراء.
وفي رسالة موجهة إلى ملك الرباط، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسميا أنه "يعتقد أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية".
وأكد ماكرون "ثبات الموقف الفرنسي حول هذه القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة"، وأن بلاده "تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي".
وشدد بأنه بالنسبة لفرنسا "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الإطار الذي يجب من خلاله حل القضية".
وقال إن "دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت"، مضيفا أن هذا المخطط "يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
وأكد أن هناك "توافقا دوليا يتبلور اليوم ويتسع نطاقه أكثر فأكثر"، مؤكدا أن "فرنسا تضطلع بدورها كاملا في جميع الهيئات المعنية"، وخاصة من خلال دعم بلاده لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ولمبعوثه الشخصي.
وشدد ماكرون في رسالته: "حان الوقت للمضي قدما. وأشجع، إذن، جميع الأطراف على الاجتماع من أجل تسوية سياسية، التي هي في المتناول".
وأعرب الرئيس الفرنسي عن التزامه بأن "تواكب فرنسا المغرب في هذه الخطوات لفائدة الساكنة المحلية".
مبادرة مهمة
من جانبها، تتفق المجلة الإيطالية مع ما جاء في بلاغ الديوان الملكي المغربي الذي نوه بقرار فرنسا، العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، قائلا إنه "يمثل تطورا هاما وذا دلالة هامة لدعم السيادة المغربية على الصحراء".
ونقلت بأنه يندرج في "إطار الدينامية التي ينخرط فيها العديد من البلدان من مختلف مناطق العالم، لصالح الوحدة الترابية للمغرب ومشروع الحكم الذاتي، بوصفه مبادرة في إطار حصري لحل هذا النزاع الإقليمي".
كما نوهت المجلة الإيطالية بالقول إن هذا "القرار يأتي تتويجا للعمل الدبلوماسي الذي قام به محمد السادس والذي أتى بثماره مع البلدان الأخرى".
وتابعت: "هذا الموقف الذي أعلنه ماكرون هو موقف وطني لفرنسا صادر عن أعلى سلطة دستورية بالبلاد، بغض النظر عن الظروف السياسية".
وزادت بأنه يندرج ضمن " ديناميكية بدأت في السنوات الأخيرة باعتراف الولايات المتحدة في ديسمبر 2020 بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، ودعم خمسة عشر دولة أوروبية لمخطط الحكم الذاتي وافتتاح حوالي ثلاثين قنصلية بالعيون والداخلة".
وزعمت المجلة أن "فرنسا تدعم من خلال هذا القرار تنمية منطقة الصحراء وتعمل على إيجاد حل برفضها سياسات الحصار".
من جانبها، أكدت الرباط أن "قرار فرنسا يعكس عدالة القضية الوطنية المغربية والدعم المتزايد لوحدة أراضي المغرب ويأتي تزامنا مع الاحتفال بعيد العرش".
بهذا القرار، أكدت المجلة أن فرنسا تعطي "حياة جديدة للعلاقات الإستراتيجية متعددة الأبعاد".
حل سياسي
وبحسب العديد من المراقبين، يتوافق هذا القرار مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تعد اقتراح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية الذي قدمه المغرب منذ عام 2007 "جديا وذا مصداقية".
كما دعت المنظمة الأممية وبلدان أخرى جميع الأطراف إلى إيجاد "حل سياسي وعادل ودائم ومقبول من الطرفين على أساس التوافق".
وكانت فرنسا قد قررت قبل إعلان ماكرون، تقديم الدعم الصريح لمخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية تحت سيادة الرباط، مع إبلاغ الجزائر بهذا القرار.
وقال بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، في 25 يوليو إن "فرنسا أبلغت السلطات الجزائرية بفحوى هذا القرار في الأيام الأخيرة" مبدية "استنكارا شديدا" حيال "قرار غير منتظر" اتخذته الحكومة الفرنسية.
وأكد البيان أن الجزائر "ستستخلص النتائج والعواقب كافة التي تنجر عن هذا القرار وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك".
وجاء فيه أن "الحكومة الجزائرية أخذت علما، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة، وقد تم إبلاغ السلطات الجزائرية بفحوى هذا القرار من قبل نظيرتها الفرنسية في الأيام الأخيرة".
وتابع البيان "على ما يبدو، فإن القوى الاستعمارية، القديمة منها والحديثة، تعرف كيف تتماهى مع بعضها البعض وكيف تتفاهم مع بعضها البعض وكيف تمد يد العون لبعضها البعض".
وأكد بيان أخر صدر عن الخارجية الجزائرية قرار الجزائر سحب سفيرها لدى فرنسا احتجاجا على إعلان باريس دعم مخطط الحكم الذاتي بإقليم الصحراء.
وجاء فيه "قررت الحكومة الجزائرية سحب سفيرها لدى الجمهورية الفرنسية بأثر فوري، على أن يتولى مسؤولية التمثيل الدبلوماسي الجزائري في فرنسا من الآن فصاعدا قائم بالأعمال".
وأضاف: "لقد أقدمت الحكومة الفرنسية على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضا في إقليم الصحراء".
وتابع: "هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة قد تمت من قبل الحكومة الحالية باستخفاف واستهتار كبيرين بدون أي تقييم متبصر للعواقب التي تنجر عنها".