باحث إيراني: نظام طهران هش ولن يدخل حربا مباشرة مع إسرائيل (خاص)

يوسف العلي | a month ago

12

طباعة

مشاركة

قال الباحث والمعارض الإيراني، يوسف عزيزي، إن النظام في إيران لن يدخل في حرب مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، وسيكتفي بالتهديدات، لكن من الممكن أن ينفذ ضربة لإسرائيل وهجمات في الخليج أو دول أخرى، سواء عن طريق الحرس الثوري أو عبر أذرعه في المنطقة.

وأوضح عزيزي في حوار مع "الاستقلال" أن "النظام الإيراني دفع بشخصية إصلاحية لتولي رئاسة إيران، لأنه يشعر بقدوم المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى قيادة الولايات المتحدة الأميركية مجددا، إضافة إلى أنه أراد أن يعطي تصورا للغرب بأن (الرئيس) مسعود بزشكيان يمكن التفاهم معه".

وأشار الباحث إلى "سبب داخلي آخر دفع النظام لإفساح المجال أمام بزشكيان، هو أنه أراد أن يعمل تنفسيا للداخل، خصوصا أن الأخير وعد الشعوب غير الفارسية مثل العرب والترك والأكراد والبلوش والسُنة برفع الظلم والتمييز عنهم".

وشدد على أن أكثر ما يقلق النظام هو قضية القوميات غير الفارسية، لذلك كان بزشكيان يؤكد خلال حملته الانتخابية، أن العرب مضطهدون في إيران ويُسرق نفطهم وغازهم، وكذلك البلوش وأهل السُنة مضطهدون في بلادنا.

وتطرق إلى أن من الأسماء المتداولة حاليا لخلافة المرشد الإيراني علي خامنئي، هو نجله مجتبى، والآخر يدعى آية الله مير باقري، وهو متشدد ولديه تيار يطلق عليه "تيار الصمود"، وأن المرشح الرئاسي السابق سعيد جليلي، هو أحد أبرز مناصريه.

ويوسف عزيزي كاتب وباحث إيراني معارض من الأحواز العربية يكتب في عدد من الصحف، ويظهر في العديد من الفضائيات العربية والعالمية، وهو أيضا أمين عام مركز "مناهضة العنصرية" في إيران.

إيران وإسرائيل

  • برأيكم إلى أين يمكن أن يصل الصراع بين إيران وإسرائيل بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران؟

النظام الإيراني يُظهر للخارج، وخصوصا للعالم العربي أنه قوي، لكنه في الداخل هش ولا يقوى على المواجهة.

فمنذ أكثر من 10 سنوات تقصف إسرائيل التواجد الإيراني في سوريا، وقتلت العديد من قادة الحرس الثوري والعناصر التابعة لهم، دون أن ترد إيران.

إيران كانت تبرر عدم الرد بأنها تتبع سياسة الصبر الإستراتيجي، لكن عندما قصفت إسرائيل مقر القنصلية الإيرانية بالعاصمة السورية دمشق في أول أبريل/ نيسان 2024، لم يستطع حينها النظام الإيراني التملص من الرد.

ورأينا الرد الإيراني في 13 أبريل، بإطلاق نحو 400 صاروخ وطائرة مسيّرة على إسرائيل لكن لم يصبها إلا القليل جدا، لذلك إيران اليوم تعرف أنها إذا بدأت حربا مباشرة مع الجانب الإسرائيلي فإن الولايات المتحدة الأميركية ستتدخل.

ولأن النظام الإيراني يعرف أن وضعه الداخلي هش وغير مستقر، فإنه لا يريد الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل وأميركا إضافة إلى دول غربية أخرى.

  • هل نفهم من ذلك، أن إيران تخشى أيضا على مكتسباتها في المنطقة المتمثلة بتمددها في أربع عواصم عربية؟

ممكن أن ينفذ النظام الإيراني ضربة لإسرائيل وأعمالا أخرى في الخليج أو دول أخرى، إضافة إلى أن الحرس الثوري صرّح أيضا بأن الرد سيكون عبر المقاومة وإيران، وبهذا ترك الباب مفتوحا.

النظام الإيراني خلال السنوات الأخيرة كان يستخدم المجاميع التابعة له في المنطقة سواء بالعراق أو اليمن ولبنان وسوريا لشن هجمات متفرقة ضد إسرائيل.

لذلك أنا أستبعد أن توجه طهران ضربة إلى الداخل الإسرائيلي كما فعلت تل أبيب وانتهكت سيادة إيران، أو تنفذ هجوما رمزيا بعد التنسيق مع الأميركيين.

إيران لا تريد الدخول في حرب مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكنها تكتفي بالتهديد فقط.

فهي تعرف جيدا أنها إذا وجهت ضربة قوية إلى إسرائيل، فإن الرد سيكون أقوى من الغرب، أو أنه يحول دون وصول الصواريخ والمسيّرات إلى تل أبيب، لذلك هي تتجنب مثل هذا الأمر.

الدليل، أنه عندما قتلت الولايات المتحدة، قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020، كان رد إيران هزيلا، وحصل بعدما نسّقوا مع الحكومة العراقية.

والأخيرة أبلغت الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالهجوم، وبعدها قصفوا قاعدة عين الأسد بالعراق، ولم يقتلوا جنديا أميركيا واحدا. 

الإصلاحيون يقودون

  • ماذا يعني وصول شخصية من التيار الإصلاحي في الوقت الحالي لرئاسة إيران.. هل دفع النظام باتجاه وصول مسعود بزشكيان للرئاسة؟

في الانتخابات الرئاسية عام 2021، كان هناك مرشح واحد تقريبا، هو إبراهيم رئيسي، من التيار المحافظ الذي يتطابق مع أفكار المرشد الإيراني علي خامنئي، أما المرشحون الآخرون، فلم يكونوا بمستوى المنافسين، لذلك كانت نسبة المشاركة فيها قليلة، ووصلت إلى 47 بالمئة.

وفي الانتخابات التشريعية لمجلس الشورى الإيراني (البرلمان) التي جرت في مارس/آذار 2024، أيضا كانت نسبة المشاركة منخفضة ووصلت إلى نحو 41 بالمئة، وفقا للأرقام الصادرة عن السلطات الإيرانية.

يضاف إلى ذلك، الاحتجاجات التي عمت إيران بعد مقتل الشابة، مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق في 2022، واستمرت لأشهر عدة، وكاد النظام الإيراني أن يتزعزع.

كل هذه العوامل دفعت قادة غرف استخبارات النظام الإيراني إلى تنبيه المرشد علي خامنئي من أن الاستمرار بهذا الأمر، وعدم وجود انتخابات فيها منافسة بين الأجنحة (محافظين وإصلاحيين) - كون إيران ليس فيها أحزاب- فإن مصيرنا سيكون إلى الزوال.

وبناء على ذلك، فإن خامنئي ومجلس صيانة الدستور (أعلى هيئة تحكيم في إيران) كونهم هم من يقررون من يشارك في انتخابات الرئاسة من عدمه، قرروا تزكية مسعود بزشكيان، ليس فقط لأنه إصلاحي، وإنما أيضا لأنه من القومية التركية الأذرية.

النظام الإيراني ضرب عصفورين بحجر واحد، فدفع نحو دعم بزشكيان وهو إصلاحي وتركي في الوقت نفسه، لأن ثلث إيران هي من الأتراك الأذريين.

لذلك من حسم الأمر لصالح الأخير وخسارة منافسه المحافظ سعيد جليلي، هي الأصوات التي حصل عليها الأول من المحافظات ذات الغالبية الأذرية.

لهذا كانت حركة ذكية من النظام الإيراني من أجل دفع الإيرانيين للمشاركة في الانتخابات.

ورغم ذلك كانت المشاركة في الجولة الأولى نحو 40 بالمئة بمعنى أن 60 بالمئة قاطعوا، وفي الجولة الثانية وصلت إلى 48 بالمئة، والمقاطعون أكثر من 50 بالمئة.   

  • هل تتغير سياسة إيران الخارجية في ظل رئاسة رئيس إصلاحي؟

الهدف من إتيان خامنئي، بمسعود بزشكيان وفسح المجال أمامه للوصول إلى الرئاسة، وأيضا معرفته بأنه يمكن أن يفوز هو أن الإصلاحيين والقومية التركية وراءه، كل ذلك لتصوّر النظام الإيراني أن المرشح الأميركي الجمهوري دونالد ترامب سيصل لرئاسة الولايات المتحدة.

لهذا كان النظام الإيراني بحاجة إلى شخصية إصلاحية تتولى الرئاسة، حتى يعطي تصورا للأوربيين بأن هذا الرئيس معتدل وممكن أن يتعامل معكم، لأن وصول المحافظ سعيد جليلي قد يسبب مواجهة مع إدارة ترامب المحتملة.

أما السبب الداخلي، فإن النظام أراد أن يعمل تنفسيا للداخل، خصوصا أن بزشكيان وعد برفع الحظر المفروض على الكثير من المواقع الإلكترونية.

وكذلك وعد الشعوب غير الفارسية مثل العرب والترك والأكراد والبلوش والسُنة برفع الظلم والتمييز عنهم.

كما أن بزشكيان وعد خلال حملته الانتخابية بالحد من تشدد شرطة الأخلاق ضد المرأة الإيرانية، وهذه كلها بتوصية من المفكرين الاستخباراتيين الإيرانيين التي أوصوا بها خامنئي من أجل التنفيس في المجتمع الإيراني.

النووي والعقوبات

  • هل تتوقعون أن يجرى تطور في الاتفاق النووي خلال عهد مسعود بزشكيان بعد شبه توقف للمحادثات في عهد سلفه إبراهيم رئيسي؟

المفاوضات بين طهران وواشنطن كانت تجرى في سلطنة عُمان في أواخر عهد إبراهيم رئيسي.

وذلك لأن الإيرانيين وصلوا إلى قناعة بأن العقوبات الغربية كسرت ظهر  إيران.

لهذا بدأوا بمقدمات التفاوض مع الولايات المتحدة لاستئناف الاتفاق النووي المبرم في 2015، والذي ألغاه ترامب عام 2018.

وفي حال فازت مرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس بالرئاسة الأميركية، فإن الأمر سيكون أسهل للإيرانيين.

وذلك لأن اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة تأثيره أكثر على الديمقراطيين، كما حصل في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي أبرم الاتفاق النووي مع إيران.

  • إذا وصل المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة.. كيف سيتعامل مع إيران في الملف النووي؟

ترامب في حملته الانتخابية يتحدث عن أنه لا يريد من إيران أن تطوّر سلاحا نوويا، ولا يذكر قضية المليشيات التابعة لها أو الصواريخ الباليستية.

لذلك قد تستجيب وتتنازل إيران في ملف النووي إذا زادت عليها الضغوط الأميركية، وأن حصول صفقة أمر وارد في هذا السياق.

كيف تقرأ مستقبل النظام الإيراني في حال استمرت العقوبات الغربية والنقمة الداخلية عليه؟

النظام الإيراني يستخدم أساليب مختلفة من أجل استمرار حياته، منها القمع والأيديولوجية الدينية التي تؤثر في كل حال، رغم أن 60 بالمئة من الشعب غير راغب بها، وإنما نحو 20 بالمئة هم من يعتنقها ويدافع عنها.

في إيران نحو 80 بالمئة من الشعب إما إصلاحيون أو معارضون، لهذا فإن النظام يعرف وضعه جيدا داخل المجتمع الإيراني، لكن هذا لا يعني أنه يسقط بعد أسبوع أو  شهر أو سنة.

النظام يعمل في أحيان كثيرة بعض التنفيس للإيرانيين، وخصوصا في ما يتعلق بالانتخابات، ويجعل المنافسة بين الأجنحة (إصلاحيون، ومحافظون)، لذلك يعرف أين يشد وأين يرخي.

مصير الاحتجاجات 

  • لماذا توقفت الاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت بين عامي 2019 و2022 في إيران وخاصة بعد مقتل مهسا أميني؟

عوامل الاحتجاجات لا تزال موجودة في إيران، أولها التمييز الصارخ ضد المرأة، والأمر الثاني الاضطهاد القومي ضد الشعوب غير الفارسية، والعامل الثالث هو التفاوت الطبقي الفاحش في المجتمع.

ولا تزال السجون الإيرانية ممتلئة بالنساء المناضلات الرافضات لسياسات النظام، إضافة إلى أن الشعوب الإيرانية ما زالت محرومة من التعليم بلغتها الأم.

وأعني هنا الأكراد والعرب والبلوش والترك الأذريين، وهم يشكلون أكبر نسبة للمعتقلين والمحكومين بالإعدام في إيران.

ورغم أنه مكتوب في الدستور الإيراني أن العربية هي اللغة الثانية في البلاد، لكن النظام لا يسمح لملايين العرب في الأحواز بذلك، وإنما تُفرض عليهم الفارسية من المرحلة الابتدائية، وهذا الشيء ينطبق على 50 بالمئة من الإيرانيين. 

كما أن هناك أنواعا أخرى من الاضطهاد القومي في إيران يصل حد العنصرية إزاء العرب.

بسبب طبيعة النظام الاقتصادي الإيراني الـ"نيوليبرالي" (يعتمد بشكل أكبر على القطاع الخاص والمختلط)، فإن العمال والمعلمين والمتقاعدين هم من الطبقات المسحوقة في البلاد، لذلك في كل يوم تخرج مظاهرات من هذه الشرائح تطالب بحقوقها وتحسن وضعها.

  • هل ما زالت مناطق مثل الأحواز العربية وكُردستان وبلوشستان وأذربيجان وغيرها من المناطق ذات الغالبية السنية والكردية تقلق النظام؟

نعم، ومن بين العوامل الثلاث التي ذكرتها، فإن العامل الأكثر الذي يقلق النظام الإيراني، هو قضية القوميات غير الفارسية.

لذلك كان يؤكد بزشكيان في حملته الانتخابية أن العرب مضطهدون في إيران ويُسرق نفطهم وغازهم، وكذلك البلوش وأهل السنة مضطهدون في بلادنا.

وعلى هذا الأساس، جاءت أغلب أصوات بزشكيان من المناطق ذات الغالبية الأذرية التركية والكردية والعربية والبلوشية، بينما كانت مناطق ذات الأغلبية القومية الفارسية هي من منحت أصواتها إلى منافسه سعيد جليلي.

أكبر خطر يشعر به النظام الإيراني، هو الشعوب غير الفارسية وأهل السنة، فبسبب الاضطهاد العميق والحراك الحاصل في مناطق بلوشستان، لا يكاد يمر يوم واحد من دون وقوع صدامات هناك ومقتل مسؤولين ومواطنين، حتى أصبح الأمر أشبه بالحرب الأهلية.

الحكم والمعارضة

  • من يخلف خامنئي في منصب المرشد الأعلى للثورة في إيران؟ 

يشدد النظام على إخفاء هذا الموضوع، وأن هناك لجنة داخل مجلس الخبراء تنتقي الوجوه المناسبة لخلافته، وهي تتكتم على هذه القضية بشكل كبير.

لكن من الأسماء المتداولة حاليا مجتبى نجل علي خامنئي، والآخر يدعى آية الله مير باقري، وهذا متشدد ولديه تيار يطلق عليه "تيار الصمود"، فيما يعد سعيد جليلي المرشح الرئاسي السابق، هو أحد أبرز مناصريه.

  • ما حقيقة وجود صراع داخل مؤسسات النظام الايراني، وخصوصا الأمنية والعسكرية؟

ما زال خامنئي على قيد الحياة ولذلك رغم وجود صراع بين الأجنحة لكنه لا يدعه يتسع، ولاسيما بين الجيش والحرس الثوري، وبين الأخير والاستخبارات.

يوجد داخل الحرس الثوري، مجموعة يطلق عليها اسم "وحدة مندوبي الولي الفقيه"، وهذه يشرف عليها رجال الدين، وعن طريقها يمسك خامنئي بكل المؤسسات الأمنية والعسكرية.

لكن في حال توفي يمكن أن تتغير هذه الحالة، لأن الأمر يتطلب وقتا حتى يستطيع من يخلفه أن يكون مثله.

الصراع في إيران حاد بين التيارات المختلفة في الحرس الثوري، هناك جماعات توالي جهات داخل النظام نفسه، وحتى بعضها يتبع التوجه الملكي السابق في عهد الشاه.

  • ما فاعلية حركات المعارضة في الداخل الإيراني، مثل: منظمة مجاهدي خلق، وأخرى أحوازية وكردية وبلوشية؟

هذه الحركات كان لها تأثير وخصوصا في الاحتجاجات التي حصلت إثر مقتل الشابة مهسا أميني عام 2022، وكانت تحرك المحتجين في الداخل، لكن تشتت المعارضة أدى إلى نجاح النظام في قمعها.

على سبيل المثال، فإن تيار الملكيين بزعامة نجل الشاه رضا بهلوي، على الضد تماما مع “منظمة مجاهدي خلق”، وهكذا هي الخلافات بين سائر التيارات المهمة في المجتمع الإيراني.

هناك خمسة تيارات رئيسة في إيران هي: “الملكيون ومجاهدو خلق والشعوب غير الفارسية واليساريون، والقوميون الفرس”.

وهؤلاء لم يوحدوا صفهم والأمور بينهم ليست متصافية، لأن الاحتجاجات في 2022 كان بإمكانها أن تزعزع النظام، لكن الخلافات والتشتت بين المعارضة أفشل ذلك. 

في الوقت الحالي الكل ينتظر تنفيذ الرئيس الإصلاحي الجديد مسعود بزشكيان للوعود التي أطلقها، خصوصا في القضايا الاقتصادية والاجتماعية وحقوق الإنسان، والشعوب غير الفارسية، وقضايا المرأة وغيرها.