مبادرات لاستئناف التعليم في غزة رغم التدمير.. ما إمكانيات نجاحها؟

خالد كريزم | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

للعام الثاني على التوالي، لم تتوجه الطالبة سالي معين كعشرات الآلاف من الطلاب في قطاع غزة إلى مقاعد الدراسة، بفعل استمرار العدوان الإسرائيلي، متخوفة من ضياع مستقبلها التعليمي.

وهذه الطالبة (19 عاما) كان من المفترض أن تنتهي من الثانوية العامة "توجيهي" في 2023، العام الذي بدأ فيه العدوان، لكنها لم تتمكن من التقدم للاختبارات لتفقد القدرة على بدء الحياة الجامعية، وفق ما أخبرت "الاستقلال".

وبدأ العام الدراسي الجديد مطلع سبتمبر/أيلول 2024 في وقت يعيش معظم الغزيين في الخيام وأماكن النزوح بسبب العدوان الذي دمر كل أشكال الحياة بما فيها المؤسسات التعليمية.

حرمان من التعليم

ويحرم الاحتلال الإسرائيلي 650 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم للعام الثاني مع استمرار الحرب، بحسب ما قالت وزارة التربية والتعليم العالي في قطاع غزة، من بينهم 88 ألفا من طلبة الجامعات.

وأضافت الوزارة خلال بيان لها في 9 سبتمبر أن العدوان تسبب حتى نهاية أغسطس/آب 2024 في استشهاد أكثر من 11500 طفل فلسطيني في سن التعليم المدرسي، وإصابة عشرات الآلاف من الأطفال بجراح وإعاقات جسدية وصدمات نفسية.

كما استشهد أكثر من 750 موظفا من العاملين في حقل التعليم وأصيب الآلاف، مع تعمد الاحتلال استهداف عشرات المباني المدرسية والإدارية ما تسبب بخروج 92 بالمئة منها عن الخدمة، وفق ذات المصدر.

وذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الاحتلال استهدف خلال شهر أغسطس وحده 16 مبنى مدرسيا ما تسبب في تدميرها دون الاستناد إلى أي مبرر فعلي.

وبين المرصد في 8 سبتمبر، أن استهدافات الشهر الأخير أدت إلى استشهاد 217 وإصابة المئات، عدد كبير منهم من النساء والأطفال.

وأكد أن التحقيقات الأولية التي أجراها فريقه الميداني تشير إلى تعمد الاحتلال تدمير ما تبقى من مراكز الإيواء، بما فيها المدارس والمنشآت العامة، بهدف خلق بيئة قسرية تكره السكان المدنيين على ترك مناطق سكناهم والنزوح قسرا نحو وسط وجنوب القطاع.

وحرم العدوان الإسرائيلي الموسع 39 ألف طالب ثانوية عامة من قطاع غزة من التقدم لامتحان الثانوية العامة للعام 2023 بما فيهم الطالبة سالي معين.

وتقول إنها كانت تحلم بإنهاء اختبار الثانوية لتلتحق بتخصص تكنولوجيا المعلومات في الجامعة الإسلامية التي دمرها قوات الاحتلال في اجتياحها الواسع للقطاع.

وتتخوف الطالبة معين من عدم تمكنها من اجتياز هذه المرحلة من حياتها خلال العام الدراسي الذي بدأ بالفعل مع استمرار العدوان.

وأحدث العدوان آثارا نفسيّة عميقة على الطلّاب والمعلّمين، ما يفاقم الظروف الصعبة القائمة بفعل توقف العملية التعليمية واستمرار النزوح والقتل والتدمير. 

ويواجه الطلاب على وجه الخصوص تأثيرات خطيرة، بما في ذلك الضغط النفسيّ والصدمة والقلق والاكتئاب والذعر بسبب الشعور بفقدان مستقبلهم جراء التوقف عن إكمال مسيرتهم التعليمية قسرا.

تدمير ممنهج

وإلى جانب جامعة الطالبة سالي معين، دمرت قوات الاحتلال جميع الجامعات الرئيسة في قطاع غزة البالغ عددها 12، وأبرزها جامعات الأزهر والأقصى والقدس المفتوحة إضافة إلى كليات ومعاهد عديدة.

وعمل الاحتلال على تدمير هذه المؤسسات التعليمية تمامًا أو تحويلها إلى ثكنات عسكريّة ومراكز احتجاز وتحقيق.

وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا، في 7 سبتمبر إن لديها "ما يقرب من 200 مدرسة في قطاع غزة جرى إغلاقها جميعاً منذ أكتوبر/ تشرين الأول، واستخدم العديد منها كملاجئ طوال الحرب". 

ومنذ بدء العدوان، تعرض أكثر من نصف مرافق أونروا للقصف وغالبيتها العظمى مدارس، وفقاً لتقارير سابقة للأمم المتحدة، موضحة أن بعضها دمر بالكامل وهي خارج الخدمة.

وكانت وكالة أونروا قالت في وقت سابق، إن 76 بالمئة من مدارس قطاع غزة بحاجة إلى إعادة بناء أو تأهيل بشكل كبير، لتتمكن من العمل مجدداً. 

وقدر تقرير صدر في مارس/آذار 2024 من البنك الدولي، و"الأونروا"، والاتحاد الأوروبي تكلفة الأضرار في قطاع التعليم بغزة بمبلغ 341 مليون دولار.

وبلغت نسبة الاستهداف المباشر للمباني المدرسيّة 61 بالمئة للمدارس الحكومية، و44 بالمئة للمدارس التابعة لوكالة الأونروا.

كما وصلت إلى نسبة 44 بالمئة للمدارس الخاصّة، وفق تقرير صدر في مايو/أيار 2024 عن مركز إبداع المعلّم، بالشراكة مع الهيئة الوطنيّة للمؤسّسات الأهليّة والائتلاف التربويّ الفلسطينيّ.

وتشير بيانات التقرير إلى تفاوت معدلات الدمار في المدارس من منطقة لأخرى.

إذ بلغت نسبة الدمار الكلّيّ والجزئيّ في المدارس 62.9 بالمئة في شمال القطاع، و28.6 بالمئة في مدينة غزّة.

كما بلغت ما نسبته 14.3 بالمئة في وسط القطاع، و22.9 بالمئة في خانيونس، و17.1 بالمئة في رفح، جنوب القطاع.

ويؤكّد هذا التقييم على الدمار واسع النطاق الذي تعرّض له القطاع التعليميّ في غزة، ما أثّر على مجموع 813 مدرسة بالمجمل.

مبادرات للنهوض

وأمام ذلك، لم يقف المدرسون والمؤسسات التعليمية مكتوفي الأيدي ودشنوا مبادرات فردية لإلحاق طلاب الجامعة والمدارس للتعليم وإن كان بشكل غير رسمي أو منتظم.

ففي الأول من يوليو 2024، أعلنت الجامعة الإسلامية بغزة عن استئناف الدراسة لمن يرغب من طلبة البكالوريوس ممن تتوفر لديهم الأدوات اللازمة للدراسة عبر نظام التعليم الإلكتروني عن بعد.

كما أكدت على تأجيل استيفاء الرسوم الدراسية عند التسجيل “تقديرا للظروف الاستثنائية الصعبة التي يمر بها الطلبة وذووهم وأبناء شعبنا، ودعما لصبرهم وصمودهم”.

واتخذ الكثير من الجامعات نفس الخطوة حرصا على استئناف العملية التعليمية، في وقت تتعثر فيه آمال توقيع صفقة لإنهاء العدوان وتبادل الأسرى.

فيما أطلق معظم جامعات الضفة الغربية ومن بينها جامعات النجاح وبيرزيت والخليل وغيرها، مبادرات بعنوان “إعادة الأمل إلى طلاب غزة” من أجل استكمال تعليمهم إلكترونيا كطلبة زائرين.

لكن هذا النظام يواجه بالعموم تحديات عديدة أبرزها عدم توفر الكهرباء والإنترنت والحواسيب من أجل الدراسة والنزوح المتكرر وغياب الأماكن الآمنة.

وبدورهم، دشن عدد من المعلمين مبادرات فردية تعليمية داخل المدارس التي ينزحون فيها من أجل تعليم الأطفال.

فعلى سبيل المثال، أنشأت المعلمة إسراء أبو مصطفى فصلا دراسيا في خيمة محاطة بركام المنازل المدمرة في خانيونس، لتعليم الأطفال والحفاظ على مستواهم الدراسي وتطويره رغم العدوان.

كما بنى آخرون خياما على أنقاض منازلهم لتعليم الأطفال في المرحلة الابتدائية، حيث انتشر العديد من مقاطع الفيديو والصور أخيرا لهذا النوع من المبادرات.

 فيما فضّل بعض المعلمين الجمع بين التعليم والألعاب والأنشطة الترفيهية بهدف تنمية قدرات الأطفال النازحين في المدارس ومراكز الإيواء.