4 محاور عسكرية تقسم غزة.. هكذا تخطط إسرائيل لاحتلال القطاع
إسرائيل تنوي إعادة احتلال قطاع غزة عبر تقسميه إلى 4 محاور
منذ بداية التوغل البري، قسمت قوات الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة إلى قسمين ليصبح هناك محوران يحددان المناطق التي يوجد بهما السكان، شمال وجنوب.
لكن مع صعوبة القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس، بدأ الاحتلال في إضافة محاور جديدة داخل المحورين الرئيسين ليصبح عددها أربعة حتى الآن.
ومن خلال إنشاء المزيد من المحاور العسكرية، تهدف قوات الاحتلال إلى تسهيل استهداف المقاومة الفلسطينية وعزلها إضافة إلى تهجير السكان وإعادة احتلال قطاع غزة وبناء مستوطنات.
وخلال نوفمبر/تشرين الثاني 2024، كشفت وسائل إعلام عبرية من بينها صحيفة هآرتس، عن نية إسرائيل إعادة احتلال قطاع غزة عبر تقسيمه إلى 4 محاور منفصلة عن بعضها البعض.
4 محاور
المحور الأول والأشهر يقع في منطقة نتساريم وسط قطاع غزة، التي تفصل شماله عن جنوبه، وقد اشتهر منذ بداية العدوان بعدما هجر الاحتلال من خلاله السكان إلى الجنوب.
وهذه المنطقة كانت في السابق عبارة عن مستوطنة تحمل اسم نتساريم قبل أن ينسحب الاحتلال عام 2005 من قطاع غزة تحت ضربات المقاومة.
وأقام الاحتلال هذا المحور بعرض 8 كيلومترات وطول 7 كيلومترات ليقطع اليوم قطاع غزة بشكل عرضي من الشرق إلى الغرب وطولي من الشمال إلى الجنوب.
وبسبب هذا المحور الذي أصبح بمثابة قاعدة عسكرية، لا يستطيع مئات الآلاف من الذين نزحوا إلى جنوب القطاع مع بداية العدوان، العودة إلى منازلهم في الشمال.
أما الثاني فهو محور صلاح الدين أو "فيلادلفيا" عند الحدود المصرية الفلسطينية، الذي تمركزت فيه قوات الاحتلال بعد اقتحام معبر ومدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة في مايو/أيار 2024.
ومع اقتحامه، تحكمت إسرائيل بكامل المنطقة الحدودية مع مصر وأغلقت المعبر وجرفته لتمنع دخول وخروج الأفراد وتتحكم بالمساعدات الداخلة إلى القطاع.
ورغم المطالبات الدولية بفتح المعبر والخروج من رفح، بقيت سلطات الاحتلال في المدينة، بذريعة تجفيف منابع حماس العسكرية ومنع دخول السلاح عبر الأنفاق الحدودية.
ونفت حماس مرارا وجود أنفاق على الحدود، التي أغرقتها مصر بالكامل خلال عهدي محمد حسني مبارك وعبد الفتاح السيسي.
وعرقل رفض إسرائيل الانسحاب من المحورين السابقين، كل محاولات وقف إطلاق النار وإتمام صفقة تبادل إسرائيل، منذ الهدنة المؤقتة التي جرت في نوفمبر 2023.
ومع دخول قضية الصفقة في حالة جمود منذ شهور طويلة، بدأت إسرائيل خططا جديدة كان آخرها إنشاء المحور الثالث الذي يعرف باسم جباليا أو "مفلاسيم"، ويقسم شمال القطاع عن مدينة غزة.
ونشرت وسائل إعلام عبرية في 10 نوفمبر 2024، خريطة جديدة للقطاع أظهرت عمل الجيش على شق هذا المحور الذي يبدأ من أقصى شرق بلدة جباليا ويصل إلى ساحل البحر المتوسط أقصى غرب بلدة بيت لاهيا.
وجاء إنشاء المحور، بعد أسابيع من الترويج لـ"خطة الجنرالات" التي تهدف لتفريغ شمال قطاع غزة من الفلسطينيين، تمهيدا لعودة الاستيطان إليه.
و"خطة الجنرالات" كشف عنها موقع يديعوت أحرونوت العبري، في 4 سبتمبر/ أيلول 2024، وتهدف إلى "تحويل كامل المنطقة الواقعة شمال ممر نتساريم (وسط القطاع)، أي محافظتي غزة والشمال، لمنطقة عسكرية مغلقة".
الخطة أعدها عسكريون إسرائيليون سابقون، وتقضي بـ"إجلاء السكان خلال أسابيع قليلة، وفرض حصار على المنطقة، لدفع المسلحين بمدينة غزة للاستسلام أو الموت"، وفق الصحيفة.
وجاءت الخطة بعد فشل الاحتلال في إقناع عدد من عشائر ومخاتير قطاع غزة لحكم بعض المناطق الصغيرة، في تجربة كان يريد تطبيقها على كامل الجيب المحاصر حال نجاحها.
أما المحور الرابع والأخير فيحمل اسم "كيسوفيم"، وهو بالأساس معبر قديم يقع شرق قطاع غزة، أعاد الاحتلال فتحه وتأهيله لإدخال المساعدات إلى جنوب القطاع، وفق ما زعم الجيش في 12 نوفمبر.
ونشرت إسرائيل في 8 نوفمبر صورا لعمليات بناء وترميم هندسية في المنطقة قبيل إعادة فتح المعبر الواقع شرق قطاع غزة بين مدينتي دير البلح وخانيونس.
وكان ذلك المعبر بمثابة نقطة مركزية لسكان مستوطنة "غوش قطيف" جنوب القطاع لكنه أغلق منذ انسحاب إسرائيل من غزة.
ويرى الفلسطينيون أن إعادة فتح المعبر لإدخال المساعدات مجرد ذريعة لإنشاء محور رابع يفصل وسط قطاع غزة عن جنوبه، كما يفصله من الحدود الشرقية وحتى البحر غربا.
خاصة أن الاحتلال يعرقل دخول المساعدات منذ أيام إلى الجنوب والشمال على حد سواء ويدفع بقطاع الطرق والعصابات لسرقتها حال دخولها.
وكان الرابط بين كل هذه المحاور أنه سبق إنشاؤها، تدمير وتجريف واسع على الأرض مع قصف مكثف بالطيران، ما يشير إلى عزم الاحتلال البقاء طويلا فيها كمقدمة للاحتلال والتهجير.
تهجير واحتلال
وعما يجرى من تطورات ميدانية بشأن السيطرة، أكدت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن إسرائيل تبني وتحصن القواعد في وسط قطاع غزة، في إشارة إلى أنها قد تبقى هناك.
وبينت في 2 ديسمبر/كانون الأول 2024 أنه على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، هدم الجنود أكثر من 600 مبنى حول طريق نتساريم في محاولة واضحة لإنشاء منطقة عازلة، كما وسعوا بسرعة شبكة من المواقع الاستيطانية المجهزة بأبراج الاتصالات والتحصينات الدفاعية.
ويشير هذا إلى تحول في موقف إسرائيل من الاحتفاظ بالأراضي، بعد أن تحدثت سابقا عن أن التوسع كان لأسباب عملياتية، وفق الصحيفة.
كما أثار التوسع العسكري تكهنات حول خطط إسرائيل لمستقبل غزة، حيث يتعهد قادة الاحتلال بالحفاظ على السيطرة الأمنية في القطاع حتى بعد انتهاء الحرب.
وصرح بعض الوزراء الإسرائيليين أكثر من مرة أن السيطرة العسكرية على غزة يجب أن تمهد الطريق لاستئناف الاستيطان اليهودي، على الرغم من أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ينفي ذلك في الوقت الحالي، على عكس ما تظهر المعطيات الميدانية وصور الأقمار الصناعية.
وقال وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش إن القوات الإسرائيلية يجب أن تحتل غزة و"تشجع" حوالي نصف المدنيين الفلسطينيين على مغادرة المنطقة في غضون عامين، وهو طرح يوافقه فيه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وتشير تحليلات صحيفة التايمز البريطانية لصور الأقمار الصناعية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية إلى أن الجيش الإسرائيلي يمتلك ما لا يقل عن 19 قاعدة كبيرة في مختلف أنحاء نتساريم وعشرات القواعد الصغيرة.
وفي حين جرى بناء بعضها في وقت سابق من الحرب، فإن صورا حديثة تظهر أيضا أن وتيرة البناء تبدو متسارعة، فقد تم بناء أو توسيع 12 قاعدة منذ أوائل سبتمبر.
وجرى تعبيد العديد منها وإحاطتها بجدران، مع ثكنات وطرق وصول ومواقف للمركبات المدرعة، كثيرا ما تكون محاطة بخنادق دفاعية وتلال وعقبات.
وبينت نيويورك تايمز أن حجم التحصينات يشير إلى أن إسرائيل تستعد على أقل تقدير لمعركة طويلة الأمد في غزة.
وقال آفي ديختر، وزير الزراعة الإسرائيلي والرئيس الأسبق لجهاز الأمن العام "الشاباك" إن إسرائيل "ستبقى في غزة لفترة طويلة".
فيما أوضح أمير أفيفي، العميد المتقاعد الذي يتلقى إحاطات منتظمة من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أن العديد من القادة العسكريين يعتقدون الآن أن "الانسحاب والانفصال (عن غزة) لم يعد خيارا".
وبين أفيفي، الذي يقود منتدى لمسؤولي الأمن السابقين المتشددين: "لهذا السبب يبنون كل هذا. في نهاية المطاف، الحقائق تتحدث عن نفسها".
وفي نوفمبر، أجرى نتنياهو جولة في ممر نتساريم في اقتحام نادر نسبيا للقطاع. وقال لاحقا في بيان إن القوات الإسرائيلية في المنطقة "تنفذ عملا مذهلا، لقد حققوا نتائج ممتازة نحو هدفنا المهم - حماس لن تحكم غزة".
وعن المحور الجديد بين شمال القطاع ومدينة غزة، قال موقع بي بي سي البريطاني في 28 نوفمبر إن القوات الإسرائيلية تعمل على تفجير مئات المباني بين البحر والحدود الفاصلة ضمن تقسيم جديد لتسهيل السيطرة على الجيب المحاصر.
ويوضح إتش إيه هيلير، الخبير في شؤون الأمن في الشرق الأوسط من مؤسسة الأبحاث الروسية، لـ"بي بي سي"، أن صور الأقمار الصناعية تشير إلى أن إسرائيل تستعد لمنع المدنيين الفلسطينيين من العودة إلى محافظة شمال غزة.
ويعتقد بعض المحللين أن تمركزات الجيش تشير إلى تقسيم عسكري دائم، مما يمنحه السيطرة على من يمكنه التنقل بين غزة ومحافظات الشمال.
وتابع هيلير عن الجيش الإسرائيلي: "إنهم يحفرون على المدى الطويل. أتوقع بالتأكيد أن يتطور التقسيم الشمالي تمامًا ويصبح مثل ممر نتساريم".
وبدوره، يرى إيدو هيشت من مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية (بيسا)، أن “الممرات الثلاثة (فيلادلفيا، ونتساريم وجباليا) هي لأغراض السيطرة، وتعتمد مدة وجودها على زمن نهاية الحرب وطريقة نهايتها”.
وقالت صحيفة هآرتس في التقرير السابق الإشارة إليه إن الجيش الإسرائيلي يجهز البنية التحتية ويوسع الطرق ويقيم منشآت كبيرة في غزة، في خطوة تظهر أنه يخطط للبقاء في القطاع حتى نهاية عام 2025 على الأقل.
تأثيرات مدمرة
هذا التقسيم المتسارع للقطاع الصغير البالغة مساحته 360 كيلومترا فقط، حول حياة السكان الفلسطينيين إلى جحيم.
فقد تقطعت أواصر العائلة الواحدة وعُزلت بين الشمال والجنوب والوسط مع صعوبة التحرك والالتقاء في مكان واحد.
وتواجه العائلات الغزية أقسى الظروف على الإطلاق بعد أن انتهى الأمر بعشرات الآلاف في الخيام والمدارس والشوارع، في ظل أوضاع صحية مزرية.
إذ يمنع الاحتلال التنقل بين الشمال والجنوب مما أبقى عشرات آلاف العائلات بعيدة عن منازلها ومناطقها، وصعب ظروف الحياة.
كما يستغل الاحتلال هذه السيطرة العسكرية للتحكم بالمساعدات وإدخالها إلى مناطق دون أخرى، في نهج عقابي قاد إلى مجاعة.
فعلى سبيل المثال، عاقبت إسرائيل سكان شمال قطاع غزة لعدم انصياعهم لأوامرها بالانتقال إلى الجنوب، وذلك عبر سلاح الجوع ومنع إدخال المساعدات.
كما يعاقب اليوم سكان الجنوب بإدخال مساعدات قليلة لتبييض سمعته أمام المجتمع الدولي ثم ينسق مع قطاع طرق ومافيات يعملون معه من أجل مهاجمتها وسرقتها.
وعدا عن ذلك، زاد إنشاء المحاور العسكرية من استهداف المدنيين، حيث وسع الاحتلال مساحة المناطق التي يسيطر عليها وما يتبعه من قتل كل من يتحرك بالقرب منها.
ويقول الصحفي محمد سليمان إن الطرق الواصلة بين المحاور أكثر عرضة للاستهداف من غيرها، مما يهدد المتنقلين فيها من مكان إلى آخر.
وأوضح لـ"الاستقلال" أن المحاور العسكرية مزقت قطاع غزة جغرافيا واجتماعيا، حيث فرقت العائلات وقطعت أواصرها وأبقتها في حال نزوح دائم.
ولا يستبعد سليمان المقيم في خانيونس جنوب قطاع غزة، أن يفصل الاحتلال المنطقة الوسطى ويعزلها تماما عن الشمال والجنوب.
ويرى أن المعبر الذي افتتحه الاحتلال أخيرا في دير البلح قد يكون مقدمة لعزل هذه المنطقة والتفرد بها.
وأشار إلى أن مخاوف الأهالي لا تنتهي، حيث أصبحت النقاط والقواعد العسكرية المنتشرة على طول القطاع بمثابة كابوس دائم.
ومن التأثيرات المدمرة لهذا التقسيم، يحضر أيضا القطاع الصحي وما يرتبط به من صعوبة تنقل الأطباء لمتابعة الحالات العاجلة والمستعصية، وكذلك تقييد حركة الدفاع المدني وجهود الإنقاذ وعمل البلديات.
ويقول المواطن حمزة الكحلوت: “إذا جُرحت اليوم بالقصف في شمال قطاع غزة وكانت إصابتك متوسطة إلى صعبة، فستموت دون أن تلقى من يداويك”.
وفي حديث لـ"الاستقلال"، أوضح الكحلوت الذي نزح منذ بداية العدوان من شمال القطاع إلى جنوبه: “لقد أصبحنا نازحين دائمين هنا، نعيش تحت رحمة محور نتساريم الذي يحول بيننا وبين منازلنا”.
ولا يعرف هذا الشاب الثلاثيني مصير منطقته ومنزله التي اقتحمها جيش الاحتلال أكثر من مرة وعاث فيها دمارا وخرابا.
ويختم بالقول: “هذه الحرب تختلف عن سابقاتها ليس في طول أمدها فحسب، ولكن في خطط الاحتلال بعيدة المدى من خلالها".
وتابع: "لا يختلف اثنان اليوم في غزة على أن ما يجرى من انتشار عسكري إسرائيلي فوق أنقاض بيوتنا هو مقدمة لعودة الاستيطان”.