مركز تركي: لهذه الأسباب حقبة بايدن الأكثر عجزا بتاريخ أميركا
"منذ 7 أكتوبر، يشاهد بايدن تدمير مصداقية الدبلوماسية الأميركية من قبل إسرائيل"
في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/ أيلول 2024، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن "الحرب الشاملة بالشرق الأوسط ليست في مصلحة أحد ولا يزال الحل الدبلوماسي ممكنا".
ما أثار انتقادات عديدة حول العالم بسبب مواصلة إدارته إمداد إسرائيل بأسلحة وذخيرة تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، لاستخدامها في ارتكاب إبادة جماعية في غزة ولبنان.
وفي ضوء ذلك، نشر مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (سيتا)ا مقالاً للكاتب "قدير أوستون" ذكر فيه أن خطاب بايدن في الأمم المتحدة جاء في فترة ربما تكون أكثر عجزاً للدبلوماسية الأميركية في تاريخها السياسي.
فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وبايدن وإدارته يشاهدون تدمير مصداقية الدبلوماسية الأميركية في المجتمع الدولي من قبل إسرائيل.
دبلوماسية عاجزة
وقال أوستون: لسنوات عديدة استخدمت واشنطن قمة الأمم المتحدة كمنصة للتفاوض على أولويات السياسة الخارجية الأميركية مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين، وفرض التنازلات الناتجة على الدول الأخرى.
وفي الماضي تمكنت الإدارات الأميركية، التي كانت قد استطاعت إقناع أعضاء حق النقض “فيتو” في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العديد من القضايا.
مثل غزو العراق للكويت وهجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 والعقوبات ضد ليبيا وإيران وكوريا الشمالية، من استخدام مواقعها المتميزة في الأمم المتحدة بشكل فعال نسبيا.
في ذلك الوقت تمكنت واشنطن، التي أصرت على توفير الحماية الدبلوماسية الدولية لإسرائيل، من تجنب العزلة في الرأي العام الدولي كما هي اليوم مع وعد بأن عملية السلام ستجلب السلام إلى فلسطين.
وخلال الأسابيع الأخيرة يُظهِرُ افتقار إدارة بايدن إلى اقتراح سياسي حاسم لمحاولة إقناع الدول التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) مدى تطور السياسة الخارجية الأميركية غير الفعالة على الساحة الدولية.
ففي قمة الأمم المتحدة التي لم يحضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولا رئيس كوريا الشمالية استمعنا إلى شكاوى الرئيس الأميركي الصريحة والضمنية بشأن هؤلاء القادة.
ولكن لم تكن هناك مناقشة لمقترحات ملموسة لإنهاء غزو أوكرانيا أو الحرب الإقليمية بين إيران وإسرائيل.
كما لا توجد أي نصوص للاتفاقيات الإطارية الدولية اللازمة بشأن إصلاح الأمم المتحدة أو الذكاء الاصطناعي أو تغير المناخ.
وستكون هناك سلسلة من الاتهامات حول كل من الحروب التقليدية الحالية والمشاكل العالمية، وهذا يعد نوعا من الاعتراف بعجز الدبلوماسية الأميركية على إيجاد الحلول.
شبح ترامب
واستدرك أوستون قائلا: عندما تولى بايدن السلطة وعد وعودا تعاكس إرث الدبلوماسية الأحادية الجانب التي تركها الرئيس السابق دونالد ترامب، وقال إن "أميركا عادت" وأن واشنطن ستعزز المؤسسات الدولية مع حلفائها.
ويمكن القول إنه قد حقق هذا الوعد جزئيا وبشكل محدود في سياق حلف شمال الأطلسي.
ويمكن القول أيضا إنه حقق نجاحا محدودا في الاتفاقات التي أبرمها مع حلفائه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ومع ذلك لا يمكن التأكّد من التأثير الدائم والالتزام الحقيقي لأميركا في هاتين الجبهتين.
وفي حال عودة ترامب إلى السلطة في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فإن واشنطن قد تعود إلى البداية في العديد من المسائل.
والعزلة الكاملة لإدارة بايدن، التي تعتقد أن أميركا توفر قيادة عالمية من خلال التحالفات، ستتعمق في إدارة ترامب المحتملة، خاصة فيما يتعلق بإسرائيل.
فإن إنفاق الدبلوماسية الأميركية الكبيرة على إسرائيل على حساب النظام الدولي القائم على القواعد، يكشف عن أحد الجوانب الساخرة للسياسة الخارجية الأميركية.
واستمرار الدعم العسكري واللوجستي لإسرائيل بدلاً من إقناعها بوقف إطلاق النار يفند تماماً ادعاء الولايات المتحدة بأنها تسعى للعودة إلى الساحة الدولية.
والوضعُ الحالي يشير إلى عجز أميركا في مواجهة إسرائيل وشراكتها في جرائم الحرب في غزة ولبنان.
وأيّاً كان السرد الذي تختاره، فإنه يظهر أن الولايات المتحدة ليس لديها القوة والتأثير لحل مشاكل العالم من خلال إقامة نظام دولي.
رؤية تركيا
في سياق متصل، قال الكاتب التركي إنه عندما يصبح أعضاء مجلس الأمن الدولي الذين يحتفظون بحق الاعتراض غير قادرين على وقف الحروب أو إيجاد حلول للمشكلات العالمية، يصبح من الضروري إجراء إصلاحات.
ونرى أن مطالب الإصلاح المبدئية والمستمرة من قبل الدول الوسطى مثل تركيا والبرازيل وجنوب إفريقيا تتحول إلى اقتراحات ملموسة.
حيث يبرز البيان الذي ألقاه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في "قمة المستقبل" على هامش اجتماعات الأمم المتحدة كأحد أهم الخطوات التي ناقشت الاقتراحات الملموسة المتعلقة بإصلاح الأمم المتحدة.
ومن المشجع أن يتم مناقشة اقتراحات مثل توسيع حق الاعتراض لمزيد من الدول وتضمين دول غير ممثلة في مجلس الأمن الدولي.
فمنذ تأسيسه أصبح من الواضح أن هيكل مجلس الأمن الدولي، الذي يتم فيه مناقشة أولويات السياسة الخارجية للقوى الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة ومحاولة إقناع بقية العالم بقبولها، بحاجة إلى إصلاح حقيقي.
ومن الواضح أن هذا الإصلاح سيستغرق وقتاً طويلا، ولكن إذا حدث ذلك فقد يخلق نظاماً لن تتمكن فيه الولايات المتحدة من حماية إسرائيل بالكامل من الضغط الدبلوماسي.
ومن الصعب جداً القول إن أميركا ملتزمة حقاً بأجندة الإصلاح هذه، ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن إصرار الرئيس رجب طيب أردوغان واستمراره على إبقاء هذه القضية على جدول الأعمال سيمكن تركيا من تقديم واحدة من أعظم مساهماتها في إصلاح النظام الدولي.
ويمثل الخلل الوظيفي في السلطة الدولية وعدم فعالية مؤسسات مثل الأمم المتحدة مشكلة حقيقية للقوى المتوسطة مثل تركيا أكثر من القوى العظمى مثل الولايات المتحدة.
وبالنسبة للجمهور الأميركي فإن ما يحدث في الشرق الأوسط هو في نهاية المطاف قضية "خارجية"، وليس لها تأثير مباشر على الشعب الأميركي.
وحقيقة أن معظم الشعب الأميركي يتمتع بفوائد القيادة العالمية ولكنهم غير مستعدين لدفع ثمنها يؤكد الحاجة الملحة إلى إصلاح النظام الدولي.
بينما بالنسبة لدول مثل تركيا فإن حقيقة أن ما يحدث في المنطقة لا يبقى في المنطقة يجعل الحاجة أكثر إلحاحاً للتفاوض وإيجاد حلول مع الدول الأخرى.
وتأتي مطالب تركيا المستمرة بإصلاح الأمم المتحدة من هذه الحاجة، يختم أوستون.