بـ"العودة الآمنة"..كيف يستدرج نظام الأسد معارضيه من الخارج؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

ما يزال نظام الأسد ينكر بشكل رسمي اعتقال أو قتل تحت التعذيب- لأسباب سياسية- أي مواطن سوري عاد إلى البلاد من الخارج عبر “خدع” التسويات الأمنية الوهمية.

غير أن شبكات حقوقية سورية ومواقع إلكترونية وثقت اعتقالا أو إخفاء قسريا أو قتلا داخل أقبية أجهزة المخابرات لعدد من السوريين ممن عادوا إلى بلدهم خلال عام 2024 وحده.

مصيدة العائدين

وفي أحدث إنكار لتلك التوثيقات، زعم وزير داخلية النظام السوري اللواء محمد الرحمون، في 28 أغسطس/ آب 2024 ، أنه لا يتم إيقاف أو اعتقال أي سوري مهجر عاد إلى سوريا، مطالبا المنظمات الدولية بأسماء السوريين الموقوفين.

وقال الرحمون في رده على سؤال صحفي بخصوص ما يثار عن توقيف سوريين عادوا إلى البلاد: "هذا السؤال جرى طرحه من قبل عدد من المنظمات الدولية وكانت الإجابة أعطونا اسما واحدا من هؤلاء الذين جرى توقيفهم، لكن هذه المنظمات لم تقدم أي اسم"، بحسب ما نقلت عنه صحيفة الوطن الموالية للنظام.

وأضاف الرحمون الذي شغل منصبه عام 2018، كمكافأة على جرائم ارتكبها بحق السوريين عقب اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011 أنه "لا يوجد أي سوري جرى توقيفه وكان سبق له وقام بتسوية وضعه على الإطلاق".

ما هو واضح أن نظام الأسد الذي يكرر بين الفينة والأخرى دعوة الأمم المتحدة إلى زيادة مشاريع التعافي المبكر في مناطق سيطرته، ودعم جهوده في مجال عودة اللاجئين السوريين ما يزال ينصب "مصيدة الموت" للسوريين.

إذ تشير المعطيات إلى عدم تواني أجهزة مخابرات النظام السوري عن اعتقال العائدين من الخارج وتقديمه وعودا بإجراء تسويات أمنية عند المعابر البرية الحدودية.

والتسوية الأمنية هي عملية تحقيق أمنية، يجب أن يعترف الخاضع لها، بما ارتكبه من أعمال معارضة للنظام السوري عقب اندلاع الثورة.

إلا أن هذه التسوية لا توفر أي ضمانات للخاضعين لها بعدم اعتقالهم لاحقا على الحواجز الأمنية لقوات الأسد بين المدن والمحافظات التي ما تزال تحتفظ بمعلومات عن المطلوبين.

إذ إن كثيرا من العائدين إلى مناطق النظام السوري وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان المعارضة، تعرضوا للإخفاء القسري وهو أحد الأساليب التي تتبعها مخابرات الأسد للتنصل من وجود الشخص داخل سجونها كون أنه لا توجد بحقه مذكرة اعتقال رسمية.

وتسعى حكومة نظام الأسد إلى تقديم صورة لمناطق سيطرتها على أنها آمنة لعودة اللاجئين والمهجرين، مدعية أنها تمكنت من فرض سيطرتها على أجزاء واسعة من سوريا ونشر الأمن والاستقرار فيها.

ولهذا يعمد وزير داخلية نظام الأسد إلى الترويج عن "وقائع تكذبها" التوثيقات الدورية لحالات الاعتقال لعائدين من الخارج إلى مناطق نفوذ الأسد.

نهاية حزينة

وقد شملت الاعتقالات عائدين من دول مثل الخليج ولبنان والأردن وتركيا ودول أوروبا.

إذ وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في 9 يوليو/ تموز 2024 مقتل أحمد نمر الحللي، المنحدر من حي برزة بدمشق، إثر تعرضه للتعذيب داخل فرع فلسطين "235" التابع لشعبة المخابرات العسكرية في مدينة دمشق، في أعقاب "إعادته قسرا من لبنان".

وقالت مصادر محلية إن الحللي البالغ من العمر 27 عاما، اعتقلته عناصر الأمن العام اللبناني، ورحلوه بشكل قسري وسلموه إلى النظام السوري مع شابين آخرين مازال مصيرهما مجهولا.

وذكر ناشطون سوريون، نقلا عن عائلة الحللي، أنه تم ترحيله قسرا من لبنان وتسليمه إلى قوات النظام السوري على الحدود السورية اللبنانية التي اقتادته إلى "فرع فلسطين"، حيث بقي هناك أسبوعا واحدا ومن ثم تم نقله إلى أحد المشافي ليفارق الحياة بعدها بثلاثة أيام، بسبب التعذيب الذي تعرض له في السجن.

ورغم أن الحللي كان قد أجرى "تسوية لوضعه الأمني" قبيل لجوئه إلى لبنان، فإن ذلك لم يشفع له عند مروره على حاجز التفتيش بعد إعادته قسرا من هناك.

وأضافت المصادر أن عائلة الحللي علمت بوجود ابنهم في المستشفى، وعند وصولهم إليه وجدوه فاقدا لبصره وعليه آثار تعذيب وحشية، وفي أثناء الكشف الطبي تبين أنه حُقن بمادة غريبة تسببت بشلل جميع أعضاء جسمه. 

كما وثق ناشطون في 6 أغسطس 2024 وفاة الشاب "عبد الله حسين الأخرس" وهو منشق عن قوات الأسد، بعد اعتقاله على يد مخابرات النظام في محافظة حلب، خلال محاولة العودة إلى محافظة درعا التي ينحدر منها، بعد ترحيله من تركيا إلى الشمال السوري.

وحسب معلومات أولية فإن الشاب قضى تحت التعذيب في سجن صيدنايا الشهير كأحد المسالخ البشرية بريف دمشق بعد اعتقال دام 8 أشهر.

وبحسب مواقع صحفية سورية فإنه في 8 فبراير 2024 اعتقلت دورية أمنية تابعة لفرع المخابرات الجوية 11 شخصا من أبناء مدينة تلبيسة بريف حمص أثناء عودتهم من لبنان بطريقة غير شرعية.

كما قتل "أحمد عدنان شمسي الحيدر"، من أبناء مدينة البوكمال شرق محافظة دير الزور، تحت التعذيب بعدما اعتقلته قوات النظام السوري في إبريل 2024، عند مروره على إحدى نقاط التفتيش التابعة لها في مدينة دمشق، وتم اقتياده إلى فرع فلسطين "235".

وفقا للمعلومات التي حصلت عليها الشبكة السورية لحقوق الإنسان من نشطاء محليين في دير الزور، كان أحمد لاجئا في لبنان، وفي أبريل 2024، اعتقلته عناصر الأمن العام اللبناني وأعادوه قسرا إلى الحدود السورية مع مجموعة من اللاجئين، في إطار حملة أمنية تشنها السلطات اللبنانية منذ بداية عام 2024 ضد اللاجئين السوريين.

والحيدر كان بصحة جيدة عند اعتقاله، مما يرجح كثيرا وفاته بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية داخل فرع الأمن العسكري في مدينة دير الزور.

كما قتل الشاب محمد عبد الرحمن مجو في أغسطس 2023 عقب اعتقاله أثناء عودته إلى مدينته حلب قادما من مناطق المعارضة السورية بريف حلب.

 وعاد مجو إلى حلب بعد أن أجرى تسوية وضعه الأمني في مايو/ أيار 2023 قبل أن يعتقله فرع الأمن العسكري في حلب في 15 يونيو/ حزيران 2023 وينقل إلى أحد مراكز الاحتجاز السرية بالعاصمة دمشق، التي تدار من قبل النظام السوري ولقى حتفه تعذيبا.

وقال مصدر مقرب من عائلة الشاب مجو، إنه اعتقل دون إبراز مذكرة رسمية، ومُنع ذووه من التواصل معه وتكليف محام لمتابعة قضيته، أو حتى معرفة مكان احتجازه، لأجل زيارته والاطمئنان عليه.

"الكذاب الأشر"

ووصف المحامي السوري عبد الناصر حوشان، وزير داخلية النظام السوري بـ "الكذاب الأشر" على تصريحاته المزعومة بشأن اعتقال العائدين.

وقال حوشان، في منشور عبر فيسبوك: "درجت عادة مسؤولي النظام السوري على الكذب وإنكار كل شيء فهم ما يزالون يتعاملون من المجتمع الدولي والشعب السوري باستهزاء من خلال إنكار الحقائق وخاصة تلك التي تتعلق بجرائمهم وانتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان".

وأضاف: "ومنها قضية المعتقلين والمختفين قسرا الذين بلغ عددهم حوالي 300 ألف وموثق منهم حسب تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان حوالي 137 ألف معتقل وثبوت مقتل أكثر من 12 ألف منهم تحت التعذيب، وتوثيق اعتقال ما لا يقل عن 1236 حالة اعتقال تعسفي في النصف الأول من عام 2024 بينهم 56 طفلا و 30 سيدة".

وثبت بتوثيق الشبكات الحقوقية، تربص مخابرات النظام السوري لبعض هؤلاء اللاجئين العائدين واعتقالهم والتنكيل بهم أو حتى تعرضهم للموت تحت التعذيب، في تأكيد جديد على أن فكرة "العودة الآمنة والكريمة" إلى سوريا ما تزال غير ممكنة راهنا.

إذ وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” منذ مطلع عام 2014 وحتى يونيو/حزيران 2024 (الشهر الذي نشر فيه التقرير)، ما لا يقل عن 4714 حالة اعتقال تعسفي للعائدين من اللاجئين والنازحين على يد قوات النظام السوري.

وسجلت الشبكة التي تأسست في يونيو 2011، مقتل 39 شخصا من هؤلاء تحت التعذيب في مراكز احتجاز النظام السوري، 31 منهم ممن عادوا من دول اللجوء، و8 من النازحين العائدين من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

وأكدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في مؤتمر "بروكسل 8 حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة" الذي عقد في 27 مايو/ أيار 2024 في العاصمة البلجيكية بروكسل، أن سوريا لاتزال غير آمنة لعودة اللاجئين.

في المقابل، تؤكد مؤسسات المعارضة السورية الرسمية، أن معاناة النازحين السوريين في الداخل واللاجئين في الخارج تزداد مع جمود الحل السياسي ورفض نظام بشار الأسد تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.

إذ شددت "هيئة التفاوض السورية" المعارضة، في 20 يونيو/ حزيران 2024 على أن الحل السياسي وفق القرارات الدولية هو الضمان الوحيد لبيئة آمنة وكريمة لعودة اللاجئين السوريين.

إنكار متعمد

اللافت أنه مع كل تلك التوثيقات الحقوقية، فإن بشار الأسد قال، خلال مقابلة مع قناة "روسيا اليوم بثت في 10 يونيو 2022، “إنه لا يوجد في سوريا ما يسمى معتقل سياسي”.

وأمام حالة الإنكار المتعمد من نظام الأسد حول مصير المعتقلين والمختفين، طالبت الأمم المتحدة في 6 مايو 2022 بضرورة إنشاء آلية دولية مستقلة للتحقيق في مصير آلاف المدنيين المختفين قسرا لدى النظام السوري منذ عام 2011، وقالت إن التعرض للاعتقال في سوريا هو بمثابة الاختفاء.

إلا أنه عقب هذا الإعلام أكد حقوقيون سوريون ومنهم أنور البني، المحامي والناشط السوري في مجال حقوق الإنسان أن حكومة النظام السوري “ستحجم عن التعاون مع هذه الآلية”، وأردف: “وبالتالي ستجد المؤسسة الجديدة نفسها مكبلة وعاجزة”.

ورأى البني والذي عمل من ألمانيا على قضايا تتعلق بسوريا، في تصريح صحفي في 25 سبتمبر/ أيلول 2023 أن الآلية الأممية الجديدة في جلاء مصير المفقودين في سوريا "لن تتمكن من ردع النظام السوري الذي سيبذل ما في وسعه للحفاظ على سلطته، إذ إن الاعتقالات والتعذيب والإخفاء القسري هي أقوى سلاح في يد النظام. وإذا كف النظام عن اعتقال الأشخاص، فلن يدوم دقيقة واحدة".

وضمن هذا السياق، أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تقريرا بمناسبة اليوم العالمي للاجئين في 7 أغسطس 2024، أكدت فيه أن الانتهاكات التي مازالت تمارس في سوريا؛ والتي كانت هي السبب الرئيس وراء هروب ملايين السوريين من بلدهم؛ هي السبب الرئيس وراء عدم عودة اللاجئين، بل وتوليد مزيد من اللاجئين".

وشددت الشبكة على أنه "بسبب هذه الانتهاكات وعدم وجود أي أفق لإيقافها أو محاسبة المتورطين فيها، يحاول المئات من السوريين الفرار من أرضهم، وبيع ممتلكاتهم، وطلب اللجوء حول العالم، حتى بلغ عدد اللاجئين السوريين قرابة 6.7 ملايين شخص وقد أصبحوا النسبة الأضخم من عدد اللاجئين في العالم".

حتى إن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أكدت مطلع أغسطس 2024 أنها لا تشجع العودة الطوعية إلى سوريا على نطاق واسع في الوقت الحالي، مرجعة ذلك إلى الظروف الأمنية والاقتصادية غير المتوفرة.