عام على الطوفان.. هذه خسائر إسرائيل البشرية والاقتصادية جراء العدوان على غزة

يوسف العلي | منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

على مدار عام كامل من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تكبّد الاحتلال خسائر كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والبشري، إضافة إلى فشله في تحقيق أهدافه المعلنة.

وفي بداية حرب الإبادة المدمرة التي تشنها إسرائيل على القطاع، حددت حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو 3 أهداف لها وهي: القضاء على حركة "حماس" عسكريا وسلطويا، وإعادة الأسرى الإسرائيليين، وضمان ألا تشكل غزة تهديدا لإسرائيل في المستقبل.

وبعد مرور عام كامل على اندلاع الحرب، لا تزال الفصائل الفلسطينية تخوض مواجهات شرسة مع الاحتلال في جميع محاور القتال، وتكبدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، فيما سقط أكثر من 42 ألف شهيد فلسطيني وأصيب نحو مئة ألف آخرين.

نزيف اقتصادي

منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" يتكبد الاحتلال الإسرائيلي خسائر اقتصادية باهظة، فهي أطول الحروب الإسرائيلية على الإطلاق منذ تأسيس الكيان في عام 1948، والتي لا يلوح في الأفق حتى الآن أي نهاية لها، خصوصا مع توسعتها لتشمل لبنان.

وبعد هجوم السابع من أكتوبر 2023، تلقى الاقتصاد الإسرائيلي أكبر ضربة مع معاناة آلاف الشركات من خسارة قسم كبير من اليد العاملة، وذلك بعدما طلبهم الاحتلال إلى الاحتياط، وانسحبت عشرات المليارات من الدولارات من الاقتصاد، ما أدى إلى تقلص اقتصاد الكيان بنسبة كبيرة.

ووفقا لبيانات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD) في سبتمبر 2024، فإن "الحرب في غزّة أدت إلى انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 4.1 بالمئة في الربع الأخير من العام 2023، مع خسائر في القطاع السياحي والتكنولوجي والخدماتي بالدرجة الأولى". 

واستمرت عملية الانكماش في الربعيّن الأول والثاني من هذا العام، ولو بوتيرة أبطأ من الربع الأخير من العام 2023. مع زيادة هائلة في الإنفاق العسكري، نتيجة توسعها في الحرب بمعدّل يومي يفوق الـ 250 مليون دولار، لاستخدام إسرائيل تقنيات عسكرية مكلفة.

على الصعيد ذاته، حذرت قناة الـ12 العبرية خلال تقرير لها في 20 سبتمبر، من أن دولة الاحتلال الإسرائيلي على أبواب أزمة اقتصادية عميقة بسبب الإنفاق الحربي، وأن هذه الأزمة تقود حتما إلى تضخم مالي وإلى تعميق العجز في خزينة الدولة.

وتوقع التقرير أن تقود هذه الأزمة إلى رفع الضرائب وإلى اقتطاع في الأجور ومخصصات الرفاه الاجتماعي، مؤكدا أن إسرائيل أنفقت حتى الآن نحو 100 مليار دولار على الحرب. 

ولفت إلى ارتفاع مؤشر غلاء المعيشة في إسرائيل بنسبة تقارب 1 بالمئة خلال الشهر الأخير؛ الأمر الذي من شأنه أن يدفع عشرات آلاف الإسرائيليين إلى ما تحت خط الفقر، في وقت توقف فيه النمو في المرافق الاقتصادية لا سيما قطاع التقنية العالية (الهايتك) الذي بدأ يتراجع.

ويعد سعر الفائدة البنكية من الأعلى عند مقارنتها بالدول الغربية، وكذلك نسبة التضخم المالي التي وصلت إلى أعلى مستوى منذ أكتوبر 2023، إذ وصل إلى 3.6 بالمئة، الأمر الذي يبعد المستثمرين عن الاستثمار في الأسواق والمرافق الاقتصادية المختلفة.

ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 26 أغسطس، عن ياكوف شينين، الخبير الاقتصادي الإسرائيلي ومستشار العديد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين والوزارات الحكومية، قوله إن "التكلفة الإجمالية للحرب قد تصل إلى 120 مليار دولار، أو 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد".

ودفعت الحرب الإسرائيلية، الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) إلى تمرير زيادة الميزانية الإضافية المقررة سابقا للسنة المالية 2024 لتصل إلى 727.4 مليار شيكل (192 مليار دولار).

وأقر الكنيست الزيادة الجديدة بقيمة 3.4 مليارات شيكل (924 مليون دولار) للمساعدة في تمويل إجلاء المدنيين والصرف على جنود الاحتياط حتى نهاية العام 2024.

قطاعات متداعية

على صعيد الموانئ والمطارات الإسرائيلية، فقد أكد تقرير "أسوشيتد برس" أنه "مع تعريض جماعة الحوثي اليمنية السفن المارة عبر قناة السويس المصرية للخطر، توقفت العديد من السفن عن استخدام الموانئ الإسرائيلية".

وأشارت إلى أن الموانئ الإسرائيلية شهدت انخفاضا بنسبة 16 بالمئة في عمليات الشحن في النصف الأول من العام، مقارنة بالفترة ذاتها، عام 2023.

وفي السياق ذاته، دفعت المخاوف الإقليمية شركات الطيران الكبرى، بما في ذلك دلتا ويونايتد ولوفتهانزا، إلى تعليق الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل، حسبما أكد تقرير الوكالة الأميركية.

وعانى قطاع الطيران ضغوطا مع انخفاض عدد المسافرين، إذ تراجعت الحركة في مطار "بن غوريون" منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023، وحتى مارس 2024 بنحو 55 بالمئة على أساس سنوي. 

كذلك انخفض نشاط شركات الطيران، فأقل من نصف الشركات التي كانت تعمل في المطار قبل بدء الحرب لا تزال مستمرة في عملها، في حين تقلص الشركات الأجنبية نشاطها.

كما تسببت الأزمة في خسائر تقدر بنحو 900 مليون شيكل (242 مليون دولار) لهيئة المطارات الإسرائيلية خلال النصف الأول من العام 2024، وفقا لموقع "ذا مايكر" الإسرائيلي.

وأغلقت العديد من الشركات الصغيرة أبوابها لأن أصحابها وموظفيها استدعوا لأداء خدمة الاحتياط، إذ تشير شركة الأعمال الإسرائيلية "كوفاس بي دي آي" إلى أن نحو 46 ألف شركة أغلقت أبوابها منذ بداية الحرب، 75 بالمئة منها شركات صغيرة.

وفي 28 سبتمبر، خفّضت وكالة "موديز"، التصنيف الائتماني لإسرائيل، مشيرة إلى المخاطر الجيوسياسية المتزايدة مع تفاقم النزاع مع "حزب الله وتراجع احتمالات وقف إطلاق النار في غزة".

وتراجع تصنيف إسرائيل درجتين من "إيه 2" إلى "بي إيه إيه 1"، وهو التخفيض الثاني هذا العام، إذ أشارت "موديز" إلى أن المخاطر لها "تداعيات مادية سلبية على الجدارة الائتمانية لإسرائيل على المدى القريب والطويل".

وبعد تخفيضات مماثلة لـ"ستاندرد آند بورز" و"موديز"، خفضت وكالة "فيتش" تصنيف إسرائيل الائتماني من "إيه- بلس" إلى "إيه"، في سبتمبر 2024، ، وبذلك فإن خفض التصنيف الائتماني من شأنه أن يزيد تكاليف الاقتراض الحكومي.

ومن تداعيات الحرب أيضا، هو خسارة إسرائيل بنحو بـ150 ألف طن من المنتجات الزراعية خلال الأشهر الستة الأولى للحرب، وفق مسح مشترك لوزارتي شؤون البيئة والصحة الإسرائيليتين ومنظمة "ليكيت إسرائيل". 

أما خسارة المنتجات الغذائية خلال الفترة نفسها، فقد بلغت نحو 270 مليون دولار، وهذه تشمل فقدان منتجات زراعية بقيمة 181 مليون دولار، وتكلفة بيئية بنحو 36.5 مليون دولار، وتكلفة صحية بـ 56.8 مليون دولار نتيجة استهلاك غذاء أقل صحة، ما أثر على صحة السكان، وفق البيانات. 

ووفق التقرير للمنظمة ذاتها، فإن نقص المنتجات الزراعية أدى إلى زيادة بنسبة 14 بالمئة في أسعار الخضراوات و8 بالمئة في أسعار الفواكه، وهذا يأتي في ظل تراجع حجم القوى العاملة في قطاع الزراعة التي تضم عمالا أجانب وفلسطينيين بنسبة 40 بالمئة.

أثمان باهظة

لم تكن الخسائر البشرية أقل وطأة من النزيف الاقتصادي للاحتلال الإسرائيلي على مدار عام كامل من الحرب، فقد كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية في 13 سبتمبر 2024، عن إحصاءات بالأرقام لأعداد القتلى والمصابين في صفوفه جيش الاحتلال.

وأفاد البيان الرسمي الإسرائيلي بأن "الحرب تسببت حتى الآن في مقتل 1661 شخصا، بينهم 764 جنديا ورجل أمن، في حين بلغ عدد الجرحى 10646، أي بمعدل نحو ألف شخص في الشهر".

كما توقع جهاز الأمن الإسرائيلي ارتفاع عدد المصابين بأزمات نفسية حتى عام 2030، بنسبة 172 بالمئة، وأن ترتفع نسبة الإعاقات النفسية في صفوف الجيش 61 بالمئة.

وتشير معطيات جيش الاحتلال إلى أن دائرة تأهيل الجنود المعاقين في الجيش كانت تعتني بنحو 62 ألفا من الحروب السابقة، بينهم 11 ألفا مصابون بإعاقات نفسية. 

ووفقا لتوقعات وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن عدد المعاقين سيرتفع إلى 78 ألفا بحلول نهاية العام 2024، بينهم 15 ألفا مصابون بإعاقات شديدة، وأن هذا العدد سيرتفع إلى 100 ألف بحلول عام 2030، مسجلا بذلك زيادة بنسبة 61 بالمئة، بينهم 30 ألفا مصابون بإعاقات نفسية، أي بزيادة عدد المعاقين النفسيين بنسبة 172 بالمئة.

وأضافت معطيات وزارة الدفاع الإسرائيلية أن دائرة تأهيل الجنود المعاقين اعترفت بإعاقة 10 آلاف و646 جنديا منذ بداية الحرب على غزة حتى الآن، وأن أكثر من ألف جندي معاق يعترف بهم شهريا.

وذكر البيان أنه يجرى استيعاب نحو ألف جريح شهريا في قسم تأهيل الجنود المعاقين جراء الحرب المستمرة، في حين بلغ معدل الإصابات 530 في الحروب السابقة. 

ويشكو 35 بالمائة من الجنود المعاقين خلال الحرب الحالية على غزة من أزمة نفسية، و37 بالمئة يواجهون إصابات في أطرافهم، و68 بالمئة من الجنود المعاقين بالحرب الحالية في قوات الاحتياط، و51 بالمئة منهم في سن 18 –30 عاما، و31 بالمائة تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عاما.

وبحسب البيان الرسمي، فإن الإصابة الأساسية لدى 2800 من الجنود المعاقين أزمات نفسية، بينها الهلع والكآبة وصعوبة التأقلم والتواصل مع آخرين. 

ويواجه أكثر من 3700 جندي معاق إصابات في الأطراف، و192 في الرأس، و168 في العيون، و690 مصابا بالعمود الفقري، و50 جنديا بُترت أطراف في أجسادهم. 

ويتوقع قسم تأهيل الجنود المعاقين أن يعتني بحلول عام 2030 بنحو 100 ألف جندي، وأن يواجه 50 بالمائة منهم أزمات نفسية.

وفي أغسطس 2024، قالت "هيئة البث الإسرائيلية" إن المعطيات توضح أنه يتم استقبال أكثر من ألف جريح جديد كل شهر من القتال الدائر في غزة، وأن 35 بالمئة من الجرحى الجنود يعانون القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، و37 بالمئة يعانون من إصابات في الأطراف".

وأوضحت أن "68 بالمئة من الجنود الجرحى هم من جنود الاحتياط ومعظمهم من الشباب، إذ إن 51 بالمئة تتراوح أعمارهم ما بين 18 و30 عاما، و31 بالمئة تتراوح أعمارهم ما بين 30-40 عاما، وأن نحو 28 بالمئة من جميع الجرحى أفادوا بأن التأقلم العقلي هو إصابتهم الرئيسة".

وفي 7 نوفمبر 2023، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أعداد القتلى الإسرائيليين الذي قُتلوا منذ السابع من أكتوبر، بالقول إن "نحو 850 جثة لإسرائيليين وأجانب تم التعرف إليها، و348 قتيلا من الجيش الإسرائيلي وأيضا 240 أسيرا".

وتُتهم فيه "تل أبيب" بالتكتم على الحصيلة الحقيقية لقتلاها وجرحاها في عدوانها على قطاع غزة، بينما قال مسؤولون إسرائيليون في أكثر من مناسبة، إن الجيش يدفع "أثمانا باهظة" في معاركه داخل القطاع، ويخوض "قتالا شرسا" مع مقاتلين فلسطينيين.