القاعدة العسكرية الأميركية الجديدة ببولندا.. ما أهدافها وكيف سترد روسيا؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

افتتحت الولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، قاعدة دفاع جوي جديدة في شمال بولندا، تحديدا في بلدة ريدزيكوفو بالقرب من ساحل بحر البلطيق وعلى بعد 250 كيلومترا من الحدود الروسية.

 وهو ما أثار ردود فعل روسية غاضبة ومخاوف من إمكانية استخدامها لأغراض هجومية ضد أهداف تابعة لموسكو وقد تمتد إلى دول أخرى.

 وفي حديثه عن إمكانية الرد الروسي، ذكر معهد "تحليل العلاقات الدولية" الإيطالي أن تدشين هذه المنشأة العسكرية يأتي في سياق جيوسياسي يتسم بالتوترات المتزايدة بين حلف شمال الأطلسي "ناتو" وروسيا.  

سياق التوتر

وأشار المعهد إلى أن العلاقات بين الطرفين تدهورت في السنوات الأخيرة خاصة فيما يتعلق بأوكرانيا انطلاقا من عام 2014 على إثر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

 وهو ما رد عليه حلف شمال الأطلسي بفرض عقوبات اقتصادية وزيادة وجوده العسكري في أوروبا الشرقية. 

وفي السنوات التالية، ظلت العلاقات متوترة في ظل توسع الناتو بانضمام أعضاء جدد من أوروبا الشرقية وهو ما عدته روسيا  تهديدا ومحاولة لتطويقها.

 هذا قبل أن تتصاعد التوترات بشكل كبير منذ فبراير/ شباط 2022، تاريخ الغزو الروسي لأوكرانيا التي تلقت دعما اقتصاديا وعسكريا من الناتو.

وستعمل القاعدة الجديدة على رصد وإسقاط الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، وهي جزء من برنامج "الدفاع الصاروخي الباليستي" للحلف الهادف إلى حماية أراضي وسكان الدول الأعضاء من تهديد الصواريخ الباليستية.

وهي أول قاعدة عسكرية أميركية دائمة في الدولة الأوروبية ضمن نظام الدفاع الصاروخي التابع للحلف "إيجيس آشور"، الذي بنته الولايات المتحدة في بولندا.

وقد تم تجهيز المنشأة بنظام الإطلاق العمودي MK 41 المعد لإطلاق صواريخ اعتراضية من طراز SM-3 المضادة للصواريخ الباليستية، ومجهزة برادار AN/SPY-1 بعيد المدى. 

التوازن الجيوسياسي 

ولذلك، يتوقع المعهد الإيطالي أن تعزز هذه القاعدة بشكل كبير القدرات الدفاعية لحلف الناتو، لا سيما أن هدفها تعزيز الردع ضد دول مثل إيران وكوريا الشمالية وكذلك روسيا والتصدي لهجماتها الصاروخية المحتملة. 

وبالتالي، يستنتج بأن افتتاحها يمثل تغييرا في التوازن الجيوسياسي على طول الجناح الشرقي للحلف الأطلسي مضيفا أنها تشكل إشارة مهمة لردع روسيا. 

ورغم تأكيد الحلف أن القاعدة مصممة للأغراض الدفاعية فقط، إلا أن موسكو تحذر من أن هدفها الاحتواء العسكري لها. 

وكان المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قد حذر من أن هذا "التقدم للبنية التحتية العسكرية الأميركية في أوروبا يمثل تهديدا للحدود الروسية".

ويشرح المعهد أن المخاوف الروسية نتيجة لسببين، الأول يتعلق بالتجهيزات داخلها والتي من الممكن أن تحتويها في المستقبل وكذلك بسبب موقعها القريب. 

فمن ناحية، تنظر بقلق إلى قربها من كالينينغراد (على بعد 230 كيلومترا فقط)، وهي مقاطعة روسية تشكل موقعا إستراتيجيا حاسما بالنسبة لروسيا. 

ومن ناحية أخرى، تخشى موسكو من إمكانية استخدام مواقع إطلاق نظام الدفاع "إيجيس آشور" في بولندا ورومانيا، لا لإطلاق الصواريخ الاعتراضية فحسب، وإنما لأغراض هجومية محتملة باستخدام صواريخ كروز برؤوس نووية.

ويرى المعهد الإيطالي أن المنشأة العسكرية تعزز الدفاع الأوروبي وتجسد رغبة الحلف الأطلسي في طمأنة أعضائه على الجانب الشرقي. 

إلا أنه يحذر من أن قربها من الحدود الروسية من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج التوترات مع موسكو.

لكنه أشار إلى أن بعض المصادر العسكرية كانت قد بينت أن النظام الموجود في بولندا مصمم لاعتراض الصواريخ القادمة من الشرق الأوسط وأنه سيتعين إعادة توجيه رادار القاعدة من خلال عمليات معقدة لاعتراض التهديدات القادمة من روسيا أو ضرب أهداف روسية. 

احتمالات الرد

من جانبه، ذكر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعترض على خطط بناء القاعدة منذ عام 2000 حين كان جورج بوش الابن رئيسا للولايات المتحدة.

وقال إن بوتين أكد حينذاك أن الولايات المتحدة كانت "تكذب" حين قالت إن الغرض من القاعدة هو اعتراض صواريخ إيرانية محتملة.

وأضاف "هذا تأكيد على أن الرئيس بوتين كان على حق، تنفيذ هذه الخطط مستمر. وهذا تحريك للبنية التحتية العسكرية الأميركية على الأراضي الأوروبية باتجاه حدودنا".

وعد ذلك "محاولة لاحتواء إمكاناتنا العسكرية، ويؤدي بالطبع إلى اتخاذ التدابير المناسبة لضمان التكافؤ"، دون أن يذكر ماهية هذه التدابير.

فيما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إنه "بالنظر إلى طبيعة ومستوى التهديدات الناجمة عن هذا النوع من المواقع العسكرية الغربية، فإن قاعدة الدفاع الصاروخي في بولندا أضيفت منذ فترة طويلة إلى قائمة الأهداف ذات الأولوية المرشحة للتدمير من قبل القوات الروسية بمجموعة واسعة من أحدث الأسلحة، إذا لزم الأمر".

وفي تحليله، أكد المعهد الإيطالي إمكانية الرد الروسي مستبعدا اللجوء إلى المواجهة المباشرة وكذلك فرضية أن تقرر روسيا ضرب القاعدة دون استفزاز مباشر" لأن ذلك سوف ينطوي على مخاطر كبيرة".

وحذر من أن أي هجوم وقائي روسي من شأنه أن يؤدي إلى صراع نووي أو حرب واسعة النطاق ذات عواقب كارثية لذلك ألمح إلى إمكانية أن تدفع هذه الحسابات موسكو الى الحد من ردودها.

ويتوقع في المقابل أن تتخذ تدابير أخرى على غرار دعم الجماعات المعارضة في دول الناتو، وتعزيز رواية التطويق من قبل الناتو، فضلا عن تكثيف الأنشطة العسكرية غير المباشرة، مثل المناورات أو التوغلات في المجال الجوي للدول الأعضاء في الحلف.

كما طرح فرضية أن تقرر موسكو نشر أنظمة صاروخية في كالينينغراد مثل صواريخ إسكندر التكتيكية 9K720  التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والقادرة على ضرب أهداف في كل من بولندا ودول أوروبا الشرقية الأخرى، بهدف استخدامها كوسيلة ضغط دبلوماسية لتخويف الناتو وإثنائه عن اتخاذ المزيد من التدابير. 

وقد يتمثل رد فعل الحلف الأطلسي عند هذه النقطة، وفق استنتاجه، في مجموعة من الإجراءات الدفاعية والدبلوماسية بغاية تجنب التصعيد. 

وخلص الى أن الرد الروسي قد يحدد في كل الحالات سباق تسلح تدريجي جديد بين الطرفين ويزيد من احتمال وقوع حسابات خاطئة أو حوادث لن تقتصر على المستوى الإقليمي وإنما قد تشعل فتيل صراع واسع النطاق.