"عدالة البلدوزر".. هكذا تصدت المحكمة العليا الهندية للهمجية ضد المسلمين

12

طباعة

مشاركة

في 18 سبتمبر/ أيلول 2024 أوقف المحكمة العليا في الهند في قرار غير نهائي استخدام ما تطلق عليه السلطات الهندوسية في الهند "عدالة الجرافة" (Bulldozer Justice)، والتي تستهدف الأقلية المسلمة.

حيث اعتادت السلطات الهندوسية على هدم منازل ومحال المسلمين بالبلدوزر، على الطريقة الإسرائيلية، بحجة عدم الحصول على تراخيص بناء، أو لعقاب مسلمين يتهمهم هندوس بمحاولة قتلهم زورا لهدم مساكنهم.

قرار المحكمة العليا تضمن شقين مهمين لصالح المسلمين: الأول: أنه أمر بوقف الهدم إلا بقرار من المحكمة لحين الفصل النهائي في الدعاوى التي قدمها مسلمون مطلع أكتوبر/تشرين أول 2024.

حيث أكد الضحايا المسلمون للمحكمة أنهم لم يحصلوا على إنذار أو "فترة الإشعار المطلوبة للطعن في أوامر الهدم"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

والثاني: أنه قضى، لأول مرة، بأن "التورط المزعوم في جريمة لا يشكل أساسا لهدم العقار، وانتزع بذلك سلاح خبيث يستعمله الهندوس للانتقام من المسلمين.

أهمية الحكم

برغم أن الحكم ليس نهائيا، وأنه مجرد أمر وقتي من المحكمة للشرطة الهندية بعدم هدم أي منزل تزعم السلطات أنه غير مرخص أو أنه صاحبه متهم في قضايا ما.

إلا أن حكم المحكمة بخصوص هدم منازل ومتاجر المسلمين جاء ليضع حدا لجرائم وهمجية ما يُسمى "عدالة البلدوزر"، حيث أصبحت مشاهد طرد المسلمين من منازلهم ومحالهم وهدمها بإشراف الشرطة سياسة متكررة من السلطات الهندوسية. 

وسبق لنفس المحكمة أن أصدرت أحكاما عديدة ضد المسلمين مثل هدم المسجد البابري والسماح لهندوس بالصلاة داخل مساجد بحجة وجود آثار معابد بها، وفرض قوانين أحوال شخصية علمانية على المسلمين.

لكن هذه المرة أمرت المحكمة السلطات بتأجيل حملة هدم منازل ومحال مسلمين بالبلدوزر لحين النظر في مجموعة من الالتماسات التي تطعن في الحملة في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وأمر القضاة بأنه حتى جلسة الاستماع في الأول من أكتوبر، "لن يكون هناك هدم في أي مكان في جميع أنحاء البلاد، دون طلب إذن" من المحكمة، حسب موقع “صوت أميركا” في 21 سبتمبر 2024.

ووقف هدم الممتلكات الخاصة، لو كان السبب "إجراء عقابي" ضد الأشخاص المتهمين بأنشطة إجرامية، لأن هذا يخالف القانون.

وقال القاضي بوشان رامكريشنا جافاي، أحد القضاة الثلاثة الذين ينظرون القضية: "لا يمكن هدم المنزل حتى لو كان محكوما عليه... يمكن تنفيذ الهدم (فقط) وفقا للإجراءات التي تتوافق مع القانون".

وفي جلسة استماع قالت المحكمة إن هذه الممارسة ترقى إلى "تجاوز قوانين البلاد"، وأضاف القضاة أن "الاشتباه بالتورط في جريمة لا يشكل سببا لهدم العقار".

التماسات عديدة

وعلى مدى عامي 2022 و2023 قدمت جمعية “علماء الهند المسلمين” التماسات متعددة إلى المحكمة العليا، سعيا إلى إصدار أوامر لمنع الحكومات المحلية من هدم المنازل أو المتاجر كشكل من أشكال العقوبة، خارج نطاق القضاء.

وفي الثاني من سبتمبر 2024، أثناء الاستماع إلى عريضة رفعها رشيد خان، وهو سائق عربة "توك توك" مسلم، قالت المحكمة أن عمليات الهدم العقابية "لا يمكن تبريرها"، حتى لو كانت الملكية مملوكة لشخص متهم أو مدان بارتكاب جريمة.

وأدانت جماعات حقوق الإنسان هذا التكتيك بصفته ممارسة غير قانونية للعقاب الجماعي، والتي تستهدف في كثير من الأحيان الأقلية المسلمة في الهند.

ونقلت صحيفة "تايمز أوف إنديا" عن محامين وحقوقيين في 3 سبتمبر 2024 تأكيدهم أن ما يسمى "عدالة الجرافة ظلم ويجب الحد منها".

وأشاد محامو حقوق الإنسان بخطوة المحكمة العليا لوضع مبادئ توجيهية لعموم الهند لمنع الولايات من اللجوء إلى "عدالة الجرافة" كرادع ضد الجرائم.

وعدوه "تذكيرا للسلطات بأن استخدام الجرافات لهدم منزل شخص متهم بارتكاب جريمة يعد انتهاكا لسيادة القانون"، داعين لـ "محاسبة أولئك الذين يستخدمون الجرافات لهدم سيادة القانون".

وقالت جماعات حقوقية هندية وجمعيات إسلامية إنهم يتطلعون إلى جلسة استماع المحكمة العليا مطلع أكتوبر، على أمل فرض "حظر دائم" على همجية " الجرافات"، ومنع حكومات الولايات الهندوسية من هدم منازل المسلمين بحجج وأكاذيب ملفقة.

وقالت مجلة "فرونت لاين" الهندية في 18 سبتمبر 2024 إن قرار المحكمة العليا بوقف الهدم إلا بأمر منها جعل "سياسة الهدم بالبلدوزر" التي يقوم بها أنصار الحكومة الهندوسية المتطرفة من حكام الولايات "تصطدم بالحائط".

أكدت أن "توبيخ المحكمة للسلطات يشكل ضربة قوية للولايات التي تبنت عمليات الهدم بوصفها أسلوبا صارما لمكافحة الجريمة، والتي تستهدف في كثير من الأحيان مجتمعات الأقلية المسلمة".

من جانبها، قالت صحيفة "إيكونوميك تايمز" الهندية في 24 سبتمبر، إن الجرافات أصبحت أداة حزبية عامة لجذب الحشود من جانب الحزب الهندوسي الحاكم. 

ذكرت أن "الجرافات، التي كانت في السابق مجرد قطعة معدات بناء، أصبحت رمز للقوة السياسية في الحملات الانتخابية"، حيث يستخدمها حزب بهاراتيا جاناتا لجذب الحشود.

أشارت إلى انتشار مصطلحات مثل " عدالة الجرافات “ و”سياسة الجرافات" أو "شق طريقك عبر الجرافات" في الخطاب السياسي لكل من حزب المؤتمر وحزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات.

انتقام لا عدالة

وتصاعد انتقام نظام رئيس الوزراء الهندوسي المتطرف "ناريندرا مودي" من المسلمين بهدم منازلهم ومحالهم، بحسب موقع "المقال 14" الهندي في 7 أغسطس/آب 2023.

وتعج مواقع التواصل في الهند بالعديد من فيديوهات الهدم بموجب "سياسة الجرافات الهندوسية" التي هدمت منازل 250 عائلة مسلمة في هريانا في الهند.

وتُركت مئات العائلات المسلمة بلا مأوى بعدما هدمت السلطات منازلهم ومتاجرهم ومباني أخرى فجأة ودون إنذار مُحملة إياهم أعمال العنف التي جرت وهم الضحايا.

وقالت صحيفة "التحرير" التابعة للحزب الشيوعي الهندي في 24 سبتمبر 2024 إن ما تُسميه الحكومة الهندوسية "عدالة الجرافات" هو "هدم ممنهج للعدالة في الهند تحت حكم مودي"

وصفت الجرافة بأنها "أداة حكم ورمز في حد ذاتها لحكم مودي"، وتعبر عن "الإرهاب والظلم والإفلات من العقاب والغطرسة التي ظهرت كعلامات مميزة لحكم حزب بهاراتيا جاناتا في عهد مودي".

وأوضحت أن "القضاء الهندي التزم الصمت بشكل واضح بشأن هذا التجريف للعدالة، وكانت المحاكم مترددة حتى في إصدار أوامر مؤقتة بوقف الهدم ضد هذا النمط من الحكم الذي يعتمد على الجرافات".

ولفتت إلى نوع محدد من البلدوزرات يمتلكه قادة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي تُستخدم لهدم منازل المسلمين هي ماركة "جيه سي بي" التجارية والتي تُصف بأنها "مجلس سيطرة جهادي هندوسي".

وقالت الصحيفة إن الجرافات لا يمكن أن تكون سلاحا للعدالة، فهي بكل وضوح أدوات للإرهاب والتدمير، وترمز إلى دولة هائجة تدوس على كل مفهوم للديمقراطية وسيادة القانون".

أضافت: "بالنسبة للمجتمع المسلم في الهند، فإن الجرافات الهائجة ليست سوى أدوات للإرهاب المستهدف والعدوان الفاشي الذي يسعى إلى إرغام أكبر أقلية دينية في الهند على الخضوع بصمت بينما يسرق الفاشيون مجتمعا بأكمله من حقوقه الدستورية".

وبررت الصحيفة التوسع في هدم منازل الهنود المسلمين بأن "حكومات حزب بهاراتيا جاناتا محبطة وغاضبة من خسارتها للأغلبية في انتخابات عام 2024، فأطلقت حملة انتقام بالجرافات".

جرائم البلدوزر

وبدأت الحملة لأول مرة في عام 2017 في ولاية أوتار براديش، التي يحكمها يوجي أديتياناث، الراهب الهندوسي المتطرف الذي يُنظر إليه على أنه خليفة محتمل لمودي وشخصية رئيسة في حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم.

ومنذ ذلك الحين انتشر إلى العديد من الولايات الأخرى التي تسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا.

ومع بدء استخدام الجرافة كأداة "حكم" في ولاية أوتار براديش تحت قيادة يوجي أديتياناث، أصبحت ولايات أخرى يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، وخاصة ماديا براديش، تتبع هذا النموذج التدميري الهمجي لممتلكات المسلمين أيضا بحماس كبير. 

وفي مقابلة مع صحيفة" إنديا توداي" في الثاني من أغسطس 2023، طالب بيتو باجرانجي، أحد حراس الأبقار المتهمين بتحريض الهندوس، بتطبيق "سياسة الجرافات" التي وضعها رئيس وزراء ولاية أوتار براديش يوجي أديتياناث في ولاية هاريانا، وبعد ثلاثة أيام، بدأت عمليات الهدم، دون سابق إنذار، كما ينص القانون.

ومن أمثلة الهدم التي تستهدف المسلمين بصورة همجية، قيام السلطات الهندوسية بدعم من الشرطة بهدم 11 منزلا مملوكا لمسلمين في منطقة ماندلا في ولاية ماديا براديش، يوم 15 يونيو/حزيران، بحجة العثور على لحوم البقر في ثلاجات المنازل!

وبعد أربعة أيام، نفذت حكومة يوجي في ولاية أوتار براديش حملة هدم واسعة النطاق في منطقة أكبرناجار في لكناو، وهدمت 1169 منزلا و101 منشأة تجارية، باسم الترويج للسياحة على ضفاف النهر. 

وفي 22 أغسطس 2024 تم هدم منزل زعيم حزب المؤتمر الوطني الهندي "حاجي شهزاد على" الذي بُني حديثا في تشاتاربور في ولاية ماديا براديش، واتهموه بتحريض حشد من المسلمين ضد الشرطة المحلية.

وفي عام 2022، بعد أن أدلى المتحدث باسم حزب بهاراتيا جاناتا، نوبور شارما، بـ"تعليق مسيء" للنبي محمد، صلي الله عليه وسلم، نظم المسلمون في ولاية أوتار براديش مظاهرة احتجاجية، فردت السلطات بهدم منازل ومتاجر من شاركوا في المسيرة.

وفي العام نفسه، بعد اندلاع التوتر الطائفي بين الهندوس والمسلمين في ولاية ماديا براديش التي يحكمها حزب بهاراتيا جاناتا، "هدمت السلطات ما لا يقل عن 50 منزلا ومتجرا، وكلها مملوكة لمسلمين".

وقد أشار تقرير لمنظمة العفو الدولية إلى 128 "عملية هدم عقابية" ضد المسلمين خصوصا في آسام وغوجارات وماديا براديش وأوتار براديش ودلهي بين أبريل ويونيو 2022 فقط. 

ووفقا لشبكات حقوقية مطلعة، تم هدم أكثر من 153 ألف منزل في السنوات القليلة الماضية من قبل حكومات الولايات، مما أدى إلى نزوح حوالي 738 ألف شخص.

لكن منظمة "فرونت لاين" الحقوقية أكدت أنه وفقا لحصر قامت به، تم هدم 446 ألف و254 منزلا بالكامل بواسطة الولايات التي يحكمها هندوس.

وقالت منظمة العفو الدولية في أحدث تقاريرها 2024 إن عمليات الهدم كانت جزءا من حملة قمع انتقائية و"شرسة" ضد المسلمين الهنود الذين تحدثوا عن الظلم الواقع ضدهم.

وأوضحت نائبة مدير قسم آسيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ميناكشي جانجولي، أن السلطات الهندية تستخدم "عقوبات موجزة ومسيئة ضد الناس، ومعظمهم من المسلمين"، من خلال هدم ممتلكاتهم، وهذا ينتهك المبدأ الأساسي للعدالة.