إسرائيل منزعجة.. من يعيد ترتيب صفوف "حزب الله" بعد مقتل أبرز قياداته؟

يوسف العلي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

مع استمرار الكيان الإسرائيلي في استهداف قيادات الصف الأول لحزب الله اللبناني، تشير تقارير إلى أن من يدير دفة القيادة حاليا، هو جهاز الأمن الذي بقي أغلب قادته بعيدين عن عمليات الاغتيال ويرجع لهم الفضل في الصحوة الأخيرة التي يشهدها الحزب.

وكان هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله اللبناني آخر من نعاه الأخير من قادته البارزين حتى يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وذلك بعد ثلاثة أسابيع من إعلان إسرائيل اغتياله بغارات جوية عنيفة شنتها على الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.

وفي 19 أكتوبر 2024، نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن مسؤول إسرائيلي مطلع لم تكشف عن هويته، أن “حزب الله” نجح في إعادة ترتيب وتعزيز صفوف قيادته بعناصر كانت أسماؤهم غير معروفة سابقا لإسرائيل وقد أتاح هذا التغيير له مواصلة القتال ضد إسرائيل وإلحاق خسائر كبيرة بها في الأيام الأخيرة.
حيث نفذ عدة عمليات كبيرة، من بينها ضربة جوية قاتلة على قاعدة تدريب لواء جولاني، وإطلاق طائرة مسيرة نحو مسكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قيساريا، بالإضافة إلى مقتل وإصابة عشرات الجنود في جنوب لبنان.

"قيادة بديلة"

في تصريحاته التي تثير الجدل دائما بخصوص مدى صحتها، قال المعمم الشيعي اللبناني محمد علي الحسيني، الذي يعرّف نفسه بـ"الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي" إن "الاستهدافات الإسرائيلية نالت القيادات السياسية والعسكرية الأولى والثانية لحزب الله، لكن لم تستهدف حتى اليوم قياداته الأمنية".

وأضاف الحسيني في حديثه لقناة "العربية" السعودية المناهضة للمقاومة بفلسطين ولبنان في 23 أكتوبر أن "الشخصيات القيادية الأمنية لحزب الله، لا يزال لها حتى اليوم الدور الأكبر في الداخل اللبناني".

وأشار إلى أن "الحزب حاليا بلا رأس بعد حسن نصر الله، وفي حالة ضياع، وحاول الشيخ نعيم قاسم (نائب الأمين العام) أن يسد المكان ويطور من خطبه ويستجلب الكاريزما التي يتمتع بها نصر الله، لكنه فشل فشلا ذريعا ولم يستطع ذلك".

ولفت إلى أن "من يقوم بإدارة حزب الله اليوم على المستوى المركزي والعسكري هم الضباط الإيرانيون، وتحديدا اللواء فولد كار ومعاونه العميد شعباني، وأنه لا يوجد تناغم وتنسيق بين ضباط إيران وبين ضباط حزب الله".

وأوضح الحسيني أن "ضباط حزب الله يرون أنهم أكثر خبرة وتجربة وأنهم يقودون ولا يُقادون، فهناك مشكلة على المستوى العسكري من هذه الناحية، لأن العمود الفقري ورأس الحربة للحزب هو الأمن والعسكر".

وخلال مقابلة سابقة مع القناة نفسها بثت في 29 سبتمبر، قال الحسيني إن "حزب الله هو حزب أمني ورأس القوة فيه هو جهاز الأمن، لأنه هو من يحرك الحزب، وهو أيضا من يضرب من خلال العمليات في الخارج".

وتابع: "عندما مات عماد مغنية (اغتالته إسرائيل في دمشق عام 2008) مات أمن الحزب، ولكن خلفه حتى الآن شخصيتان مهمتان جدا، هما: طلال حمية وخضر يوسف نادر ، اللذان يمسكان حاليا بزمام الأمور ويستطيعان التحرك والحفاظ على رباطة الجأش".

وبين الحسيني أن "حمية ونادر أهم الشخصيات الأمنية اليوم، وهي من تتصل وتعيد ترتيب الأمور؛ لأن القيادات العسكرية والسياسية كلاهما ضرب، بينما القيادة الأمنية للحزب لم يُستهدف منها أحد".

وتمكنت إسرائيل من اغتيال أبرز قادة الحزب السياسيين والعسكريين، فبالإضافة إلى زعيم الحزب حسن نصر الله، قتل كل من: "علي كركي، قائد جبهة الجنوب، وفؤاد شكر رئيس الأركان، وإبراهيم عقيل، رئيس منظومة العمليات، وإبراهيم قبيسي، قائد منظومة الصواريخ".

وكذلك، أعلن الحزب أنه جرى أيضا اغتيال كل من "محمد نعمة ناصر، قائد وحدة عزيز، وسامي طالب عبد الله، قائد وحدة نصر، ومحمد حسين سرور، قائد الوحدة الجوية، وأبو حسن سمير، قائد وحدة التدريب، وجواد الطويل قائد قوة الرضوان".

"جسم القيادة"

على رأس هرم القيادة في حزب الله اللبناني، يوجد "مجلس الجهاد"، المسؤول عن جميع أنشطة الحزب العسكرية والأمنية، وهو بطبيعة الحال مرتبط بمجلس الشورى المركزي للحزب.

ويمثل "مجلس الجهاد" هيئة الأركان العامة للجناح المسلح لحزب الله، ويتألف في الغالب من كبار المسؤولين العسكريين، ومهمته تحديد السياسة العسكرية في الحالات الروتينية والطارئة، والإشراف والتنسيق على أنشطتها، واتخاذ القرار بشأن الأنشطة الجديدة.

وكان يشرف بشكل مباشر على "مجلس الجهاد" الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وكان يتولى المهمة قبله، القيادي عماد مغنية حتى اغتياله في فبراير/ شباط 2008، ثم تولى قيادته مصطفى بدر الدين حتى مقتله بدمشق في مايو/ أيار 2016.

ولكون "مجلس الجهاد" مسؤولا عن الشؤون العسكرية، فإنه يتعاون مع إيران ويعمل معها بشكل وثيق، وتفيد معلومات بأن اجتماعات المجلس يحضرها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني.

ويضم "مجلس الجهاد" في حزب الله، سبعة شخصيات قتل أربعة منهم حتى الآن وهم: هاشم صفي الدين، وإبراهيم عقيل، وفؤاد شكر، وعلي كركي، وهؤلاء كلهم جرى اغتيالهم.

ومن بقي ثلاثة قيادات فقط، هي: خضر يوسف نادر (عز الدين) رئيس وحدة الأمن، وطلال حمية (أبو جعفر) ويشغل حاليا منصب رئيس الاستخبارات في الحزب، ومحمد حيدر عضو سابق في مجلس النواب اللبناني، والذي لا يعرف دوره الحالي.

تحت قيادة هيئة الأركان العامة لحزب الله اللبناني (مجلس الجهاد)، يعمل العديد من الوحدات الرئيسة وهي: المركزية، والسرية، والكوماندوز، والعسكرية المختصة، والمحلية، والوحدة الأمنية (900).

وهناك وحدات خاصة بسوريا، الذين ينتقلون من لبنان ويعملون بانتظام في الأراضي السورية وفقا للاحتياجات العملياتية، إذ أنشأ حزب الله وحدتين مختصتين هناك وتحديدا جنوب البلاد.

الوحدتان التابعتان لحزب الله في سوريا تنسقان ميدانيا مع الوحدة 840 من فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والمليشيات المحلية المتعاونة مع جيش النظام السوري والميليشيات الشيعية العاملة جزئيا في مرتفعات الجولان قرب الأراضي المحتلة.

حقبة جديدة

وبخصوص مستقبل حزب الله اللبناني، قال الباحث الأميركي في مؤسسة "سانتشوري" للأبحاث سام هيلر إن "مقتل نصر الله يشكل نهاية حقبة، فقد كان يتمتع بشخصية كبيرة كقائد، وكان صانع القرار الأول في الحزب، فضلا عن المكانة التي بناها في لبنان والمنطقة". 

وأضاف هيلر خلال تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية في 25 أكتوبر 2024، أنه "من المؤكد أن خسارة نصر الله بعد عقود من قيادته للحزب ستشكل تحولا في مسار الحزب".

ورأى الباحث أن "ما سينهي الحرب يجرى التفاوض عليه حاليا، سواء على المستوى الدبلوماسي أو على أرض المعركة أيضا"، لكنه حذر من أن محاولات "تهميش حزب الله سياسيا" بضغط من قوى خارجية بينها واشنطن قد يؤدي إلى "صراع داخل لبنان وستكون له نتائج سلبية".

ورجح هيلر أنه "سيتعين على حزب الله إما التكيف مع ترتيب تفاوضي جديد أو مع الظروف الموجودة في الميدان، لكن لا أعتقد أنه من المحتمل أن يتخلى تماما عن سلاحه".

وفي السياق ذاته، يعتقد ريتشارد وايتز، كبير زملاء ومدير مركز التحليل السياسي العسكري في معهد "هدسون" الأميركي، أن "مقتل القادة الكبار لحزب الله يعني أن قيادة العمليات الكبرى ستكون أصعب عليه".

وأشار وايتز لموقع قناة "الحرة" الأميركية في 2 أكتوبر 2024 إلى أن "القادة مهمون جدا لتنسيق العمليات وتحفيز القوات"، مؤكدا أن "حزب الله من المفترض أن يكون أكثر قدرة على التصدي لهجوم بري مقارنة بالهجمات الجوية والسيبرانية".

وبحسب ورقة بحثية نشرها "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" (CSIS) الأميركي في مطلع مارس 2024، فإن "حزب الله" يضم نحو 30 ألف مقاتل نشط، وما يصل إلى 20 ألف جندي احتياطي.

لكن في عام 2021، قال زعيم "حزب الله" السابق، حسن نصر الله، إن عدد مقاتلي الحزب يبلغ 100 ألف مقاتل.

ووفقا لمركز "الدراسات الإستراتيجية والدولية" تتكون قوات الحزب المدعومة من إيران في المقام الأول من المشاة الخفيفة، التي تم تدريبها وبناؤها تاريخيا للتخفي والتنقل والاستقلالية.

وقد استخدم "حزب الله"، بحسب المركز ذاته، نسخة مما تسميه الولايات المتحدة "قيادة المهمة"، التي تمكّن المرؤوسين من اتخاذ قرارات مستقلة في ساحة المعركة، بناءً على نية القائد.

وتضيف ورقة المركز البحثية أن "تصميم القوة المذكورة للحزب تسمح له بالعمل بشكل فعال، في ظل ظروف القوة النارية الإسرائيلية الساحقة".

وفي عام 2006، توضح الورقة أنه "تم تصميم وحدات الصواريخ الخاصة بحزب الله لإنشاء موقع إطلاق نار والتشتت في أقل من 28 ثانية، وذلك بالاعتماد على المعدات المعدة مسبقا والملاجئ تحت الأرض والدراجات الجبلية، لتحقيق مثل هذه النافذة الصغيرة من التعرض".

وأضافت الورقة أنه في أعقاب حرب عام 2006 "واصل الاستفادة من نقاط القوة في هذا النهج، فعمل على إزالة مركزية قيادته وسيطرته وإعادة تنظيمه لإجبار الجيش الإسرائيلي على الانتقال إلى مناطق أكثر حضرية، إذ يمكن لمقاتليه الاستفادة من المواقع المخفية والمحصنة".