"صفقة جديدة".. كيف يهدد رئيس حكومة المغرب الحياة الاقتصادية والسياسية؟

عالي عبداتي | منذ ٢٥ يومًا

12

طباعة

مشاركة

يواصل رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش اقتناص الصفقات العمومية الكبرى بالبلاد، وسط انتقادات واسعة له، وتحذيرات من خطر "زواج السلطة بالمال" على الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في البلاد.

ويواجه أخنوش اتهامات جديدة بـ"تضارب المصالح"، وذلك بعدما تمكنت شركة "أفريقيا" المملوكة له، من نيل صفقة ضخمة لتوريد "الفيول" (جاز) لفائدة “المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب” (حكومي)، بقيمة 2.44 مليار درهم (244 مليون دولار).

وتشمل الصفقة التي فازت بها شركة أخنوش وفق ما تناقلته وسائل إعلام مغربية، تزويد محطتي "المحمدية" وسط البلاد و"طانطان" جنوبا، بحصص تبلغ 350 ألف طن و90 ألف طن على التوالي.

وأشارت إلى أن رئيس الحكومة اختتم عام 2024 بتحقيق زيادة ملحوظة في ثروته الشخصية التي بلغت 1.7 مليار دولار، مقارنة بثروته خلال 2023 التي لم تتجاوز 1.5 مليار دولار، وفق مجلة "فوربس" الأميركية المتخصصة في إحصاء ثروات أثرياء العالم.

استغلال السلطة

ويتزامن هذا التحسن في ثروة أخنوش مع النقاش السياسي الدائر في المغرب حول تضارب المصالح، خاصة بعد فوز إحدى الشركات المملوكة لأخنوش بصفقة كبرى لتحلية مياه البحر في الدار البيضاء، بقيمة تتجاوز 6.5 مليارات درهم (650 مليون دولار)، وهو المشروع الذي يثير حاليا جدلا واسعا في الأوساط السياسية والاقتصادية.

وفي جلسة برلمانية عُقدت خلال ديسمبر/كانون الأول 2024، حاول أخنوش الدفاع عن نزاهة الصفقة، مؤكدا أن “اختيار الشركات تم بناء على معايير تنافسية”.

إلا أن حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المعارض، رد ببيان اتهم فيه رئيس الحكومة بإخفاء حقائق تتعلق بالدعم العمومي المقدم لمثل هذه المشاريع، مقدرا أن تصريحات أخنوش تعاني من "تناقض واضح"، داعيا إياه إلى تقديم استقالته.

من جانبه، أكد حزب التقدم والاشتراكية أن “الصفقة استفادت من دعم الدولة وفقا لميثاق الاستثمار، الذي يتيح دعما يصل إلى 30 بالمئة من تكلفة المشاريع الإستراتيجية”، كما أشار إلى “تخفيض نسبة الضرائب على الشركات من 35 بالمئة إلى 20 بالمئة، ما يعزز المخاوف بشأن نزاهة العملية”.

وأكد الأمين العام للحزب، محمد نبيل بنعبد الله، أن "تضارب المصالح في مثل هذه القضايا يستوجب المحاسبة أو الاستقالة كما هو معمول به في الدول الديمقراطية".

وفي تعليقه على النازلة الجديدة، أكد البرلماني السابق والأستاذ الجامعي عبد العزيز أفتاتي، أن "رئيس الحكومة يستغل سلطته لتركيز وافتراس المال واستثمار الأعمال، لتأبيد السلطة في متوالية لا تنتهي وهكذا دواليك".

وقال أفتاتي لـ "الاستقلال"، إن هذه الصفقة "الماكرو/ همزة (فرصة) كانت ضمن البرنامج التوقعي للسداسي الثاني لعام 2024 للمكتب الوطني للكهرباء، عادا إياها "شفطة أخرى تنضاف لشفطات سابقة كبيرة ومروعة ستتلوها أخرى وعلى منوالها...".

واسترسل: "ما لا يُتحدث عنه، هو أن هذه البرمجة تتم بشكل منسق من لدن تحالف الرأسمال الكبير الريعي ببلادنا، قصد مزيد من تركيز الثروة وافتراس الأعمال، والصفقات البعيدة المدى وما فوق مربحة، وذلك كله بدعاوى مزيفة، من قبيل تشكيل مجموعات وطنية منافسة للرأسمال الأجنبي".

وشدد عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالبرلمان السابق، على أن “هذه دعاوى غير صحيحة وتدليسية، لأن الرأسمال الكبير الريعي في بلادنا يتحالف مع الرأسمال الكبير الأجنبي في ذات الصفقات تقريبا من خلال تشكيل مجموعات ضخمة”.

وأضاف “هذه المجموعات الاستثمارية توفر من خلالها الشركات الأجنبية الخبرة، بينما تتولى الشركات المحلية توفير الغطاء والاستفادة بتقاسم أرباح طائلة ولمدة طويلة”.

وأوضح أفتاتي أن “هذه الصفقة تتضمن عملية استيراد للفيول (جاز) وبيعه للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بعد تجريد المكتب تباعا من اختصاصات وصلاحيات وتفكيكه”.

وتابع: “وذلك لكي ليقتصر دوره على عملية نقل الكهرباء بصفته يملك شبكة قائمة بالمال العام، والتحول كبقرة حلوب في الباقي من إنتاج وتوزيع (أعمال مربحة ومضمونة مسبقا)، لتتولاها شركات أخرى محظوظة”.

ويرى أفتاتي أن “هذه الصفقة ما هي إلا نتيجة لعملية تديرها جهات نافذة في بنية الدولة، توزع بها الموارد الكبيرة على شركات بعينها بغرض الاستحواذ والتركيز وما شابه ذلك، والاستثمار في بعض هذه الكارتيلات (اتحاد احتكاري لصانعي السلع والمنتجات) في المجال السياسي كذلك”.

تفاعلات مجتمعية

ولم يترك رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بن كيران، هذا الحدث يمر دون تعليق وانتقاد.

وفي كلمة له خلال اجتماع الأمانة العامة لحزبه العدالة والتنمية، في 4 يناير/كانون الثاني 2025، وجه انتقادات لاذعة لأخنوش، على خلفية فوز شركته "أفريقيا" بصفقة توريد الفيول لفائدة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

ورأى ابن كيران أن "أخنوش لم يكتف بصفقة تحلية ماء البحر بمدينة الدار البيضاء، بل زاد صفقة الفيول لفائدة المكتب الوطني للكهرباء، التي فاز بها كلها، مقابل 2.44 مليار درهم (244 مليون دولار)".

وأكد أنه “في الدول المتقدمة لا يتم منح مثل هذه الصفقات لشركة واحدة، حتى وإن تقدمت بأقل عرض مالي، بل تُقدم لأربع أو خمس شركات على الأقل”.

واستهزأ بن كيران من فوز شركة ثانية بجزء من الصفقة مقابل حوالي 390 مليون درهم (39 مليون دولار) في إشارة إلى "الدرهم هولدينغ"، معلقا على ذلك بالقول: "الجبن يحتاج إلى خبز ليبلع".

وتابع: “هذا الأمر يشبه المثل الدارج (قسمة بن دغل، بعضهم أخذ اللجام وبعضهم أخذ البغل)”، قائلا إن “صفقة تحلية مياه البحر لم تنته تفاعلاتها بعد حتى أتى بهذه الصفقة الجديدة”.

عدد من المنابر الإعلامية المغربية انتقدت فوز شركة رئيس الحكومة بهذه الصفقة الجديدة، مؤكدة أنها تخلق وضعا سياسيا واقتصاديا غير مناسب، بفعل تعارضها مع الثقة وتكافؤ الفرص.

وفي هذا الصدد، قال موقع "فبراير كوم" إن استمرار شركة "أفريقيا" في الفوز بعقود عمومية كبرى يطرح تساؤلات حول الشفافية والمنافسة العادلة، خاصة في ظل الانتقادات الموجهة لسيطرة الشركة على قطاع المحروقات.

وشدد الموقع عبر مقال نشره في 28 ديسمبر 2024، على أن "الصفقة الأخيرة تعزز نفوذ الشركة في السوق المحلي، مما يدفع البعض إلى المطالبة بإرساء قواعد واضحة تكفل المساواة بين جميع الفاعلين الاقتصاديين".

وذكر أن "هذه الصفقة تُضاف إلى سلسلة من العقود التي تؤكد حضور (أفريقيا) القوي في الاقتصاد المغربي، لكنها تفتح المجال للنقاش حول ضرورة تعزيز الشفافية وتكافؤ الفرص في منح الصفقات العمومية".

من جانبه، أكد موقع "هبة زووم"، أن "لهذه القضية آثارا متعددة على المشهد السياسي والاقتصادي في المغرب، فهي قد تؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات، وتعميق الانقسامات السياسية، وتشجيع المزيد من الانتقادات حول الحوكمة والشفافية".

وأضاف في مقال نشره مطلع يناير 2025، "كما قد تؤثر سلبا على الاستثمار الأجنبي، وتضر بصورة المغرب كوجهة استثمارية".

وشدد على أن "صفقة الفيول هذه ليست مجرد قضية اقتصادية، بل هي قضية سياسية وأخلاقية تتعلق بأساسيات الحكم الرشيد"، مقدرا أنه "إذا لم يتم التعامل مع هذه القضية بشفافية ومساءلة، فإنها ستترك آثارا سلبية عميقة على مستقبل المغرب".

حكومة فساد

تفاعلا مع هذه الصفقة وسلوك أخنوش الاقتصادي، قال رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، عبد الله بووانو، إن “التحدي القائم اليوم هو ابتلاء المغرب بحكومة 8 سبتمبر/أيلول 2021، وهو أكبر تحد قائم أمام المغاربة”.

جاء ذلك في كلمة لبووانو خلال لقاء مع مهنيين بالعاصمة الرباط في 5 يناير 2025، حيث ذكر أن “الحكومة منذ تنصيبها في أكتوبر 2021، وقد صاحبتها الكوارث الطبيعية بشكل غير مسبوق، من جفاف وزلزال وفيضانات وغيرها”.

واسترسل: “كما فشلت الحكومة في ملف الاستثمار، حيث نجد أن المقاولات المفلسة في ارتفاع والتي تنشأ في اندحار، بعد أن وصلنا إلى 16 ألف مقاولة أعلنت إفلاسها”.

وذكر بووانو أن "الحكومة وعدت برفع الاستثمار العمومي، دون أن يكون لهذا أي أثر على التشغيل والنمو وخلق الثروة، لأن عنوانها هو تضارب المصالح والتطبيع مع الفساد، وسحب القوانين المرتبطة بمحاربة الفساد والريع".

وتابع: “وهي أيضا حكومة انتقاد كل من يتحدث بغير هواها، كما وقع مع بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسات رسمية) وغيرها، بسبب حديثهم عن الفساد أو عن إخفاقات الحكومة”.

وقال: إن “المجموعة النيابية تقدمت بـ12 طلبا لمجلس المنافسة للتحقيق والبحث في شبهات تواطؤ على الاحتكار والفساد في مجال المستلزمات الطبية، والبناء والأشغال، والحليب، والغاز الطبي، والبذور، والأعلاف، والصيد البحري، والغاز الطبيعي والمسال، والدواجن والبيض”.

وشدد على أن “كل أشكال الاحتكار وتركيز الثروة في هذه القطاعات وغيرها يتم برضى الحكومة، لأنها مساهمة فيه”.

وتوقف عند تضارب المصالح لدى رئيس الحكومة، منتقدا إياه بشدة، ومنه استحواذه على غاز منطقة تندرارة، وعلى صفقة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، وأخذه لـ2.44 مليار درهم من مكتب الماء والكهرباء في صفقة أخيرة.

ومن مظاهر الفساد أيضا، يردف رئيس المجموعة النيابية، خفض الحكومة لرسم استيراد الأدوية من 40 و30 بالمئة إلى 2.5 بالمئة، من أجل خدمة تيار أو قطاع الاستيراد.

وخلص بووانو إلى أن "الحكومة برئاسة أخنوش لا تتورع عن خدمة بعضها والجهات التي لها بهم علاقة، ولو على حساب المال العام ومصالح المواطنين والإنتاج الوطني وسمعة البلاد الدولية، محذرا من مآلات هذا الوضع الخطيرة".