ممنوع الاطلاع على بيانات المستخدمين.. لماذا تنكل فرنسا بمؤسس “تلغرام”؟
"اعتقال دوروف انتهاك للحقوق الأساسية مثل حرية التعبير "
في 27 أغسطس/ آب 2024، أُفرج عن مؤسس تطبيق تلغرام للتواصل الاجتماعي بافيل دوروف بكفالة بعدما أمضى أربعة أيام في سجن فرنسي.
وفرضت محكمة فرنسية على رجل الأعمال الروسي المولد، والذي يحمل الجنسيات الروسية والفرنسية والإماراتية، حظر سفر بانتظار محاكمته المحتملة في قضية تتعلّق بإشراف شركة تلغرام على محتوى منصّتها الخاصة بالمراسلة.
وفي هذا السياق، يتحدث موقع "الصين.نت" عن اعتقال دوروف، عند وصوله إلى مطار باريس بورجيه على متن طائرة خاصة قادما من أذربيجان.
وجاء اعتقاله بناء على اتهامات من السلطات الفرنسية بأن تلغرام يستخدم بشكل متزايد في أنشطة غير قانونية، مثل غسيل الأموال وتجارة المخدرات ونشر المواد الإباحية للأطفال وأنشطة إرهابية.
وعلى جانب آخر، يلفت الموقع إلى أن تلغرام يُعرف بتقديمه لميزات خصوصية قوية، مما جعله يتمتع بشعبية واسعة بين المستخدمين. لكن في الوقت نفسه، أصبحت المنصة ملاذا للمجرمين لأن تشفيرها يمنع السلطات من مراقبة النشاطات غير القانونية بسهولة.
احتجاز دون تهم
يقول الموقع إن السلطات الفرنسية تعتقد أن تلغرام، نظرا لعدم وجود رقابة كافية على المنصة، يُستخدم بشكل ضار في أنشطة إجرامية متعددة مثل غسيل الأموال وتجارة المخدرات ونشر المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال والإرهاب.
علاوة على ذلك، يُشتبه في تورط دوروف في "المساعدة في ارتكاب هذه الجرائم".
وفيما يخص تفاصيل الاحتجاز، يقول الموقع الصيني إنه "حتى صباح 27 أغسطس/ آب 2024، لم تُوجه لدوروف أي تهم بعد، كما أن تفاصيل التحقيقات غير متوفرة".
ولكن بحسب ما ورد عن الموقع، فقد مدد قاضي التحقيق الفرنسي، في مساء 25 أغسطس/ آب 2024، أمر احتجاز دوروف.
وبحسب القانون الفرنسي، فإن الحد الأقصى لمدة احتجاز دوروف هو 96 ساعة، أي أنه بعد أربعة أيام من الاعتقال، يجب على القاضي اتخاذ قرار بشأن الخطوة التالية؛ إما توجيه الاتهامات أو الإفراج عنه دون تهم.
وبالحديث عن المنصة الاجتماعية بشكل أكثر تفصيلا، يشير الموقع إلى أن تلغرام هو تطبيق للتواصل الفوري، يتيح إجراء محادثات فردية ومحادثات جماعية، بالإضافة إلى بث الرسائل في قنوات كبيرة.
وعلى عكس العديد من تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى، يمكن أن تضم مجموعات تلغرام ما يصل إلى 200,000 شخص.
وبالمقارنة مع المنصات الأخرى، يقول الموقع إن "تطبيق واتساب يمكنه استيعاب 1024 شخصا كحد أقصى، بالإضافة إلى أن وي شات يستوعب 500 شخص. وبالنسبة لتطبيق ماسنجر وفيسبوك، فإنهما يستوعبان 250 شخصا فقط".
ولكن على الجانب الآخر من هذه المزايا، يلفت الموقع إلى أن هذا العدد الكبير من المشاركين في الدردشات الجماعية يزيد من احتمالية حدوث "تأثير الشلال المعلوماتي" و"تأثير الغرفة الصدى"، مما يعني أن المعلومات المضللة يمكن أن تنتشر بسهولة أكبر.
ومن ناحية أخرى، يوضح الموقع أنه على الرغم من أن برنامج تلغرام على مستوى العميل يعتمد على كود مفتوح المصدر، إلا أن الخوادم الخاصة به تظل ملكية خاصة.
وهو ما يتيح للمستخدمين تبادل الملفات المشفرة والرسائل ذاتية التدمير، بحسب ما ذكره الموقع.
بيانات مشفرة
علاوة على ذلك، يعكس لنا الموقع الصيني أن تلغرام تفتخر بأنها "لم تكشف أبدا عن أي بيانات مستخدم لأي طرف ثالث، بما في ذلك الحكومات".
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن "خاصية التشفير في تلغرام، التي يستخدمها 950 مليون مستخدم حول العالم، تتمتع بمستوى أمان عال جدا".
ومع ذلك، يسلط الموقع الضوء على أن "تقنية التشفير الذاتي والحماية القوية للخصوصية في تلغرام تعد سلاحا ذا حدين".
فبينما تدعم المنصة مبدأ "حرية التعبير" في المجتمعات الغربية، فإنها أيضا توفر أداة فعالة للأنشطة الإجرامية، من وجهة نظر الموقع.
وفي هذه النقطة، يظهر الموقع أن المحققين اكتشفوا أن تقنية التشفير في تلغرام تُستخدم على نطاق واسع من قبل تجار المخدرات.
وبالعودة قليلا إلى الماضي، يذكرنا الموقع الصيني بأن المنصة كانت تُنتقد بشكل متكرر لعدم كفاية الرقابة على المحتوى.
وقد خلص تقرير بحثي صدر عن مرصد الإنترنت بجامعة ستانفورد، في أبريل/ نيسان 2024، بعنوان "مزايا وعيوب نظام حماية الأطفال عبر الإنترنت"، إلى أن "تلغرام يتميز بمستوى أمان منخفض ومرونة في السياسات والرقابة على المحتوى غير القانوني مقارنة بالمنصات الأخرى".
وبالإضافة إلى ذلك، يلفت الموقع إلى أنه في عام 2022، فرضت ألمانيا غرامة 5 ملايين يورو على تلغرام لعدم إنشائها مسارا للإبلاغ عن المحتوى غير القانوني وعدم تعيين كيان معين لتلقي الاتصالات الرسمية في ألمانيا.
وفي عام 2023، توقفت منصة تليغرام عن العمل في البرازيل لعدم تقديمها المعلومات المطلوبة من قبل الشرطة البرازيلية، وذلك للتحقيق في حادثة إطلاق نار في مدرسة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
من جانبه، صرح جان ميشيل برنيغو، رئيس مكتب حماية القصر في فرنسا، على موقع "لينكد إن" بأن "جوهر هذه القضية يتعلق بافتقار المنصة للرقابة والتعاون، خاصة في مكافحة استغلال الأطفال في المواد الإباحية".
وفي رد على عملية الاعتقال التي قامت بها فرنسا أخيرا، أكدت منصة تلغرام التزامها بالقوانين الأوروبية وأن الرقابة على المحتوى “تتوافق مع المعايير الصناعية وتخضع لتحسين مستمر”.
ردود فعل متباينة
وبالحديث عن تفاصيل إطلاق المنصة الاجتماعية، يوضح الموقع الصيني أن دوروف أسس تلغرام مع شقيقه نيكولاي دوروف في عام 2013، حيث كان دوروف مسؤولا عن التمويل والبنية التحتية العامة للمنصة، بينما قدم نيكولاي الدعم التقني.
جدير بالذكر أنه قبل تأسيس تلغرام، أنشأ دوروف أكبر منصة للتواصل الاجتماعي في روسيا، وهي "فكونتاكتي".
وخلال الاحتجاجات الواسعة في موسكو أواخر عام 2022، طلبت الحكومة الروسية من "فكونتاكتي" حذف مجموعات المعارضة الروسية عبر الإنترنت.
كما طلبت الحكومة الروسية من المنصة تسليم بيانات شخصية للمستخدمين الذين شاركوا في الاحتجاجات الأوكرانية في أواخر عام 2013.
وهي الاحتجاجات التي أدت في النهاية إلى الإطاحة بالحكومة الموالية لروسيا بقيادة الرئيس يانوكوفيتش في عام 2014. وفي نفس العا، باع دوروف حصته في فكونتاكتي وغادر روسيا.
وبالعودة مرة أخرى للحديث عن تلغرام، يشير الموقع إلى أن المقر الرئيس الحالي للمنصة يقع في دبي.
وصرح دوروف في برنامج حواري بُث في 18 أبريل/ نيسان 2024، للمقدم تاكر كارلسون، بأن دبي هي الأنسب لمنصة محايدة تسعى لحماية خصوصية المستخدمين وحرية التعبير، مؤكدا على أن "تلغرام سيظل دائما محايدا ولن يشارك في الجيوسياسية".
وفي هذا السياق، أشار الموقع الصيني إلى أن خيارات دوروف ليست موضع نقاش في الوقت الحالي.
فمن ناحية، يلفت الموقع إلى أن "المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، رفض التعليق على اعتقاله".
إلا أن بعض المسؤولين الروس أعربوا عن غضبهم ورأوا أن الأمر قد يكون بدوافع سياسية، ويرون فيه دليلا على ازدواجية المعايير الغربية بشأن حرية التعبير.
من جانبه، دافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اعتقال واستجواب دوروف، مؤكدا أن "هذا ليس قرارا سياسيا بأي حال من الأحوال".
وفي الوقت نفسه، أشار بعض المنتقدين لروسيا إلى أن "روسيا حاولت أيضا حظر تلغرام في عام 2018 ولكنها لم تنجح".
وعلى جانب آخر، يعكس لنا الموقع أن غالبية الدعوات للإفراج عن دوروف جاءت من أوساط التكنولوجيا.
إذ عبر إيلون ماسك عن دعمه لحرية التعبير على منصة "إكس"، بينما نشر إدوارد سنودن، العميل السابق لدى المخابرات الأميركية، تغريدة قال فيها: "اعتقال دوروف انتهاك للحقوق الأساسية مثل حرية التعبير ".
ولكن من منظور أجهزة إنفاذ القانون الفرنسية، يعتقد الموقع أن التحقيق مع دوروف قد يكون ناتجا عن مزاعم رفض تلغرام الامتثال للأنظمة الحكومية.
وبهذا الشأن، خلص بريان فيشمان، المدير السابق في فيسبوك والباحث في مكافحة الإرهاب، إلى أن "منصة تلغرام تجاهلت لسنوات طلبات أجهزة إنفاذ القانون للتحقيق في المنظمات الإرهابية ومواد استغلال الأطفال".
وفي النهاية، يشير الموقع إلى أن تلغرام، الذي كانت تقدر قيمته السوقية بحوالي 30 مليار دولار، لا يضم سوى 30 موظفا بدوام كامل، مما يشير إلى أن مراجعة المحتوى على المنصة قد تكون غير كافية.