بين الرغبة في استعادة النفوذ وتطلعات الاستقلال.. مستقبل الصراع بين روسيا دول آسيا الوسطى

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

يستخدم الاتحاد الروسي أدوات الضغط كافة للحفاظ على نفوذه وسيطرته على الدول التي كانت جزءا من المدار السوفيتي خصوصا بعد أن شهدت العلاقات بين أذربيجان وروسيا توترا جديدا إثر حادثة طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية في 26 ديسمبر/كانون الأول 2024.

ونشرت صحيفة إندبندنت بنسختها التركية مقالا للكاتب التركي "مايس اليزادي"، الذي سلط فيه الضوء على تصاعد التوترات بين روسيا ودول آسيا الوسطى والتحديات الجديدة لمحاولة استقلال أذربيجان وكازاخستان وأوزبكستان.

تحديات جديدة

وبالعودة لحادثة الطائرة أشار اليزادي في مقاله إلى أنه لم يُسمح للطائرة بالهبوط في مطار العاصمة الشيشانية غروزني، التابع للاتحاد الروسي، وتم توجيهها إلى مطار أكتاو على الساحل الشرقي لبحر قزوين. وعلى إثر ذلك فقد تعرضت الطائرة لإطلاق صاروخي وسقطت قبل الهبوط بثلاثة كيلومترات، مما أدى إلى تفاقم التوترات بين باكو وموسكو.

واستدرك إليزادي: لم تقتصر التوترات على أذربيجان؛ إذ أثارت الأحداث الأخيرة في كازاخستان وأوزبكستان تساؤلات حول توجه هذه الدول نحو سياسات أكثر استقلالية. ففي ظل هذه التوترات يبرز تساؤل حول قدرة آستانا وطشقند على تحدي موسكو بشكل صريح، خصوصا في ظل زيادة الدعوات إلى الحد من النفوذ الروسي في المنطقة. 

وأشار الكاتب التركي إلى أن التوترات الحالية تعكس صراعا مستمرا بين الرغبة في الحفاظ على النفوذ الروسي والتطلعات المتزايدة نحو استقلالية هذه الدول.

وتابع: في 25 ديسمبر 2024 شهدت العلاقات بين أذربيجان وروسيا تصعيدا كبيرا بعد حادث سقوط طائرة تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية، والتي تم إسقاطها بصواريخ روسية. وإن هذا الحادث الذي أودى بحياة 38 راكبا من بينهم أفراد من طاقم الطائرة قد أثار جدلا واسعا وفتح بابا جديدا من الاتهامات بين البلدين.

وفي حادثة أخرى أكدت مصادر أن طائرة الرئيس الأذربيجاني، التي كانت في طريقها إلى قمة غير رسمية لرابطة الدول المستقلة في سانت بطرسبرغ، قد واجهت مشاكل تقنية أيضا في المجال الجوي الروسي، مما اضطرها للعودة إلى باكو. 

وردا على الحادث أعلنت أذربيجان إلغاء رحلاتها إلى بعض المدن في شمال القوقاز ومنطقة البحر الأسود في روسيا، معللة ذلك بمخاوف تتعلق بسلامة الطيران. بالإضافة إلى ذلك، طالبت أذربيجان روسيا بتحمل المسؤولية عن الحادث ودفع تعويضات لعائلات الضحايا. 

وبناء على هذه الحادثة التي لا تزال التحقيقات مستمرة فيها فإن التوتر بين البلدين لا يزال قائما، ولا تزال العلاقات المستقبلية بين أذربيجان وروسيا المتعلقة بمجال الطيران المدني غيرَ واضحةٍ وسط شكوك حول قدرة البلدين على تجاوز هذه الأزمة.

تغييرات مهمة

وأردف الكاتب التركي: إن العلاقة بين كازاخستان وروسيا أيضا تشهد توترا متزايدا، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لرئيس كازاخستان قاسم جومرت توكاييف.

ففي 3 يناير/كانون الثاني 2025 صرح توكاييف في مقابلة مع "القناة الرئيسية" بأنه اتهم سَلَفَه نور سلطان نزارباييف بتأجيج الفوضى في البلاد خلال أحداث يناير 2020، وهي الفترة التي شهدت اضطرابات وأزمات داخلية.

وأعرب أيضا عن استيائه العميق بسبب ما وصفه بـ "اتفاق سري" بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونزارباييف، والذي يُزعم أنه كان له تأثير سلبي كبير على استقلال كازاخستان. 

وقد أثارت التكهنات بشأن هذا الاتفاق السري قلقاً بالغاً في المجتمع الكازاخستاني، خاصة أن بوتين ونزارباييف اجتمعا مرتين العام الماضي، مما أثار الكثير من التساؤلات حول نوايا موسكو تجاه كازاخستان.

وفي وقت حساس من الانتقال السياسي، حيث يسعى توكاييف لتعزيز سلطته وتحرير كازاخستان من التأثير الروسي، يرى الرئيس الكازاخستاني أن هذه الاجتماعات السرية تشكل تهديداً لجهوده في الحفاظ على الاستقلال السياسي وتعزيز سيادة بلاده.

من جهةٍ أخرى، فإن موسكو لم تقابل الاستياء الكازاخستاني من التدخلات الروسية بشكل إيجابي، حيث أظهرت العديد من الإشارات أن الكرملين مصمم على الحفاظ على نفوذه في المنطقة، وهو ما يزيد من تعقيد العلاقات بين البلدين ويجعلها تسير في اتجاه متوتر قد يؤثر على المستقبل السياسي لكازاخستان.

 رقابة مشددة 

وأردف الكاتب التركي: لقد تزامن الهجوم الفاشل على كميل علامجونوف، المتحدث السابق باسم الرئيس الأوزبكستاني شوكت ميرزيوييف، مع فترة حساسة شهدت توترات سياسية في أوزبكستان.  ففي أكتوبر 2024 تعرضت سيارة علامجونوف لهجوم لم يُصَب فيه بأذى، لكنّ الحادث قام بإبراز التوترات الجيوسياسية المستمرة في المنطقة. بالإضافة إلى أنّه تمّ ربط الهجوم بعدد من المقاتلين الشيشانيين التابعين للاتحاد الروسي مثل بيسلان رسايف وشامل تيميرخانوف، مما دفع النيابة العامة في أوزبكستان لتقديم طلب دولي لتوقيف المشتبه بهم.

ويتزامن هذا الهجوم في أوزبكستان مع برنامج الإصلاحات الذي كان يسعى ميرزيوييف لتنفيذه، حيث يُنظَرُ إليه على أنه محاولة لعرقلة هذه المساعي الإصلاحية، وهو الأمر الذي يعكس التحديات السياسية الداخلية التي تواجهها الحكومة. 

وإثر ذلك، تزايدت المطالبات في أوزبكستان بفرض رقابة مشددة على الأنشطة الروسية في البلاد، إضافة إلى المطالبة بإلغاء الرحلات الجوية من أوزبكستان إلى الشيشان. وهكذا فإن هذه التطورات تشير إلى تنامي الاستياء من التدخلات الروسية في الشؤون الداخلية لأوزبكستان.

وأشار الكاتب التركي إلى أن هذه الخلافات في أوزبكستان، إلى جانب التطورات في أذربيجان وكازاخستان، تشير إلى تغييرات هامة في العلاقات الإقليمية في آسيا الوسطى. حيث كانت هذه الدول في وقت مضى تعتمد بشكل كبير على روسيا في مجالات عدة، لكن يبدو أنها بدأت الآن في اتخاذ خطوات نحو تعزيز استقلالها، وهو ما يعكس توجهاً نحو إعادة تشكيل العلاقات بناءً على مصالح إقليمية ودولية أوسع.

وتأتي هذه التغييرات بعد أن كانت روسيا تستخدم هذه الاستفزازات كجزءٍ من السياسة الخارجية لها لفرض نفوذها في المنطقة والضغط على الدول المجاورة، وذلك ضمن مساعي موسكو للحفاظ على قوتها. لكن ومع تصاعد هذه التوترات قد يؤدي هذا الوضع إلى تغييرات جذرية في علاقات هذه الدول مع روسيا، مما يساهم في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية بشكل قد يتعارض مع مصالح موسكو.