باكستان تجمد مستحقات إيران من النفط والكهرباء.. ما علاقة أميركا؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

بضغط أميركي، تجد باكستان، الجارة الشرقية لإيران مبررا لتجميد مستحقات طهران من مبيعات النفط والكهرباء المترتبة على إسلام أباد في أحدث توتر اقتصادي بين البلدين.

وكشف عضو الوفد التمثيلي لغرفة تجارة زاهدان “أمان الله كهرازهي”، أن أموال مبيعات النفط والكهرباء الإيرانية إلى باكستان “مجمدة” وأن التجارة بين البلدين تواجه صعوبات كبيرة.

تجميد المستحقات 

وأرجع في مقابلة مع وكالة أنباء "إيلنا"، في 28 أغسطس/آب 2024، التحديات في التجارة الحكومية بين إسلام أباد وطهران إلى "الوجود القوي للولايات المتحدة في باكستان".

وقال إن واشنطن هي التي تدفع نفقات الجيش في الدولة المجاورة شرقي إيران، ولهذا لم تتمكن إسلام أباد من تسوية أموال الكهرباء والنفط الذي اشترته من طهران، وجرى تجميد المستحقات الإيرانية، وفق قوله.

وتبلغ قيمة التجارة بين البلدين أكثر من 928 مليون دولار منذ بداية عام 2024. وأشار كهرازهي إلى أن الأرز والقطن والسمسم من العناصر الرئيسة التي تصدر من باكستان إلى إيران.

وحول إمكانية إنشاء بنك مشترك بين إيران وباكستان، قال إن الأمر لا يزال مجرد كلام.

وتابع: “نحن في الغرفة المشتركة بين إيران وباكستان نواجه مشكلة رئيسة وهي الوجود القوي لأميركا في إسلام أباد وأنها تدفع لجيشها”.

وأردف: "لذلك فإن هذا الموضوع يؤثر على أي علاقة بين حكومتي إيران وباكستان، وإنشاء بنك مشترك ليس استثناء من هذه القاعدة.

وتابع: “حتى إن هذا الموضوع جعل باكستان غير قادرة على تسوية أموال الكهرباء والنفط التي اشترتها منها إيران، والمبالغ المحظورة في هذا البلد”.

وتجمع باكستان والولايات المتحدة علاقات معقدة، مرّت منذ خمسينيات القرن العشرين بمنحنيات صعود وهبوط مستمر، طبقا لما تقتضيه مصالح واشنطن.

وقد حرصت باكستان على لعب دور الحليف للولايات المتحدة، خاصة أثناء الحرب السوفيتية الأفغانية في ثمانينيات القرن العشرين.

واستفادت باكستان دعما اقتصاديا وعسكريا قدمته لها الولايات المتحدة، على فترات متقطعة، ساعدتها في تخفيف أعبائها الاقتصادية.

وأولتها هامش حرية مكنها من إنشاء وتطوير برنامج تسليح نووي قادر على ردع عدوتها اللدود "الهند"، حليف الاتحاد السوفيتي السابق.

وأمام ذلك، فإن واشنطن التي تطارد صادرات النفط الإيرانية لمنع طهران من تحقيق عوائد مالية بموجب العقوبات المفروضة عليها، تضغط على باكستان في هذا الشأن.

ضغوط أميركية 

وبشكل صريح، حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، منتصف مارس/آذار 2024، أثناء إعلانه عدم دعم استمرار مشروع خط أنابيب نقل الغاز بين إيران وباكستان، من عواقب التعامل مع حكومة طهران، الأمر الذي ينطوي على خطر فرض عقوبات من واشنطن.

وقال المسؤول الكبير في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون جنوب ووسط آسيا دونالد لوي، حينها إن وزارة الخارجية الأميركية تراقب إنشاء خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان، لكن إسلام أباد لم تطلب إعفاء من العقوبات على الغاز.

وقد ردت في نهاية مارس 2024 المتحدثة باسم وزارة الخارجية الباكستانية ممتاز زهرا، بالقول إن بلادها ملتزمة بتنفيذ المشروع المهم لنقل الغاز من إيران إلى باكستان  بناء على الاتفاقية الثنائية، مضيفة أن إسلام أباد ليست بحاجة إلى التشاور مع الآخرين أو إعفائها من العقوبات.

وأضافت خلال مؤتمرها الصحفي الأسبوعي، بالقول إن القرار الأخير لحكومة باكستان لدفع مشروع الغاز مع إيران وبنائه داخل الأراضي الباكستانية، مستقل وحر، وسيتم تنفيذ هذه العملية في الأراضي الباكستانية قريبا.

وتابعت: على واشنطن أن تفهم أهمية مشروع الغاز الإيراني لإسلام أباد كمصدر لتلبية احتياجات باكستان من الطاقة.

وخط أنابيب الغاز الإيراني الباكستاني، المعروف أيضا باسم "خط أنابيب السلام"، هو مشروع طويل الأمد، ينقل الغاز الطبيعي من إيران إلى دولة باكستان المجاورة.

وبحسب صحيفة "دون" الباكستانية، فإن باكستان تواجه غرامة ضخمة قدرها 18 مليار دولار إذا فشلت في إكمال مشروع خط أنابيب الغاز مع إيران.

وقد بنت إيران بالفعل قسمها من خط الأنابيب، لكن باكستان لم تكمل بعد القسم الواقع على جانبها من الحدود في الإطار الزمني المنصوص عليه في الاتفاق.

وجرى توقيع الصفقة التي تبلغ مدتها 25 عاما لتصدير الغاز الطبيعي الإيراني عبر خط أنابيب إلى باكستان المجاورة بين البلدين عام 2009 وكان من المفترض تنفيذها بحلول عام 2015. 

ومع ذلك، توقف المشروع بسبب العقوبات الأميركية ضد إيران وضغوط الولايات المتحدة على باكستان.

وفقا لعقد منقح في سبتمبر/أيلول 2019، وافقت إيران على عدم رفع دعوى قضائية إذا أكملت باكستان خط الأنابيب بحلول مارس 2024 وهذا ما لم يتحقق بعد.

وتفيد المعطيات وباعتراف إيران، أن باكستان ما تزال متأثرة بالضغوط الأميركية حيال تسديد المستحقات المترتبة عليها لقاء النفط والكهرباء.

إذ تصدر إيران 500 غيغاوات ساعة من الكهرباء إلى باكستان سنويا، ويتراوح سعرها في أسواق المنطقة بين 60 و70 مليون دولار.

كما تظهر إحصائيات غرفة التجارة الإيرانية أنه جرى عام 2023 تصدير ما قيمته نحو 70 مليون دولار من الغاز المسال (البروبان والبيوتان) إلى باكستان، وهو نوع من منتجات النفط الخام.

كما تصدر إيران زيت الوقود إلى باكستان، لكن لم يتم نشر أي تقرير عن حجمه وقيمته.

وبحسب إحصائيات غرفة التجارة، بلغ إجمالي صادرات إيران غير النفطية إلى باكستان نحو ملياري دولار.

وبما أن باكستان هي ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في جنوب آسيا فقد تعرضت لموجة حر شديدة عززت الطلب على الطاقة هذا الصيف.

وقد قال وزير النفط الباكستاني مصدق مسعود مالك، إن بلاده تبحث عن حل للحصول على عمل رخيص عبر إيران، ولكن بطريقة “لا تؤدي إلى فرض عقوبات على باكستان، كل شيء يعتمد على التفسيرات القانونية”.

وأضاف مالك لوكالة رويترز البريطانية في 23 يونيو/حزيران 2024: "رؤيتنا هي عدم الدخول في دعاوى قضائية ولا نريد أن نتعرض للعقوبات".

وأصبحت العلاقات بين البلدين حرجة نهاية يناير/كانون الثاني 2024 بعد الهجوم الصاروخي الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على مواقع جماعة "جيش العدل" داخل باكستان.

 وشنت إسلام أباد هجوما انتقاميا داخل إيران، لكن البلدين أعلنا بعد ذلك أنهما تغلبا على هذا التوتر.

وتستهلك باكستان ما متوسطه 105 ملايين متر مكعب من الغاز يوميا، يأتي ثلثاها من حقول الغاز المحلية والباقي من خلال استيراد الغاز المسال. لكن حاجة إسلام أباد الحقيقية للغاز تبلغ خمسة أضعاف الاستهلاك الحالي.

"مربع ناجح"

لكن تحاول باكستان وإيران البقاء في مربع تجاري ناجح على الرغم من الضغط الأميركي على النفط الإيراني والذي يربك إسلام أباد.

فقد وقعت إيران وباكستان خطة تجارية مدتها خمس سنوات في أغسطس 2023، واتفقتا على زيادة علاقاتهما التجارية الثنائية إلى 5 مليارات دولار.

وفي وقت سابق من أغسطس 2024، أفادت إدارة الجمارك الإيرانية أن القيود الجديدة التي فرضتها باكستان على دخول البضائع الإيرانية أدت إلى تراجع التجارة بين البلدين.

وأمام ذلك، تسعى إسلام آباد إلى حل النزاع بشأن تجنب غرامة محتملة بسبب تأخير استكمال خط أنابيب الغاز الباكستاني الإيراني.

وأخطرت إيران باكستان بنيتها إحالة الأمر إلى محكمة التحكيم في سبتمبر 2024، وهي الخطوة التي قد تؤدي إلى تغريم إسلام أباد غرامة باهظة تتجاوز 18 مليار دولار. 

وكشف مسؤولون حكوميون أن باكستان تعطي الأولوية للتوصل إلى تسوية تفاوضية عبر القنوات الدبلوماسية لتجنب أزمة محتملة، بحسب ما نقلت صحيفة إكسبريس تريبيون في 29 أغسطس 2024.

وسبق أن قال رئيس لجنة الحسابات العامة في باكستان نور علم خان في 18 مايو/أيار 2023 "يتعين على الولايات المتحدة أن تدفع الغرامة إذا لم توافق على المضي قدما في مشروع خط أنابيب الغاز".

وأضاف علم خان: "يتعين على الولايات المتحدة أن تتخلص من المعايير المزدوجة، فهي تتساهل مع الهند في تلبية احتياجاتها من الطاقة بينما تعاقب باكستان على نفس الشيء".

وضمن هذا السياق، رأى الخبير في العلاقات والنزاعات الدولية سيد شباهت، أن "إيران ستواصل دفع باكستان بطريقة إيجابية دون تجاوز أي خطوط حمراء، وستواصل الأخيرة أيضا محاولة عقد اجتماعات مع الهيئات التنظيمية والمالية لإيجاد طريقة للاستفادة من سوق الطاقة الإيرانية".

وأضاف شباهت في تصريحات صحفية مطلع فبراير/شباط 2024 أن "إيران تدرك أيضا أن باكستان لديها دور مهم جدا في منحها إمكانية الوصول إلى كبار مستهلكي الطاقة مثل الهند والصين، وبالتالي لن ترغب طهران في إثارة استياء إسلام آباد أكثر".

وباكستان ليست الدولة الوحيدة التي تعيقها الولايات المتحدة في دفع ثمن النفط إلى إيران بل ينضم إليها العراق.

ولهذا تستدعى الحالة العراقية كنافذة مواربة لتحصيل طهران أموالها من إسلام أباد في قطاع الطاقة. 

فقد جرى حظر صادرات الكهرباء والغاز الإيرانية إلى العراق لسنوات بسبب العقوبات الأميركية، ولا يمكن لطهران استخدام هذه الأموال إلا لشراء السلع الإنسانية من بغداد نفسها.

وسمحت أميركا صيف 2023 لإيران باستخدام أموالها المجمدة في العراق لشراء سلع إنسانية من دول أخرى.

لكن أموال إيران المجمدة في البنك التجاري العراقي هي بالدينار، ولا تستخدم هذه العملة كثيرا في دول أخرى.

لكن مع ذلك، تسير إيران ضمن نفس طويل في بيع منتجاتها النفطية إلى الخارج بطرق التفافية رغم عدم قدرتها على تحصيل أثمانها بسبب العقوبات المشددة المفروضة عليها بفعل برنامجها النووي وانتهاكات حقوق الإنسان في الداخل ودعمها للحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.

ولهذا فإن إيران أبدت قدرتها على تصدير الغاز والنفط إلى باكستان و"تقليص الاعتماد على الدولار".

وفي المقابل، كشفت باكستان عن قائمة من السلع المفتوحة لترتيبات المقايضة مع جارتها.

وفي ظل انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي إلى مستويات حرجة عام 2023، والتي كانت بالكاد تكفي لتغطية واردات شهر واحد، سعت باكستان على وجه السرعة إلى إدارة أزمة ميزان المدفوعات والسيطرة على التضخم، الذي ارتفع إلى ما يقرب من 38 بالمئة.

وأصدرت الحكومة الباكستانية أمرا خاصا يسمح بالتجارة المقايضة مع أفغانستان وإيران وروسيا مقابل سلع محددة، بما في ذلك النفط والغاز الطبيعي، كما أعلنت وزارة التجارة.

وفي حالة باكستان، تبلغ واردات هذا البلد من إيران ثلاثة أضعاف صادراته إلى طهران.

وبما أن أيدي باكستان مقيدة في إرسال مستحقات إيران عليها من النفط والكهرباء، فقد دعا عضو وفد غرفة تجارة زاهدان أمان الله كهرازهي، لخلق ما سماه "جو هادئ في بيئة الأعمال للقطاع الخاص في البلدين".

وقال كهرازهي، في المقابلة المشار إليها سابقا إن رجال الأعمال الإيرانيين يريدون تحرير استيراد السلع من باكستان، في إشارة منه إلى منح إسلام أباد تسهيلات في جوانب اقتصادية ثانية في ظل مضيها في تجميد الأموال الإيرانية.