عملية "معبر الكرامة" تكسر الهدوء.. إلى أين تصل العلاقات بين الأردن وإسرائيل؟

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع حادثة "معبر الكرامة" التي قُتل فيها ثلاثة من رجال الأمن الإسرائيليين، برزت العديد من التساؤلات عن تداعيات العملية على العلاقة بين تل أبيب وعمّان مستقبلا، وإلى أي مدى تشكّل بداية لعمليات نوعية أخرى.

وفي 8 سبتمبر/ أيلول 2024، أطلق ماهر الجازي وهو سائق شاحنة أردني وعسكري سابق، طلقات نارية احترافية، على ثلاثة عناصر من الأمن الإسرائيليين عند معبر الكرامة الحدودي "اللنبي" بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي، وأرداهم قتلى على الفور، ثم استشهد لاحقا.

وعن شهادته، قال شادي، شقيق ماهر الجازي الذي ينتمي لعائلة الحويطات؛ إن "شقيقه غضب على ما يجرى في غزة وحزن من حال الأمة الإسلامية، فكل إنسان يرى القتل في إخواننا بالقطاع يتحرك ضد الاحتلال الصهيوني فبادر لهم"، حسبما نقلت وكالة "عمون" الأردنية.

"تصعيد متوقع"

وبخصوص تداعيات هذه العملية، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حازم عيّاد، إن "العلاقات الأردنية الإسرائيلية ستتأثر، لكن سيتم احتواء هذا الملف، خصوصا أن تل أبيب لا تستطيع اللجوء إلى التصعيد وتفتح جبهة جديدة، ثم إن أي إغلاق للمعابر سيكون بمثابة معاقبة لإسرائيل لنفسها".

ورأى في حديث لـ"الاستقلال" أنه “رغم أن الطرفين سيعمدان إلى احتواء الحادثة، لكن مسار العلاقة الأردنية مع الكيان تصادمي”، خصوصا أن اليمين الإسرائيلي لا يزال لديه أجندة تدفع نحو التصعيد ما يرجح إمكانية الصدام في المستقبل وازدياد توتر العلاقات.

ولفت الكاتب إلى أن "عملية معبر الكرامة تعكس بالفعل حالة احتقان كبيرة داخل الشارع الأردني، نتيجة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة على مدار عام كامل من دون أي قدرة للمجتمع الدولي ولا للمؤسسات العربية لردعه".

وتوقع عيّاد أن “تزداد كمية الحوادث المشابهة لعملية جسر الكرامة، كما يُتوقع أيضا في هذا السياق أن يحصل الأمر ذاته في بلدان عربية أخرى”.

لذلك "الموضوع لا يتعلق فقط بالساحة الأردنية؛ لأن المنطقة العربية كلها تشهد حالة احتقان نتيجة لجرائم الاحتلال في المنطقة".

ولفت إلى أن "هناك الكثير من حوادث الاقتحام للحدود حصلت من أردنيين، لكن لم يتم الإعلان عنها، ولم تكن ناجحة، فيما يقدر عددها بأنها تزيد عن المئة خلال الأشهر الماضية للحرب على غزة".

وأشار الكاتب إلى أن "عملية جسر الكرامة حظيت باهتمام كبير بسبب طبيعتها وطبيعة المعبر الذي جرت عليه الحادثة".

ويطلق على مكان تنفيذ العملية "معبر الكرامة" في فلسطين، و"جسر الملك الحسين" في الأردن، و "جسر اللنبي" لدى الكيان الإسرائيلي، ويقصد بالتسميات على اختلافها المنفذ الوحيد لفلسطينيي الضفة الغربية المحتلة نحو الخارج وعبر الأراضي الأردنية.

ويقع الجسر فوق نهر الأردن إلى الشمال من البحر الميت وفي منتصف المسافة تقريبا بين مدينة عمّان والقدس المحلة.

وبالتالي يربط منطقة الضفة الغربية بالأردن، ويستخدمه المسافرون الفلسطينيون للوصول إلى الأراضي الأردنية ثم للسفر إلى الخارج.

"كسر الهدوء"

على الجانب الإسرائيلي، عزت قراءات وتقديرات إسرائيلية العملية إلى تصاعد التوتر الأمني في الضفة الغربية، واستمرار الحرب على غزة، وغياب أي أفق للهدنة، واستمرار الاحتجاجات في عمّان.

وتعليقا على العملية خلال افتتاح الجلسة الأسبوعية لحكومته في 8 سبتمبر، وصف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه "يوم صعب"، مضيفا: "نحن محاطون بأيديولوجية قاتلة يقودها محور الشر الإيراني"، وفق تعبيره.

ووجهت بعض التحليلات العبرية انتقادات للحكومة الأردنية والقصر الملكي الأردنية واتهمتهما بالتقصير الأمني.

إذ قدرت محررة الشؤون العربية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سمدار بيري، أن "العملية هي نتاج لتراجع التنسيق والتعاون بين البلدين بكل ما يتعلق بالجوانب الأمنية على المناطق الحدودية، بسبب استمرار الحرب على غزة".

ورأت الكاتبة في 8 سبتمبر، أن العملية المسلحة تشكل إخفاقا لأجهزة الأمن الأردنية، علما أن الجانبين الإسرائيلي والأردني عملا -كل من موقعه- منذ بدء "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من أجل منع أي عمليات مسلحة وإحباط أي محاولات لتهريب أسلحة بالمعبر.

وأشارت إلى أن “إسرائيل تحاول ومنذ عدة أشهر الضغط على الأردنيين لإقامة حدود مغلقة في المعبر، مثل محطة الشحن بمعبر كرم أبو سالم المتاخمة لقطاع غزة”.

وتابعت: "أعلن الأردنيون أنهم مهتمون بذلك، لكنهم عمليا لم يتقدموا في هذه الخطوة، مقابل مواصلة الضغط في إسرائيل، لكن دون رد، إذ تقرر سحب طلب إغلاق معبر البضائع".

من جانبه، أعرب المراسل العسكري لموقع "والا" العبري، أودي عتصيون، أن العملية "كسرت حاجز الهدوء الذي ساد في المكان على مدار 30 عاما".

وأرجع "تنفيذ العملية للتصعيد الأمني المتوتر بالضفة، واستمرار الحرب على غزة، والرفض الإسرائيلي لوقف القتال والانسحاب" من القطاع.

وبيّن أن المعبر الموجود في غور الأردن يقع تحت المسؤولية المشتركة (بين تل أبيب وعمان)، ويمر عبره كل عام نحو 100 ألف شاحنة وأكثر من 3 ملايين مسافر.

وأشار عتصيون إلى أن العملية تأتي على خلفية التوتر والفتور بالعلاقات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وملك الأردن عبدالله الثاني، بسبب استمرار الحرب على غزة.

وذكر أن "القدرة على ضمان عدم وصول سائق أردني إلى المعبر مسلحا، تعتمد على جهود القوى الأمنية الأردنية، والجهد الذي استثمرته إدارة الملك عبدالله الثاني في هذا الشأن".

ولفت المراسل إلى أن الهجوم المسلح يأتي في أعقاب "زيادة النشاط العدائي" على طول الحدود الطويلة مع الأردن خلال العام 2023.

وهو "أمر تجلى في زيادة تهريب الأسلحة ودخول المسلحين على طول الحدود إلى منطقة الأغوار، وسط جهود (حركة المقاومة الإسلامية) حماس وإيران لإشعال جبهة الضفة"، وفق قوله.

تبرؤ أردني

على الصعيد الرسمي الأردني، أعلنت وزارة الداخلية، في 8 سبتمبر، أن الجهات الرسمية باشرت التحقيق في واقعة إطلاق النار على الجانب الآخر من جسر الملك حسين (اللنبي).

وفي المقابل، باركت حركة حماس العملية، مشيرة في بيان لها إلى أنها رد على جرائم الاحتلال وتأكيد على وقوف الأمة العربية والإسلامية مع الشعب الفلسطيني ومقاومته.

وعلى الصعيد ذاته، أشادت حركة الجهاد الإسلامي بالعملية، قائلة في بيان لها إنها "أصدق تعبير عن نبض الشعب الأردني والشعوب العربية والمسلمة تجاه مجازر الاحتلال".

وبعد يوم واحد من عملية الكرامة، أفادت القناة 14 العبرية بإحباط تهريب عشرات المسدسات والذخيرة من الأردن.

وخلال الأشهر الماضية، حصلت العديد من محاولات التسلل من الجانب الأردني نحو إسرائيل، منها ما وقع في أبريل 2024.

إذ أفادت "إذاعة الجيش الإسرائيلي" بأن مسلحا جاء من الأراضي الأردنية وأطلق النار على دورية تابعة له لكن لم يوقع إصابات، ودون أن يجتاز السياج الحدودي.

فيما كشفت القناة 12 العبرية في 9 سبتمبر أنه “قبل عملية إطلاق النار الأخيرة، ألقت المخابرات الأردنية القبض قبل نحو شهرين على 4 أردنيين من مدينة السلط عملوا على صناعة متفجرات وتجهيز شاحنة لتفجيرها في معبر الكرامة”.

وتابعت: “الأجهزة الأردنية وصلت إلى معمل المتفجرات الذي أقامه هؤلاء الأربعة، حيث تم اكتشاف العبوات”.

وخلال التحقيقات قال المعتقلون إنهم لم يتلقوا أي دعم من جهات خارجية وأنهم أقدموا على التخطيط من تلقاء أنفسهم.

وقالت القناة: "لم تنشر الجهات الرسمية في الأردن عن هذا الحادث لتفادي غضب الشارع الأردني المعادي لإسرائيل".

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يشهد الأردن بشكل مستمر مظاهرات شعبية عارمة في مختلف المدن، لا سيما العاصمة عمّان، تندد بالجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

وفي 29 مارس/آذار 2024، توافد آلاف الأردنيين من المحافظات كافة إلى محيط سفارة إسرائيل في عمان، وهتفوا للمقاومة، وذلك بعد ثلاثة أيام من هتافات نالت العاهل الأردني، جاء فيها: "يا عبد الله يا ابن حسين.. بدنا نحرر فلسطين".

وشهد محيط سفارة الاحتلال في عمّان، مشاركة حاشدة في الفعاليات التضامنية مع قطاع غزة الذي يواجه حرب إبادة صهيونية غير مسبوقة.

وطالب المشاركون الحكومة بإجراءات عملية لوقف العدوان على قطاع غزة، بإلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل، وقطع الجسر البري الذي ينقل البضائع من دول خليجية عبر الأراضي الأردنية إلى الكيان، ووقف تصدير الخضار من الأردن إلى الكيان.

وواجهت قوات الأمن الأردنية هذه التظاهرة بحملة اعتقالات نالت الرجال والنساء من المتظاهرين، لكن الأمن العام الأردني برر ما جرى بأن “الوقفات شهدت تجاوزات وإساءات ومحاولات تخريب واعتداء”، وفق زعمه.