المغرب.. لماذا يسكت عن سبتة ومليلية ويدافع بشراسة عن الصحراء؟

12

طباعة

مشاركة

في حملته استعدادا للاستحقاقات التي ستعرفها البلاد، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وعد الأمين العام لحزب "فوكس" اليميني المتطرف في إسبانيا ناخبيه بفرض قيود على المغاربة.

طالب خيسوس دلغادو بفرض قيود جديدة على النساء المغربيات اللاتي يلجأن إلى مستشفيات مدينة مليلية بغرض الولادة، ودعا إلى عدم تسجيل الأطفال المغاربة في المؤسسات التعليمية، "لما في ذلك من إضرار بحقوق الطلاب الإسبان".

تقع مدينة مليلية وجارتها سبتة داخل التراب المغربي، توجد سبتة في أقصى شمال غرب إفريقيا وهي شبه جزيرة مطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، بينما تقابل مليلية الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الأيبيرية. 

المغرب الذي يرفض الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على المدينتين ويعتبرهما جزءا من ترابه، كما يعتبرهما إحدى أواخر معاقل الاستعمار في إفريقيا، لكنه لا يكافح بقوة لاسترجاعهما؟.

البعض فسر هدوء موقف الرباط في هذه القضية بعدم قدرتها على فتح جبهتين في آن واحد، الأولى في الجنوب ضد جبهة البوليساريو والجزائر، والثانية في الشمال ضد إسبانيا.

موقف الرباط

في عام 2015 أعلن رئيس الحكومة السابق عبدالإله بن كيران: أن الوقت لم يحن بعد للمطالبة باسترداد المدينتين، ودعا السياسيين إلى الابتعاد عما وصفه بالمزايدات السياسية في هذه القضية، مشيرا إلى: أن إسبانيا شريك اقتصادي مهم للمملكة.

البعض فسر تغير موقف الرباط في هذه القضية بعدم قدرتها على فتح جبهتين في آن واحد، الأولى في الجنوب ضد جبهة البوليساريو والجزائر، والثانية في الشمال ضد إسبانيا.

أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية، إدريس لكريني، قال لـ "الاستقلال": "الملك محمد السادس طرح في الكثير من الأحيان هذا المطلب بسبل تأخذ بعين الاعتبار طبيعة العلاقات المتينة بين الدولتين، وذلك لأن هناك مصالح عدة تجمع بينهما".

مضيفا: "سواء تعلق الأمر بالمصالح التجارية والاقتصادية أو على مستوى التنسيق في قضايا أمنية مرتبطة بمكافحة الإرهاب ومواجهة الهجرة السرية، بالإضافة إلى أن هناك جالية مغربية مهمة تقيم وتشتغل داخل الأراضي الإسبانية وهناك أيضا عدد كبير من المستثمرين الإسبان مقيمين في المغرب".

أسباب الصمت

مقارنة مع الجهد الذي يبذله المغرب من أجل الاعتراف بمغربية الصحراء، تعتبر جهود استرجاع سبتة ومليلية ضئيلة، لكن لكريني يعتبر: أنه "لا يمكننا أن نتحدث عن صمت على اعتبار أن قضية سبتة ومليلية طرحت في كثير من المناسبات ولا تزال، كمطلب مشروع وعادل للمغرب يطرح في برامج الأحزاب السياسية وفي النقاشات داخل البرلمان، إذ دعا الحسن الثاني إلى إحداث خلية بين البلدين لمتابعة الملف".

هناك أرقام تشير إلى أن إسبانيا هي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، في تنافس مع الشريك الاقتصادي الفرنسي، بحسب أستاذ العلاقات الدولية: "هذه المعطيات تجعل المغرب يستحضر هذا المطلب باعتباره مطلبا مشروعا لم يتوقف عن طرحه منذ مدة، لكن إلى جانب العلاقات المتينة بين المغرب وإسبانيا التي تفترض طرحه في نقاشات ناضجة تأخذ هذه العلاقة بعين الاعتبار".

تستقر أكثر من 1000 شركة إسبانية في المغرب وتوجد جالية مغربية كبيرة في إسبانيا، التي حافظت على تصنيفها سنة 2018 باعتبارها المورد والزبون الأول للمغرب للعام السادس على التوالي، مع تدفقات تجارية تجاوزت 12 مليار يورو.

وارتفع معدل تغطية الواردات من الصادرات إلى أكثر من 170 في المائة لصالح إسبانيا عام 2012 وإلى 122 في المائة في عام 2016، ويعد المغرب حاليا أكبر شريك تجاري لإسبانيا في القارة الإفريقية وثاني أكبر شريك في العالم خارج الاتحاد الأوروبي.

وتعتبر المملكة البلد الإفريقي حيث تستثمر الشركات الإسبانية أكثر من غيرها وتتركز هذه الاستثمارات بشكل رئيسي في قطاعات الخدمات والعقار والنقل والسياحة، ويوفر المغرب العديد من فرص الاستثمار في الصناعات الموجهة للتصدير ، ولكن أيضا في الطاقات المتجددة وصناعة معالجة المياه.

إنهاك دبلوماسي

ومن جهة أخرى، قال إدريس لكريني: "لا ننسى أن المغرب له ملف آخر له أولوية على الأقل في الوقت الراهن، وهو ملف الصحراء المغربية، الذي يأخذ جزءا كبيرا من اهتمامات الفاعل الرسمي المغربي سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي -وتحديدا داخل الأمم المتحدة- وأعتقد بأن هذا ملف سبتة ومليلية سيظل مطروحا، سواء على المستوى الأكاديمي أو على مستوى النقاشات السياسية والأحزاب".

ملف قضية الصحراء طرح بحدة، على حد تعبير لكريني: "باعتبار أن هناك محاولات من بعض الأطراف لإرباك الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة أو المبادرات التي طرحها المغرب، خصوصا بعد طرح مشروع الحكم الذاتي".

وزاد أستاذ العلاقات الدولية قائلا: "أخص بالذكر الدور الجزائري، ويبدو أن هذه الارتباكات أخذت من المغرب جهدا كبيرا على مستوى الرد على مجموعة من الأوهام التي يرفعها خصوم الوحدة الترابية في ارتباطها بالاستغلال المنحرف لملف حقوق الإنسان أو استغلال الثروات الطبيعية أو تقرير المصير المفضي إلى الانفصال".

وأفاد المتحدث لـ"الاستقلال": أن "هذه الطروحات جعلت المغرب يبذل مجهودا كبيرا لتفنيدها والرد عليها، سواء عبر  سياسات داخلية مرتبطة بالتنمية وتطوير المنظومة الجهوية على مستوى تعزيز الإصلاحات الداخلية، أو على المستوى الخارجي فيما يتعلق بانكباب وتجند الدبلوماسية المغربية للرد على مختلف التصريحات، وكذلك الخطابات التي تطرحها البوليساريو مدعومة في ذلك من الجزائر بإمكانيات دبلوماسية ومالية وتقنية كبيرة. 

محاولات قديمة

سقطت المدينتان مع ضعف إمارة "بني الأحمر" في غرناطة في القرن 15 الميلادي، فاحتل البرتغاليون سبتة عام 1415، ثم سقطت مليلية في يد الإسبان عام 1497، وظلت سبتة تحت الاحتلال البرتغالي حتى عام 1580 عندما قامت إسبانيا بضم مملكة البرتغال. 

وبعد استعادة الإسبان للأندلس، أطلق "الكرسي البابوي" وهو كيان سياسي قانوني معترف به دوليا يرأسه أسقف روما أو رأس الكنيسة الكاثوليكية، دعوة للسيطرة على الساحل المتوسطي للمغرب، وقامت البرتغال بالسيطرة على الساحل الأطلسي.

حصلت مدينة سبتة على الحكم الذاتي عام 1995، وتعتبر هي ومليلية مدينتان إسبانيتان ذاتيتي الحكم، ويرجع أصل اسم مليلية إلى الأمازيغ الذين أطلقوا عليها اسم "تامليلت" أي (الأبيض) للإشارة إلى الحجر الجيري الأبيض المنتشر على أراضيها.

تعددت المحاولات التاريخية للمغرب لاستعادة المنطقة، منها محاولة المولى إسماعيل في القرن 16 الميلادي، حين حاصر المغاربة مدينة سبتة 33 سنة دون أن يتمكنوا من استعادتها، ثم محاولة السلطان محمد بن عبدالله عام 1774 م محاصرة مدينة مليلية من غير جدوى.

وتبقى أبرز المحاولات المعاصرة هي ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي والحروب التي خاضها بين عامي 1921 و1926 ضد القوات الإسبانية في شمال المغرب.

المحاولات تكررت في عهد الملك السابق الحسن الثاني، إذ طالب باسترجاع سبتة ومليلية في إطار تفاوضي، غير أن جهود المغرب لم تجعل الأمم المتحدة تصنف المنطقة ضمن المناطق المحتلة والواجب تحريرها. 

عندما زار ملك إسبانيا خوان كارلوس المدينتين عام 2007، عادت محاولات العهد الجديد في ظل حكم الملك محمد السادس، للمطالبة بالسيادة على المدينتين، وهي المطالبات تبنتها الأحزاب السياسية بشكل كبير.