"أرض الميعاد المزعومة".. لهذا تسيطر إسرائيل على 10 مصادر مياه في سوريا

"هذه السيطرة أداة سياسية لابتزاز الإدارة السورية الجديدة وتحقيق أهداف دينية مزعومة"
هناك تركيز إسرائيلي خلال التوغلات داخل أراضي سوريا بحجة حماية أمنها على احتلال أنهار ومناطق بها مصادر المياه الرئيسة في سوريا.
وسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلي على 10 مصادر مياه رئيسة في جنوب سوريا ومسطحات مائية رئيسة، تُقدر بما يشكل نسبة 30 بالمئة من إمدادات المياه في سوريا، و40 بالمئة من إمدادات المياه في الأردن، بتقدير أنها نابعة من سوريا.
أنهار وسدود
السيطرة على مصادر المياه جزء من إستراتيجية صهيونية لنهب هذه المياه أو التفاوض على تقسيمها مستقبلا، بسبب العجز المستقبلي المتوقع لمصادر المياه في دولة الاحتلال والتي تعتمد كلها على مصادر مياه فلسطينية ولبنانية منهوبة.
السيطرة على مصادر المياه له علاقة بـ"الرؤية التوراتية" التي تعد سوريا وما حولها جزءا من خرافة "أرض الميعاد".
وتحتل سوريا المرتبة 25 بين 33 دولة من المرجح أن تعاني من نقص حاد في المياه بحلول عام 2040، بحسب "معهد الموارد العالمي".
وعقب سقوط نظام بشار الأسد، وعلى مدار ديسمبر/ كانون الأول 2024، كانت دبابات الاحتلال تتحرك مباشرة نحو المناطق المائية، بحجة حماية أمن إسرائيل، وكانت تقوم بالقصف وادعاء تدمير تهديدات عسكرية؛ للتغطية على سرقة المياه.
ومع سيطرة ثوار سوريا، احتلت قوات الاحتلال 6 أنهار ومسطحات مائية، خلال ديسمبر 2024، أبرزها، مجرى نهر اليرموك، وسد الوحدة، الذي يُعد أحد أهم مصادر المياه والكهرباء في سوريا، ويزود الأردن أيضا بالمياه.
ومع بداية عام 2025، أكدت وسائل إعلام سورية أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تمددت وسيطرت على المزيد من المياه باحتلال "سد المنطرة" في 2 يناير/كانون الثاني، وهو شريان الحياة لمحافظة القنيطرة والمناطق المحيطة بها.
ويقع سد المنطرة على بعد بضع مئات من الأمتار شرق القنيطرة، وحوالي 50 كيلومترا جنوب غرب العاصمة دمشق، داخل المنطقة العازلة التي أنشئت على مرتفعات الجولان عام 1979.
والسد يغذي مدينة القنيطرة التي احتلتها إسرائيل، ما يشير إلى أن احتلال القنيطرة ليس مؤقتا، ولكنه دائم بحسب التصرفات الصهيونية، ضمن خطة سرقة المياه السورية.
وهذا الخزان المائي الحيوي (سد المنطرة) يشكل مصدر دعم طويل الأمد ليس فقط لمحافظة القنيطرة، حيث تقع مرتفعات الجولان المحتلة، بل أيضا للمنطقة الجنوبية القاحلة الأوسع في سوريا.
ويقول الخبراء: إن احتلال سد المنطرة، وهو من أهم السدود في جنوب سوريا، يعني أن نحو 30-40 بالمئة من موارد سوريا المائية أصبحت حاليا تحت السيطرة غير الشرعية للاحتلال الإسرائيلي.
فقبل "المنطرة"، كانت إسرائيل تحتل خمسة مواقع رئيسة أخرى تزود سوريا بالمياه من جيرانها، والآن أصبحت "ستة مصادر مياه رئيسة" محتلة تُشكل 30 بالمئة من إمدادات المياه في سوريا، و40 بالمئة من إمدادات المياه في الأردن.
تسعة سدود
وكشفت قناة "برس تي في" الإيرانية الإنجليزية في 6 يناير 2025 أنه بالإضافة إلى سد المنطرة الذي يبلغ طوله 3.5 كيلومترات، والذي يقع داخل المنطقة العازلة التي فرضتها الأمم المتحدة.
استولت إسرائيل أيضا على "تسعة سدود أخرى" خارج المنطقة العازلة، كلها في محافظتي القنيطرة ودرعا في سوريا التي تمددت بها قوات الاحتلال بهدف الاستيلاء على مصادر المياه، ليصبح إجمالي ما يسيطر عليه الاحتلال 10 أنهار وسدود ومسطحات مائية.
فقد احتل الجيش الإسرائيلي "سد رويحينة" الأصغر حجما والذي يقع على بعد 2.5 كم أسفل "نهر الرقاد" ذاته، والذي يشكل الحدود الطبيعية لمرتفعات الجولان إلى الشرق.
وعلى نفس النهر، على بعد عشرة كيلومترات أخرى في اتجاه مجرى النهر، يوجد "سد كودنا" الذي يبلغ طوله ثلاثة كيلومترات، والذي يشغله "سد بريقة" الأصغر المجاور له، وتم احتلاله.
وهناك سدان آخران أكبر حجما نسبيا على نهر الرقاد، وهما "سد غدير البستان" قرب بلدتي زغبي والناصرية، و"سد جسر الرقاد" قرب صيدا وعين زكار.
ويعد نهر الرقاد أحد أهم روافده، إذ يتدفق إلى نهر اليرموك، الذي يشكل الحدود الطبيعية بين سوريا والأردن، ثم يتدفق إلى نهر الأردن الذي يتمتع بأهمية إستراتيجية كبيرة بصفته نهرا غنيا بالمياه.
وهناك ثلاثة سدود مأهولة أخرى تقع إلى الشرق على روافد نهر الرقاد وهي "سد شبراق"، و"سد سحم الجولان"، و"سد عابدين".
أما السد العاشر المحتل، فهو سد الوحدة (المقارن)، وهو سد خرساني يبلغ ارتفاعه 110 أمتار على نهر اليرموك، على الحدود بين سوريا والأردن.
وكانت الخطط الأردنية السورية المشتركة لبناء هذا السد موجودة منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، لكنه لم يفتتح إلا عام 2011، وهو العام الذي شهد قمع نظام الأسد للثورة السورية وبدء الصراع المسلح.
وكان أكبر المعارضين لبناء هذا السد هو إسرائيل، التي زعمت أن السد وخزانه من شأنه أن يهدد إمدادات نهر الأردن لها، والذي تعتمد عليه لمياه الشرب، لذا سارعت لاحتلاله عقب انهيار نظام الأسد.
وإلى جانب هذه السدود، احتل الجيش الإسرائيلي، في شمال المنطقة المحتلة، بجوار جبل الشيخ، وادي "نهر الأعوج"، الذي يشكل مع "نهر بردى" المغذي الرئيس لحوض محافظة دمشق.
لماذا المياه؟
احتلال إسرائيل لتسعة أنهار وخزانات يشكل ضربة موجعة للإدارة السورية الجديدة، ويعد أحدث حلقة في سلسلة من القيود الأجنبية على وصول السوريين إلى مصادر مياههم وورقة ضغط قوية، خاصة أن سوريا تعاني من جفاف مستمر.
إذ تعمّد الاحتلال السيطرة على مصادر المياه في سوريا خاصة في الجنوب، ما يشير إلى رغبة تل أبيب في ضم هذه المناطق للدولة الصهيونية ضمن أحلام "أرض الميعاد" والتوسع و"الشرق الأوسط الجديد" الذي يطمح له رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ويزيد من ضغوط احتلال إسرائيل لمصادر المياه في جنوب سوريا، على النظام الجديد في سوريا، أن إمدادات المياه في منطقة شمال شرق سوريا أيضا، والتي تعد سلة الخبز للبلاد، منخفضة، بسبب التدفق الضعيف عبر نهر الفرات من تركيا.
وتوجد المياه في منطقة الشام، بصورة أساسية في 3 أحواض أنهار وهي دجلة والفرات والأردن، والسيطرة على تلك الأحواض المائية يعني المقدرة على البقاء على قيد الحياة، وامتلاك النفوذ على دول المنطقة.
ومن هنا تأتي أهمية مياه سوريا؛ إذ إنها تملك داخل أراضيها موارد مائية مهمة بالنسبة للمنطقة، رغم أنها تعاني من جفاف بداخلها، حيث ينبع نهرا دجلة والفرات من تركيا ليعبرا من شمال سوريا، حتى جنوبها قرب دولة الاحتلال.
وتمر الأنهار في جنوب سوريا حتى الحدود مع إسرائيل والأردن، خاصة نهر اليرموك، وهو الرافد المائي الرئيس للأردن.
ومع أن فقدان 10 سدود (9 منخفضة نسبيا ذات خزانات ضحلة وسد واحد مرتفع) سيطر عليها الاحتلال، لا يبدو كبيرا مقارنة بـ150 سدا في جميع أنحاء سوريا، وأكثر من 15 كيلومترا مكعبا من المياه التي يجلبها سنويا نهر الفرات العظيم.
إلا أن نهر الفرات يعاني بدوره من مشكلات عديدة، لأنه يخضع لسيطرة الأكراد الموالين للولايات المتحدة، كما أن تركيا تمنع تدفق المياه الطبيعي إليه في كثير من الأحيان من خلال سدودها.
كما أن اتفاقيات المياه بين سوريا والعراق تشترط تدفق نحو 60 بالمئة من مياه نهر الفرات إلى العراق كدولة "مصب".
وقد وصل منسوب المياه في نهر الفرات، الذي تعتمد عليه سوريا للشرب بنسبة 90 بالمئة، والكهرباء بنسبة 70 بالمئة، إلى أدنى مستوى له على الإطلاق عام 2021، مما أدى إلى مشاكل كارثية، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات في العاصمة.
وكان هناك مشروع لنقل المياه من نهر الفرات إلى دمشق لكن تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات، لذلك توقفت خططه ولم يتم تنفيذه بالكامل على الإطلاق.
وفي السنوات الأخيرة، اعتمد 7 ملايين شخص من دمشق وجنوب سوريا بشكل أساسي على الأنهار المحلية الأصغر حجما، وتحديدا نهر الأعوج، ونهر بردى، ونهر الرقاد، ونهر اليرموك، بالإضافة إلى المياه الجوفية، وكلها أنهار احتلتها إسرائيل.
ومع خسارة وادي اليرموك السفلي ووادي الأعوج العلوي، فضلا عن معظم نهر الرقاد، فإن 90 بالمئة من إمدادات المياه للعاصمة دمشق، ستصبح حاليا تحت رحمة الاحتلال الإسرائيلي.
وحين احتلت إسرائيل الجولان حرمت سوريا من الوصول إلى "بحيرة طبرية"، وهي بحيرة تقع في فلسطين بين منطقتي الجليل والجولان، وتعد مصدرا ذا أهمية قصوى لإمداد المياه لسكان جنوب سوريا.
أحلام توراتية
باحتلاله 10 مصادر مياه سورية، مدد الاحتلال سيطرته من المنحدرات الشرقية لجبل الشيخ والحدود اللبنانية، إلى وادي نهر اليرموك قرب الأردن في الجنوب، وهي مناطق تعدها دولة الاحتلال ضمن أحلام "أرض الميعاد".
وبالنسبة لها، فإن احتلال الموارد المائية السورية ليس فقط أداة سياسية مفيدة لابتزاز الإدارة السورية الجديدة ولكن الأمر يتخطى ذلك لتحقيق أهداف دينية هي "أحلام أرض الميعاد".
فقد شكلت الموارد المائية في المنطقة العربية محور اهتمام الحركة الصهيونية، قبل وبعد إنشاء الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
ففي مؤتمر باريس للسلام عام 1919، طالب حاييم وايزمان، أحد مؤسسي الحركة الصهيونية وأول رئيس لها، بأن تشمل حدود أي دولة مستقبلية منابع نهر الأردن (جبل الشيخ) والروافد الدنيا لنهر الليطاني (لبنان).
وكتب وايزمان حينئذٍ إلى بريطانيا يطلب فيها السيطرة على أنهار الليطاني والأردن واليرموك، بصفتها محورية للغاية لأمن الكيان الصهيوني المستقبلي.
وكانت بحيرة طبريا ونهر الأردن ونهر الليطاني، أهدافا إسرائيلية في العديد من الحروب منذ عام 1948 وحتى الوقت الحاضر، بما في ذلك محاولات الاستيلاء على أنهار لبنانية.
وفي مقاله بصحيفة "هآرتس" في 10 ديسمبر، كتب "ب. ميخائيل" وهو أديب يساري إسرائيلي يسخر من أحلام قومه التوراتية وتوغل جيش الاحتلال في سوريا والسيطرة على مصادر المياه، وتحدث عن "جنون العظمة".
وقال ميخائيل: إنه “وفق التقاليد اليهودية القديمة (معتقدات المتطرفين الصهاينة) التقى الله وإبراهيم في المنطقة التي تم تحريرها للتو بين جبل الشيخ السوري ومزارع شبعا؟”
وأضاف "وهناك، وعد الله إبراهيم بأرض حدودها كحدود إمبراطورية حالمة: من البحر الأبيض المتوسط على طول نهر النيل حتى أسوان، ومن هناك، عبر السعودية في خط مستقيم إلى الخليج العربي".
ثم "من الخليج على طول نهر الفرات حتى قرب تركيا، بما في ذلك أجزاء واسعة من العراق وسوريا، وقطعة من الكويت وكل لبنان".
وهو ما يشير إلى ربط الاحتلال بين السيطرة على مصادر المياه والأرض وبين رواية التوراتية.
وتتحجج إسرائيل في احتلالها هذه المصادر المائية بأنها تحتاج للاحتفاظ بمنطقة سيطرة عازلة بعمق 15 كيلومترا داخل الأراضي السورية، للتأكد من أن النظام الجديد وحلفاءه لن يتمكنوا من إطلاق صواريخ صوب هضبة الجولان.
كما تحتاج أيضا إلى "مجال نفوذ يمتد لمسافة 60 كيلومترا داخل سوريا، يسمح بسيطرة استخباراتية"، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 10 يناير 2025.